الوجه الجديد لتنظيم داعش.. التطرف يتسلل في صمت بين شباب الهند وآسيا الوسطى
الوجه الجديد لتنظيم داعش.. التطرف يتسلل في صمت بين شباب الهند وآسيا الوسطىالوجه الجديد لتنظيم داعش.. التطرف يتسلل في صمت بين شباب الهند وآسيا الوسطى

الوجه الجديد لتنظيم داعش.. التطرف يتسلل في صمت بين شباب الهند وآسيا الوسطى

بدأ اهتمام العديد من الخبراء في مجال التطرف والإرهاب يتركز بقدر كبير على تداعيات الروابط التي عززها تنظيم داعش المتشدد في الهند وآسيا الوسطى، التي بدأ التطرف يتسلل سريعا بين شبابها بفعل عوامل متعددة.

ويسلط تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، الضوء على تنامي التنظيم في هذا الحيز الجغرافي، حيث بدأ يبرز مؤخراً مع الهجوم الذي شنه داعش على سجن جلال أباد في أوائل أغسطس، حيث أظهر الهجوم مستوى من الطموح الذي ميّز الجماعة عن العديد من الفروع الإقليمية الأخرى لتنظيم داعش.



نهج جديد

وكان الهجوم -كما تقول الصحيفة- جزءًا من حملة عالمية أكبر لتحرير متطرفين في السجون، كما كان أيضا وسيلة للإشارة إلى كيفية اختلاف نهج الجماعة في تحرير أسراها عن نهج طالبان.

وكان الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الهجوم قائمة المقاتلين المشاركين، والتي شملت مجموعة متعددة الجنسيات تضم الأفغان والهنود والطاجيك والباكستانيين.

وفي حين قد لا يبدو هذا مفاجئًا للوهلة الأولى، إلا أن مشاركة الآسيويين والهنود في الهجمات العابرة للحدود الوطنية تعتبر ظاهرة جديدة نسبياً تعكس نمطاً متحولاً في النهج المرتبط بتنظيم داعش.

وكشفت بعض الهجمات الأكثر إثارة التي قامت بها الجماعة، مثل تفجيرات عيد الفصح 2019 في سريلانكا، والهجوم على ملهى ليلي تركي في ليلة رأس السنة 2017، أو هجمات الشاحنات في العام 2017 في مدينتي نيويورك وستوكهولم، عن الجاذبية المستمرة للجهاد المتطرف لجمهور عالمي.

والواقع أن صعود أفواج آسيا الوسطى والجنوبية إلى القيادات المسؤولة عن التخطيط للهجمات يشكل تطورا خطيرا ومثيرا للقلق، فلا تعتبر الأفكار المتطرفة جديدة على آسيا الوسطى أو الهند، فقد كانت الحرب الأهلية في طاجيكستان في تسعينييات القرن الماضي، والتي اندلعت في أعقاب تحرير البلاد من الاتحاد السوفياتي ساحة معركة مبكرة لفترة ما بعد الحرب الباردة، وشملت عناصر متطرفة، حيث استخدم المقاتلون شمال أفغانستان كقاعدة للقتال في طاجيكستان.

وفي حين أن معظم الدعم للقتال في طاجيكستان قد خرج من المجتمعات المحلية في شمال أفغانستان التي استمرت في القتال ضد تنظيم القاعدة وطالبان، انتهى المطاف ببعض المقاتلين المحبطين في الصراع إلى القتال إلى جانب القاعدة، ولفترة، ركزت تقييمات المكان الذي سيذهب إليه تنظيم القاعدة بعد طرده من أفغانستان بعد هجوم 11/9، على وادي فرغانة، وهي منطقة تمتد عبر أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان والتي تضم المجتمعات المحافظة التي اشتبكت مع عواصمهم.

وقدمت جماعات مثل حركة أوزبكستان الإسلامية أو "جند الخليفة" أو "اتحاد الجهاد الإسلامي" أو الجماعات المختلفة من طاجيكستان شبكات ساعدت سكان آسيا الوسطى على المشاركة في القتال في أفغانستان وباكستان، ولكن هذه الشبكات كانت محدودة نسبياً من حيث تأثيرها.



تاريخ التشدد في الهند

يرجع تاريخ الجماعات المتشددة في الهند إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث كان البلد مهد حركة ديوباندي، وهي طائفة كانت مصدرا لأفكار حركة طالبان وغيرها من الحركات المتطرفة، ولطالما كانت تلك الجماعات المتطرفة تنخرط في صراع كشمير، والذي كان من بين أطول الصراعات التي طال أمدها دون حل.

وفي حين أن معظم الكشميريين هم من القوميين الغاضبين من نيودلهي، إلا أن الجماعات المتطرفة تستخدم صراعهم كصرخة حاشدة، وتشير إليه كأحد الأماكن العديدة التي يتعرض فيها المسلمون للإساءة.

