تعبيرية عن الصراع بين الصين وتايوان
تعبيرية عن الصراع بين الصين وتايوانرويترز

ماذا ستخسر أمريكا إذا استولت الصين على تايوان؟

قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إن واشنطن وحلفاءها سيواجهون العديد من الكوارث الجيوسياسية المحتملة على مدى العقد المقبل، ولكن جميعها تقريبًا تتضاءل مقارنة بما قد يحدث إذا ضمت الصين تايوان أو غزتها.

وأضافت المجلة، في تقرير، أن مثل هذه النتيجة "ستكون كارثة ذات أهمية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة حسبما ذكر الجنرال دوجلاس ماك آرثر في يونيو/حزيران 1950، الذي كان يشرف آنذاك على اليابان المحتلة".

وأعرب آرثر آنذاك عن "قلقه في مذكرة سرية للغاية إلى واشنطن بشأن احتمال أن يسعى الشيوعيون في الصين إلى هزيمة أعدائهم القوميين مرة واحدة وإلى الأبد وبأن عامل الزمن هو الفيصل في ذلك".

أخبار ذات صلة
ما سر عودة بالونات التجسس الصينية للتحليق مجددا فوق تايوان؟

ومضت المجلة في شرح كيف أنَّ كلمات ماك آرثر "أكثر صدقًا" الآن من أي وقت مضى وذلك بعد مرور أكثر من 70 عامًا على تصريحاته.

وأردفت: "آنذاك، كما هي الحال الآن، كانت جغرافية تايوان تشكل أهمية كبرى، إذ تعتبر تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي بمثابة ركيزة دفاعية لليابان وتحرم الصين من نقطة انطلاق يمكن من خلالها تهديد حلفاء الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ".

ورأت أنه "على عكس الخمسينيات، عندما كانت تايوان تحت الحكم الاستبدادي لشيانج كاي شيك، أصبحت الجزيرة اليوم ديمقراطية ليبرالية كاملة النضج، إذ من شأن إخضاعها لشمولية بكين أن يعيق ذلك التطلعات الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الصين نفسها".

وقالت: "على النقيض من زمن ماك آرثر، تشكل تايوان اليوم أهمية اقتصادية لبقية العالم، باعتبارها المنتج الرئيس للرقائق الدقيقة المتقدمة ومن شأن أي حرب ضد تايوان أن تتسبب بسهولة بحدوث كساد عالمي".

وأردفت: "هناك اختلاف رئيس آخر بين زمن ماك آرثر واليوم، وهو ازدهار شبكة واسعة من حلفاء الولايات المتحدة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي الدول التي تعتمد على الدعم الأمريكي لأمنها".

ولفتت إلى أنه "من الممكن أن يؤدي استيلاء الصين على تايوان إلى إثارة سباق بين الدول لتطوير ترساناتها النووية، إذ فقدت الضمانات الأمنية الأمريكية مصداقيتها".

الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال استعراض عسكري سابق
الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال استعراض عسكري سابقرويترز

وفي السنوات الأخيرة، أظهر الزعيم الصيني شي جين بينج إصرارًا على حل وضع تايوان على نحو لم يفعله أسلافه من قبل.

وأمر الزعيم الصيني بتعزيز عسكري سريع، وأمر القوات الصينية بمنحه مجموعة كاملة من الخيارات لتوحيد تايوان بحلول عام 2027 .

وتثير هذه الإشارات جدلاً في واشنطن وأماكن أخرى حول ما إذا كانت تايوان ذات أهمية إستراتيجية واقتصادية كافية لتستحق الحماية في  أصعب حالات الطوارئ.

أخبار ذات صلة
بعد روسيا وأوكرانيا.. إيلون ماسك يقدم اقتراح سلام بين الصين وتايوان

الدفاع عن الديمقراطية

ووفق "فورين أفيرز"، فإن مواطني تايوان اغتنموا الفرصة بالفعل "لتطوير مستقبلهم السياسي" من خلال بناء ديمقراطية كاملة قبالة سواحل الصين.

وحذرت المجلة مِن أنه لو تم إخماد هذا النظام الديمقراطي في تايوان لكانت بكين محت أول ديمقراطية ليبرالية في العالم والتي يضم مؤسسوها العديد من الأشخاص المرتبطين  بالتراث الصيني.

