تحليل.. التطرف والإرهاب .. مثار اهتمام المبدع العربي بعد ثورات "الربيع"
تحليل.. التطرف والإرهاب .. مثار اهتمام المبدع العربي بعد ثورات "الربيع"تحليل.. التطرف والإرهاب .. مثار اهتمام المبدع العربي بعد ثورات "الربيع"

تحليل.. التطرف والإرهاب .. مثار اهتمام المبدع العربي بعد ثورات "الربيع"

الرباط - مع تصاعد "القمع" في بلدان عربية واختناق "مشاريع بناء الدولة المواطنة"، خلال العقود الثلاثة الماضية، اهتمت النصوص الروائية والأعمال المسرحية حينها، انعكاسا على هذا الأمر، بالنبش في شخصية "الحاكم المستبد"، ورصد ملامح دولته القمعية، احتجاجا على الإرهاب الفكري الذي تعرضت له فئات واسعة من المثقفين، وقمع توقهم للحرية والانعتاق.



لم تَحِد الكتابات الروائية والمسرحية عن هذا الهم الذي ظل شاغلها الأساس، ومثار سرديات مختلفة شخصت الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تقلبت فيها المجتمعات العربية بين الخضوع للواقع والارتهان له، أو التطلع للتغيير والسعي إليه، إلا أن انتشار نزعات التطرف الديني خلال السنوات القليلة الماضية، دفعت بتيمة الإرهاب والتطرف رغم حساسيتها البالغة إلى قلب اهتمامات المبدع العربي وانهجاساته الفكرية.

وتعصف تحولات سياسية وفكرية وعقائدية متسارعة بالمنطقة العربية، منذ بداية ما عرف بثورات "الربيع العربي"، لتعيد إلى واجهة الأحداث حتى في دول لم تقربها هذه الثورات، صعود نزعات متطرفة، وظهور جماعات تتوسل العنف سبيلا للتعبير عن احتجاجها على الأوضاع السائدة في بلدانها، و"انتصارا" لهويتها ودينها الذي "تغلبت عليه" القوى المسيطرة على مقدراتها، ليجد المبدع العربي نفسه أمام ظاهرة تفرض عليه قراءتها في سياقها الثقافي والاجتماعي، وتحليل نفسيات الشخوص الحاملة لها، وفي ذات الآن تقديم خطاب ثقافي نابذ للعنف، مواجه له مجردا من أي سلاح.

ففي الجزائر التي عاشت مع بداية تسعينيات القرن الماضي، عشريتها الدموية، في حرب أهلية مدمرة بين الجيش وجماعات متشددة مسلحة، انعكست ارتدادات هذه المرحلة على العديد من الأعمال الأدبية والمسرحية لكتابها، فأسماء روائية جزائرية لامعة كـ "واسيني الأعرج" و"ياسمينة خضرا" و"أحلام مستغانمي" قارعت في نصوصها الأدبية بروز نجم تلك الشخصية المتطرفة، والميالة لإسباغ تفسير متطرف على النص الديني.

وجاءت معالجتهم من خلال شخصيات شباب أحالهم الواقع المأزوم والمرتهن لقبض السلطة، وإحساسهم العميق بالغبن والاقصاء الاجتماعي، إلى العداء لمجتمعاتهم وحمل السلاح في وجهها، والانسحاب من دائرة الفعل، إلى حلقات من ردات الفعل التي لا تنتهي إلا بإنهاك المجتمع وفقدانه اتساقه.

أما الغزو الأمريكي للعراق وما ألحقه من صدوع كاسرة في بنية الدولة واتساق المجتمع، فلم يكن أقل تأثيرا من العنف العاصف الذي عاشته الجزائر، وقد أحال هذا العنف الطائفي بين جماعات تتقاتل باسم الهوية والدين، العراق، لموطن استقطاب وتقاطب بين قوى إقليمي ودولية، جعل موضوعات ترتبط بالإرهاب والتطرف تقفز إلى صدارة اهتمام الكاتب العراقي، فنجد أغلب الأعمال الأدبية خاصة للجيل الشاب من الرواة والمسرحيين العراقيين تركز على الواقع المأساوي الذي استحال إليه العراق خلال العقد الأخير، والاقتتال الطائفي الذي أنهك النسيج الاجتماعي في هذا البلد.

الروائي العراقي الشاب "أحمد السعداوي" من خلال روايته "فرانكشتاين في بغداد" الحاصلة على جائزة البوكر العربية السنة الماضية، صاغ شخصيته بطل روايته من وحي أشلاء ضحايا التفجيرات الارهابية التي تهز شوارع وأحياء العراق منذ سنوات، لتتخلق كائنا جديدا، يستبطن أرواح مئات الآلاف من العراقيين الذين هدر العنف الديني أرواحهم، فغرائبية هذه الشخصية المبتدعة لا تقل غربةً عن الواقع الذي تعيشه مدن عربية عدة لم تشهد في تاريخها هذا الكم من العنف الصاخب وأنهار الدماء.

المتابعون للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، التي اختتمت فعالياتها بالعاصمة المغربية الرباط الأسبوع الماضي، تفاجأوا أيضا بعدد العروض التي تناولت مواضيع تهتم بالواقع العربي الراهن، خاصة تلك المرتبطة بالإرهاب والتطرف، كمسرحية "اكسكلوسف" المغربية العراقية لمخرجها العراقي "حازم منعثر"، وقد أفردت الخشبة لمحاكمة تنظيم داعش "الإرهابي" علانية، باحثة في نفسيات تلك الشخوص التي أضحت تؤثث زمن ما بعد ثورات الربيع العربي، المستسلمة للعنف والعاجزة عن كل فعل حضاري يستكمل ما بدأه الشباب الثاًئر في ميادين التغيير، فالعرض المسرحي يحذر من ذلك التطرف الذي أضحى يسكن بيوت كما الأزقة، والجامعات كما المساجد، ويناصره مغني "البوب" المتمرد، كما الشيخ المتسربل في لباسه التقليدي والمعتمر عمامة الإمامة.

رغم ما قد يتسم به الانتاج الأدبي العربي من قلة في مجال الكتابة الأدبية عن التطرف الديني، خاصة مع اشتداد موجات العنف المتطرف في المنطقة، و سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وتسارع الأحداث الدائرة على امتداد الجغرافيا العربية، إلا أن هناك أعمالا أدبية عربية عالجت بشكل مبكر هذه الظاهرة، قارئة بواطن الشخصية المتطرفة فمنذ سبعينيات القرن الماضي، أصدر الروائي الجزائري الطاهر وطار روايته الشهيرة "الزلزال" سنة 1974 مشخصة العقلية المتطرفة، جائلة في وعيها ولا وعيها، وسابرة دوافعها الخفية التي تدفعها إلى النزوع للعنف تأكيدا للذات وخطابا مع المجتمع.

أما عن سبب هذه القلة الإنتاجية في هذا المجال، كما يرى مهتمون، فلأنه لم يخض بعد الكاتب العربي بما يكفي في شخصية المتطرف، من حيث بنائه النفسي وسياقات ظهوره الاجتماعية في خضم مجتمعات تعيش تحولات مطردة، جعلتها مع بداية الألفية وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، محل اتهام، لكونها بيئة يحتفظ تراثها بالبذور المنشئة لهذه النزعات المتطرفة، رغم اتكاء بعض الكتابات على "عداء أيديولوجي" صرف، يخلط في أحايين عدة بين الهوية الثقافية الإسلامية للمجتمعات العربية وانتمائها العقدي، والنزوع المتطرف لدى بعض الفئات لتمثل هذه الهوية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com