ومع ذلك بغض النظر عن هذا التاريخ، لم تنتج الهند ولا آسيا الوسطى تاريخياً العديد من الشخصيات البارزة في "الحركة الجهادية الدولية"، والتي شنت هجمات بعيدة عن حدودها، حيث بقي الهنود منخرطين في الشبكات المحلية، أو في بعض الأحيان في باكستان، وقد ظهر الآسيويون في أفغانستان وباكستان، ولكنهم نادرا ما وصلوا لأبعد من ذلك، ولكن يبدو أن كل هذا قد بدأ يتغير.

ولطالما كانت إحدى عوامل الجذب الرئيسية التي تجذب الشباب والشابات إلى التطرف هي فكرة المشاركة في حركة دينية عابرة للحدود الوطنية ونضال عالمي ملحمي، فالتركيز على المستوى المحلي ضيق الأفق فقط، لا يكفي لاجتذابهم، ويبدو أن هذه هي الفجوة التي حددها تنظيم داعش وسدها.

سوريا مهد التطرف خارج الحدود

وكانت سوريا بمثابة نقطة تحول رئيسية في مشاركة الهند وآسيا الوسطى في الحركة الجهادية العالمية، فهي تعمل كبؤرة جذب قوية للمتطرفين، ونقطة واضحة وهامة في قصة المتشددين الدوليين، فقد اجتذبت ساحة المعركة هناك المسلمين من حوالي 100 دولة مختلفة ومن كل قارة، بما في ذلك الهنود والآسيويين الوسطى، على الرغم من أن تجاربهم كانت مختلفة بشكل ملحوظ.

واندمج شباب آسيا الوسطى بسرعة في الصراع، حيث قاتلوا جنباً إلى جنب مع كل من تنظيم داعش والجماعات المرتبطة بالقاعدة، فعلى سبيل المثال، ارتقى العقيد السابق الطاجيكي غولمورود خاليموف ليكون أحد كبار قادة تنظيم داعش، وحاربت مجموعات كبيرة من آسيا الوسطى في ساحة المعركة.



ولكن تجربة الهنود القلائل الذين ذهبوا إلى بلاد الشام، مختلفة، فقد لقي الكثير منهم معاملة سيئة على أيدي مضيفيهم العرب، الذين ينظرون إليهم باحتقار، مما يعكس وضع سكان جنوب آسيا كعمال فقراء في الكثير من أنحاء العالم العربي.

غير أن هذه العنصرية لم تمنع عدداً كبيراً من الهنود من الانضمام إلى الجماعة، ووصلت مجموعة أكثر ازدهاراً من المقاتلين الهنود إلى الصراع في أفغانستان للقتال إلى جانب تنظيم داعش هناك.

ومنذ ظهور تنظيم داعش، شارك شباب آسيا الوسطى في هجمات متكررة على تركيا، بما في ذلك الهجوم على مطار أتاتورك في إسطنبول في يونيو 2016 والمذبحة البارزة في ملهى رينا الليلي في المدينة ليلة رأس سنة، فضلا عن الهجمات التي استخدمت المركبات لدهس الحشود في ستوكهولم، ومدينة نيويورك في عيد القديسين العام 2017، فضلا عن تفجير مترو في سانت بطرسبرغ.

وبالنسبة للهنود، كان الدور الدولي أكثر محدودية، حيث ظهروا في معظم الأحيان في هجمات بأفغانستان وبأعداد محدودة في ساحة المعركة السورية.

ويأتي الهجوم على سجن جلال أباد بعد قرار سابق اتخذه تنظيم داعش في ما يسمى "ولاية خراسان" باستخدام مقاتل هندي لمهاجمة موقع عبادة للسيخ، في كابول.



وينظر المتطرفون إلى السيخ على أنهم "مشركون"، وبالتالي فهم هدف مقبول لتنظيم داعش، مثل العديد من الجماعات الدينية الأخرى التي تم تكفيرها، على الرغم من أن قرار استخدام مهاجم هندي يعكس على الأرجح رغبة الجماعة في تسليط الضوء على صلتهم بالهند على وجه الخصوص.

وكان تنظيم داعش قد أعلن رسميًا إنشاء فرع له في الهند العام الماضي، إلا أنه كان يلمح إلى وجوده في كشمير منذ سنوات، ومن المرجح أن يكون الكشميريون المحليون قد رفضوا هذه الجماعة جزئياً؛ لأنهم لطالما رأوا أن الإسلاميين الأجانب سيكونون بمثابة عوامل تعقيد لصراعاتهم ضد الدولة الهندية.