وتابعت: "في عام 1996، صوت التايوانيون للمرة الأولى لانتخاب رئيسهم بشكل مباشر، والذي تم اختصار فترة ولايته القصوى من فترتين مدة كل منهما ست سنوات إلى فترتين مدة كل منهما أربع سنوات، وبعد أربع سنوات، انتخبوا رئيسًا لحزب معارض، منهين بذلك الاحتكار السياسي لحزب الكومينتانغ، الحزب الذي حكم الجزيرة منذ عام 1945".

وشددت أن الديمقراطية عملت على  مدى العقدين الماضيين على تعميق جذورها في تايوان، التي تتمتع باحترام كبير حيث تشهد البلاد انتقالًا منظمًا للسلطة السياسية كل أربع إلى ثماني سنوات.

رئيس تايوان الجديد لاي تشينغ تي
رئيس تايوان الجديد لاي تشينغ تيرويترز

وأشارت إلى أنه تم تصنيف تايوان من قبل وحدة الاستخبارات الاقتصادية في المرتبة الثامنة من حيث النظام السياسي "الديمقراطي بالكامل" في العالم، متقدمة على كل الديمقراطيات الأقدم منها بكثير بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وتحتل تايوان المركز السادس في العالم من حيث المساواة بين الجنسين، وفقًا لمؤشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتشغل النساء أكثر من 40% من مقاعد المجلس التشريعي الوطني في تايوان، وهي أعلى نسبة في آسيا وتتفوق بفارق كبير على الولايات المتحدة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء في أعضاء الكونغرس الأمريكي 28%.

 وقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة تايوان للديمقراطية في عام 2023 أن ثلاثة أرباع التايوانيين يعتقدون أنه رغم وجود مشاكل مع الديمقراطية، فإنها تظل النظام الأفضل .

وفي تناقض صارخ مع الولايات المتحدة، كان الشباب على وجه الخصوص يميلون إلى تبني هذا الرأي.

حرب السفن

وحذر التقرير من أن استحواذ الصين على تايوان من شأنه أن يدمر صناعة أشباه الموصلات، التي تمثل العمود الفقري لكل صناعة ذات أهمية إستراتيجية تقريبًا اليوم، وشريان الحياة لعالم البيانات الضخمة في العالم .

وتابع: "ينتج كوكبنا الآن ما يقرب من 600 مليار دولار من الرقائق كل عام حيث ينتهي الأمر بهذه الرقائق في منتجات من الهواتف الذكية إلى السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة وتبلغ قيمتها مجتمعة عدة تريليونات من الدولارات، وتبلغ الخدمات التي تقدمها هذه الأجهزة عشرات التريليونات سنويًّا".

وقالت: "بقدر ما غذت الطاقة الروسية الرخيصة الصناعة الألمانية لعقود من الزمن، ساعدت وفرة أشباه الموصلات التايوانية في دفع التقدم التكنولوجي العالمي، وازدهار الذكاء الاصطناعي، وصعود عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، مثل: أبل، وجوجل، ومايكروسوفت، ونفيديا".

مصنع تفكيك أجهزة إلكترونية في تايوان
مصنع تفكيك أجهزة إلكترونية في تايوانأ ف ب

وأضافت: "بفضل مكاسب الكفاءة التي حققتها الشركات المصنعة التايوانية إلى حد كبير فقد انخفضت تكاليف وحدة الطاقة الحاسوبية بشكل كبير في العقود الأخيرة".

وشددت المجلة على الاضطراب الاقتصادي العالمي الذي سيعقب أي انقطاع في إنتاج الرقائق التايوانية قد يتجاوز بكثير الاضطرابات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية ووباء كوفيد-19.

وقدر مدير صندوق التحوّط كين جريفين أن فقدان الوصول إلى أشباه الموصلات التايوانية من شأنه أن يخفض ما بين خمسة إلى عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

ووصف ذلك عام 2022 بأنه سيكون " كسادًا عظيمًا وفوريًّا".

وإذا ما سيطرت الصين على  مصانع الرقائق في تايوان، فإن بكين ستسيطر فعليًّا على إمدادات العالم بالكامل من أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا، وفق "فورين أفيرز".

