في ظل الدستور الجديد.. هل تغير الجزائر  عقيدتها العسكرية ‎وترسل جنودها إلى الخارج؟
في ظل الدستور الجديد.. هل تغير الجزائر عقيدتها العسكرية ‎وترسل جنودها إلى الخارج؟في ظل الدستور الجديد.. هل تغير الجزائر عقيدتها العسكرية ‎وترسل جنودها إلى الخارج؟

في ظل الدستور الجديد.. هل تغير الجزائر عقيدتها العسكرية ‎وترسل جنودها إلى الخارج؟

لفت مقترح دستوري جديد الأنظار في الجزائر، بشأن مشاركة قوات عسكرية مستقبلاً في عمليات خارج الحدود، وسط جدل عن أبعاد الخطوة غير المسبوقة التي طرحتها رئاسة الجمهورية، يوم الخميس، على الأحزاب والشخصيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.



وعرضت وثيقة أولية لتعديلات دستورية، إمكانية السماح بمشاركة الجيش الجزائري في عمليات عسكرية بالخارج؛ بشرط موافقة البرلمان على ذلك، لكن الرئاسة قالت في بيان إن الوثيقة ليست نهائية وهي قابلة للزيادة أو النقصان أو الحذف.



وتلتزم الجزائر بعقيدة عسكرية متوارثة عن فترة النضال التحرري ضد الاستعمار الفرنسي، تتمثل بمنع مشاركة أي جندي في عمليات قتالية خارج التراب الوطني.

ومنذ استقلالها عام 1962، ظلّت تتبنى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول "مهما كانت الأسباب"، بل وترفض محاولات دولية حثيثة لجرّها إلى إرسال جنودها للمشاركة في عمليات قتالية بأفريقيا والعالم العربي.



ويسمح التعديل الدستوري في صيغته الأولية، باشتراك الجزائر في عمليات حفظ سلام بالخارج "في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية؛ وفي ظل الامتثال التام لمبادئها وأهدافها أن تشترك في عمليات حفظ سلام في الخارج".

ثوابت 6 عقود 

ولن يتم ذلك إلا بحصول رئيس البلاد -وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني- على موافقة البرلمان بغالبية الأصوات، وهو بند يُتيح في مضمونه للنواب الاعتراض على قرار إرسال قوات جزائرية إلى عمليات "حفظ سلام" دولية.



وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، لم يفلح مسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دفع الجزائر للتدخل العسكري في جارتها ليبيا، وجهرت الجزائر وقتها بـ "رفض التواجد العسكري الأجنبي مهما كانت مبرراته"، والتزمت بدعوة الأطراف الدولية (بما فيها تركيا) إلى دفع الفرقاء الليبيين لبدء جولات حوار وطني شامل.



وفي 6  كانون الأول/ ديسمبر 2017، قاومت الحكومة الجزائرية ضغوطًا شديدة مارسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لأجل الالتحاق بالتحالف الدولي لـ"محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء".



وراوغ المسؤولون الجزائريون ماكرون باستقباله "على انفراد" من طرف قادة حكوميين وعسكريين، ثم واجهوه برفض التحالف؛ واكتفوا بمنحه "وعودًا بالتعاون الاستخباراتي دون نقل أيّ جندي جزائري، لمحاربة مقاتلي الجماعات المتشددة بمنطقة الساحل".



وكان ذلك حدثًا لافتًا، حين عارضت الجزائر تشكيل القوة العسكرية المشتركة من 5 دول في الساحل هي: مالي، وبوركينافاسو، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد؛ وذلك بالتنسيق مع القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام الأممية في البلد المجاور مالي.



وكررت الجزائر رفضها إنشاء القوة العربية العسكرية المشتركة، التي كانت محور اجتماع قادة أركان الجيوش العربية في قمة لافتة جرت في 28 مايو/ أيار 2015 بالقاهرة؛ في غياب قائد الجيش الجزائري ونائب وزير الدفاع- آنذاك- الفريق الراحل أحمد قايد صالح.



وبرر السفير لدى القاهرة والمندوب الجزائري في الجامعة العربية نذير العرباوي، رفض بلاده، بأن مشروع القوة العربية يجب أن يكون بعد حل النزاعات المسلحة في المنطقة، وبخاصة في سوريا وليبيا واليمن، علاوةً على تنقية أجواء التوتر والخلاف التي تشوب العلاقات العربية العربية.



وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، قاطعت الجزائر قمة "التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب"، التي دعت إليها السعودية بتشكيلٍ ضمّ 34 دولة لمحاربة الإرهاب في الرياض، كما "تحفظت بشدة على العملية العسكرية العربية في اليمن ودعت إلى الحل السلمي ولغة الحوار السياسي بين الفرقاء".