ومع ذلك، يبدو الآن أن الجماعة تتحدث بصراحة تامة عن مشاركتها في المنطقة، ونشرت شبكة النبأ التابعة لتنظيم داعش، مؤخراً أنباء عن مقتل ثلاثة كشميريين قيل إنهم سقطوا وهم يقاتلون لصالح التنظيم، وينضم هؤلاء الثلاثة إلى الأعداد المتزايدة من سكان كيرالا وغيرهم من الهنود الذين يُقال إنهم ماتوا أو قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش.

وتعتبر الأعداد الإجمالية صغيرة نسبيا، إلا أن هذه صيحة جديدة تمامًا، فقد كان تورط الهنود في الهجمات الخارجية حتى الآن الاستثناء وليس القاعدة، وكان الهنود المتطرفون القلائل يميلون إلى الجهاد في داخل الهند وبطريقة محدودة، وغالباً ما تكون لهم صلات عابرة للحدود مع باكستان، ولكن لم يخرج عن حدود البلاد سوى عدد قليل جدًا، مثل ديرين باروت، وهو هندوسي نشأ في بريطانيا وكان مقربا من منظم هجمات 9/11 خالد شيخ محمد، وسجن في نهاية المطاف لتورطه في مؤامرة لتفجير قنبلة في المملكة المتحدة العام 2005.



وهذا أمر مثير للدهشة، بالنظر إلى أن الهند هي موطن ثالث أكبر جالية إسلامية في العالم، ومع ذلك، فإن الجيل الجديد من المتطرفين اليوم، مدفوع بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية.

كورونا وعوامل أخرى تولد التطرف

وتعتبر آسيا الوسطى والهند موطنا لمجتمعات كبيرة من الشباب الذين يذهبون ويعملون في الخارج، ويرسلون تحويلات مالية إلى الوطن تشكل دعامة حاسمة للاقتصادات المحلية.

وغالباً ما ينتشر التطرف بين مجتمعات المغتربين الهنود في الخليج، وشباب آسيا الوسطى في روسيا، ووسط الوباء الذي يعصف بعالمنا اليوم، تباطأ سير العمل مما أضر بالاقتصادات، ولكنه أيضا خلق مجموعة من الشباب العاطلين في الداخل والخارج.

ويأتي ذلك في سياق بيئة سياسية متوترة، ففي الهند، طرح رئيس الوزراء ناريندرا مودي سلسلة من السياسات التي تروج لرواية قومية هندوسية معادية للمسلمين علناً، ومنذ ذلك الحين، كان هناك ارتفاع ملحوظ في الدعاية تجاه الهند من المتشددين.

وفي آسيا الوسطى، قد لا تؤجج الحكومات التوترات نفسها، ولكن كان هناك سعي نشط وراء المعارضين السياسيين في جميع أنحاء المنطقة، وفي حين أن هناك العديد من البرامج التي تسعى إلى مكافحة التطرف العنيف، إلا أنه فعاليتها لم تكن واضحة، كما لم يتضح ما إذا كانت قادرة على التعامل مع مشاكل التطرف بين مجتمعات المغتربين.

وهناك تساؤل مستمر حول ما سيحدث للمقاتلين من هذه الدول والذين ذهبوا إلى سوريا والعراق، وقد يحاول البعض العودة إلى الوطن، ولكن البعض الآخر قد ينتهي به الأمر إلى تعزيز شبكات جديدة تخلق مشاكل في أماكن أخرى.

وربما يكون أخطر ما في الأمر هو تزايد عدد الروابط الهندية والآسيوية بالمؤامرات خارج مناطقها، ففي وقت سابق من هذا العام، أحبطت السلطات الألمانية شبكة من الطاجيك المرتبطين بالخلايا الإرهابية في ألبانيا والمتصلين بتنظيم داعش في كل من أفغانستان وسوريا.



ووفقا لتقارير، كان أفراد هذه الشبكة تحت أوامر بشن هجوم في أوروبا، وورد أن السلطات قد أحبطت خلايا إرهابية أخرى من شباب آسيا الوسطى في جميع أنحاء أوروبا، وقامت السلطات في أوكرانيا باعتقال العديد من المقاتلين الفارين من ساحة المعركة في سوريا.

وفي حين شهدت الهند نشاطًا أقل من هذا النوع، إلا أنه قد كان هناك صلات هندية بهجمات عيد الفصح في سريلانكا العام 2019، وعلى غرار العديد من المتطرفين العنيفين.

وفي حين أن قصة التطرف في آسيا الوسطى والهند لم تحظ تاريخياً باهتمام كبير عالميا، إلا أن التهديد المتسلل الذي يمثله خروج المتطرفين من البيئات المحلية المحرومة من الفرص والحقوق، قد لا يلاحظه أحد حتى فوات الأوان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com