ومن ناحية أخرى، إذا كافحت هذه الشركات لاستئناف عملياتها، كما هو مرجح، فسوف يضطر العالم إلى القبول بشرائح الجيل الأقدم الأدنى بكثير ــ والتي تسير الصين على المسار الصحيح لتصبح أكبر منتج لها.

سفينة عسكرية صينية قرب تايوان
سفينة عسكرية صينية قرب تايوانرويترز

وشدد التقرير على أنه وسواء حدث ذلك من خلال حرب صريحة أو الإكراه الشديد، فإن ضم الصين لتايوان ضد إرادة شعبها الذي يبلغ تعداده 24 مليون نسمة من شأنه أن يعطل النظام العالمي على نحو لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

وحذرت "فورين أفيرز" أنه "من المستحيل التنبؤ بدقة كيف يمكن للصين أن تتصرف كقوة عالمية، لكن عقودًا من البيانات تشير إلى أنها ستتبع نهجًا أقل اعتدالًا بكثير من الولايات المتحدة".

وأوضحت المجلة: "مع التزام الولايات المتحدة بحرية الملاحة والوصول الاقتصادي، يمكن لجميع الدول الآسيوية أن تزدهر - بما في ذلك الصين، كما أظهرت عقود من النمو الاقتصادي".

وأردفت: "لكن إذا قامت الصين بضم تايوان وواصلت دفع الولايات المتحدة إلى الخروج من آسيا، فحتى الدول الأقوى ستشهد تعرض سيادتها الاقتصادية واستقلالها الوطني على المدى الطويل للخطر".

مقاتلات صينية فوق مضيق تايوان
مقاتلات صينية فوق مضيق تايوانAP

مشكلة انتشار الأسلحة النووية

وواصل تقرير "فورين أفيرز" تحليله بالقول إن "مشكلة أخرى سوف تنشأ في هذا الصدد، فإذا فقد حلفاء الولايات المتحدة الثقة في التزاماتها الأمنية تجاههم فسيواجه حلفاء الولايات المتحدة حوافز كبيرة لتطوير أسلحتهم النووية".

وأضاف: "إذا امتلكت اليابان أو كوريا الجنوبية أسلحة نووية، فقد لا تتوقف التأثيرات عند هذا الحد، وقد يستنتج القادة في بكين أنهم بحاجة  إلى ما يزيد كثيرًا على الـ 1500 رأس حربي التي من المتوقع أن تمتلكها الصين بحلول عام 2035".

وتابعت: "إذا قررت الصين توسيع ترسانتها النووية فمن المرجح أن تسعى كل من الولايات المتحدة وروسيا إلى توسيع ترسانتيهما أيضًا ، وربما تحذو الهند حذوهما أيضًا مشيرة في هذا الصدد إلى وجود "دلائل" تشير إلى أن الهند تفكر في القيام بذلك بالفعل".

وأشارت المجلة إلى أنه "من الممكن أن يمتد الانتشار النووي الآسيوي إلى الشرق الأوسط، حيث تستمر إيران في الاقتراب من القدرة على تحقيق نجاح في هذا الصدد".

أخبار ذات صلة
خبراء: الصين قد تفرض حصارا على تايوان

وخلصت المجلة إلى أن المحاولات الصينية لفصل آسيا، المنطقة الاقتصادية الأكبر والأكثر ديناميكية في العالم، من شأنها أن توجه ضربة مدمرة للمصالح الاقتصادية الأمريكية.

وبحسبها، فإن شرق آسيا والمحيط الهادئ يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية، وهي حصة تقرب من ضعف حصة الولايات المتحدة.

وقالت إنه من المرجح أن تتدهور شبكات التجارة المفتوحة والنابضة بالحياة في المنطقة إلى نظام المحور والأطراف.

واعتبرت أنه في أسوأ السيناريوهات، قد تفقد الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى أحجام التجارة مع أكبر تسعة من شركائها التجاريين الآسيويين بخلاف الصين.

وختمت: "كما وقد تعمل "الصين التي ضمت تايوان" أيضًا على تسريع الجهود الرامية إلى جعل الدول الآسيوية الأخرى تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com