ورغم تضررها من تنظيمات مسلحة وجماعات إرهابية خلال تسعينيات القرن الماضي، علاوةً على علاقتها المميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي  قادت التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش في سوريا والعراق؛ إلا أن الجزائر رفضت بشدة الانضمام إلى الدول المشاركة، بسبب موانع دستورية وثوابت تشكل مرتكزات دبلوماسيتها.

متغيرات وسيناريوهات  

ويعتقد الكاتب الصحفي الجزائري عبدالرزاق طاهير، أن "الظروف الإقليمية حتّمت على بلاده إعادة التفكير في بعض خياراتها الاستراتيجية، وأن قضية إرسال وحدات عسكرية للمشاركة في عمليات إحلال السلام، كانت مطروحة منذ نحو خمس سنوات بسبب تأزم الوضع في مالي وليبيا ومنطقة الساحل بشكل عام".

ويبرز طاهير لـ"إرم نيوز"، أن "تبني هذه الخطوة الجريئة تم بالتشاور مع قيادة الجيش الوطني الشعبي، وهذا لا يعني جنوح الجزائر إلى الحرب مثلما يعتقد البعض، إنما هو تفعيل وتعزيز لدورها الريادي في القارة السمراء، وبتنويع آليات وأجهزة تتحكم في الوضع الإقليمي الذي يهم الدولة ".

ويوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إسحاق غزالي، أن "متغيرات الساحة الإقليمية تفرض إحداث مراجعات تواكب التطورات والمقتضيات، دون التخلي طبعًا عن التدخل الناعم الذي تضطلع به الجزائر سياسيًّا ودبلوماسيًّا في فض النزاعات، التي يكون لها تأثير مباشر على أمنها القومي".

ويشدد غزالي لـ"إرم نيوز"، أن "العقيدة العسكرية تتم مراجعتها وتحيينها، كلما تطلب الأمر ذلك، لتتكيف مع متغيرات المعطيات الجيوسياسية"، موضحًا أن التكيف مع مقتضيات الحال يشكل مرتكزًا رئيسيًّا لصياغة الاستراتيجية العسكرية، بحسب تأكيده.

ويتصور طاهير وغزالي أن "التهاب حدود الجزائر بأزمات بنيوية سياسيًّا وأمنيًّا، يجعل البلاد أمام سيناريوهات عديدة، وربما تكون تلك رسالة قوية من السلطات الجزائرية الجديدة لأطراف خارجية تعتقد أنه بالإمكان الضغط عليها باستغلال كوابح قانونية تخص العقيدة العسكرية".

ويتقاطع المتحدثان مع الباحثة في العلوم السياسية مريم حمرارس، التي تعتبر أن الجزائر تتجه بثباتٍ - في عهد عبد المجيد تبون- إلى "استعادة مكانتها لريادة القارة الأفريقية ومنطقة المغرب العربي، عبر لعب أدوارها التاريخية في حلحلة النزاعات الإقليمية، ومن ذلك الأزمة الليبية والقضية الصحراوية (أطول نزاع في أفريقيا)".

وتقول حمرراس لـ"إرم نيوز"، إن بنية النظام السياسي وفق الدستور لا تحمل طابعا توسّعيًا، خلافا لدول أخرى لا تعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار والتي جرى ترسيمها من طرف الأمم المتحدة؛ وبالتالي فلا خوف من مراجعة العقيدة العسكرية الجزائرية التي ستكون في صالح تعزيز الأمن القومي وخادمة لمصالح الدولة وشعبها لا غير".

ويذهب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، عبدالقادر دريدي، إلى أن "العقيدة العسكرية لن تتغير من حيث الحفاظ على بند عدم التدخل عسكريًا خارج البلاد؛ و ذلك لأسباب استراتيجية من جهة، وتجنّبًا لاستنزاف مقدرات الجيش الجزائري خارج البلاد".

ويشدد الدكتور دريدي لـ"إرم نيوز"، بأن صانع القرار سيعمل على توسيع صلاحيات أجهزة الأمن الخارجي (استخبارات عسكرية)، لتقوم بأدوار أكثر فعالية في الخارج؛ ولاسيما في مناطق النزاع بمحيطنا الإقليمي الذي تتقاذفه أمواج الاضطرابات الأمنية والسياسية".

ويركز المتحدثون الأربعة أن بلادهم "لن تتورط إطلاقًا في حروب إقليمية مثلما يجري التخطيط إليه منذ فترات طويلة، بعد إنهاء شغور منصب الرئيس بعد انتخاب عبدالمجيد تبون، ما يجعل الجزائر في أريحية من أمرها لمواجهة الضغوط الدولية، التي كانت تفرض عليها بسبب الأزمة السياسية الداخلية".

وفي أحدث خطاباته كشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن توجس بلاده من العمليات العسكرية التي تتم في دول مجاورة، وجدد موقفًا راسخًا في الدبلوماسية الجزائرية وهو اعتباره القوات الأجنبية "تدخّلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للدول"، مع دعوته لتسوية المشكلات الإقليمية وفق تسوية سياسية لا غير.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com