تعهدات بوتفليقة.. حقائق ثابتة وتساؤلات حادة تشغل الجزائريين
تعهدات بوتفليقة.. حقائق ثابتة وتساؤلات حادة تشغل الجزائريينتعهدات بوتفليقة.. حقائق ثابتة وتساؤلات حادة تشغل الجزائريين

تعهدات بوتفليقة.. حقائق ثابتة وتساؤلات حادة تشغل الجزائريين

يجمع مراقبون للشأن السياسي في الجزائر، على أن الرسالة التي بعث بها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لمواطنيه، تفرز حزمة حقائق وتطرح غابة أسئلة ستشعل أفق الجزائر أكثر.

ويشير الأكاديمي محمد هناد في جامعة الجزائر، إلى أنّ الرسالة جاءت بعد سويعات فقط من موعد تقديم ملفات الترشح لدى المجلس الدستوري، كما جاءت بـ "لهجة التوسل"، وفي التفاف على المطلب الرئيس لدى الشارع بعدم استمرار بوتفليقة في مرحلة ما بعد 18 أبريل/ نيسان.

وأضاف في حديث لـ "إرم نيوز"، أن "الوعود التي حملتها هذه الرسالة أتت هي الأخرى متأخرة جدًا؛ لأنّ الجزائر في حاجة إلى إصلاحات عميقة منذ مدة طويلة؛ بسبب تفشي الفساد فيها والركود الذي أصابها في مختلف المجالات حتى أصبح مستقبلها مرهونًا".

ويشدد هناد، على أن "خروج المواطنين في مسيرات حاشدة عبر التراب الوطني الجزائري وخارجه، لم يكن من أجل المطالبة بإصلاحات، بل كان أصلًا ضد ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة أولًا، ثم المطالبة بالقطيعة مع النظام الذي عرفته الجزائر منذ استقلالها".

تناقض 

ويبرز القيادي في جبهة العدالة والتنمية، محمد الأمين سعدي، الكثير من التناقض في مضمون رسالة الرئيس المترشح، تمامًا مثل مضامين الرسائل السابقة.

ويؤكد: أن "القاسم المشترك بينها كان تزيين الإنجازات المحققة طيلة السنوات التي قضاها على رأس السلطة ونفخها، والتنويه بضرورة الحفاظ على الاستقرار والمكتسبات التي لا يلمسها المواطن حقيقة في حياته اليومية".

ويطرح سعدي تساؤلًا هامًا: "هل تعتبر هذه الرسالة استجابة للملايين التي خرجت في حراك شعبي سلمي منذ 22 فبراير/ كانون الثاني الماضي، ولها مطالب واضحة ومحددة؟".

ويجيب محدثنا بـ "لا"، منوّهًا إلى أنّ الرسالة في الواقع ردة فعل قد تعتبر "مرتبكة أو متعالية، وتعد بالكثير الذي يستحيل أن يتحقق في وقت قصير".

ويتابع سعدي: "حين يتعهد الرئيس المترشح عبر رسالته بعدد من الالتزامات التي كان الكثير منها مطلبًا أساسيًا للمعارضة في عدة محطات، على غرار تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وإعداد دستور جديد للبلاد يضمن الحقوق الفردية والجماعية، ويؤسس لنظام حكم عادل ومراجعة قانون الانتخابات"، فإنه اعتراف بالإخفاق.

ويشرح: "عندما يتعهد الرئيس المترشح بكل هذا، فإنه من وجهة نظري التي يشاطرني إياها الكثيرون، تعتبر اعترافًا ضمنيًا بالفشل الذريع طيلة 20 عامًا في سدة الحكم، والأولى بمن كانت هذه حاله، عدم التقدم للترشح لولاية جديدة ولو كانت مدتها شهرًا".

ويوقن سعدي أنّه "لو تم له أمر الولاية الخامسة، فإنّ مصير هذه التعهدات هو إفراغها من محتواها، مثلما حدث مرارًا، والتاريخ يشهد على ذلك".

بشرى الديمقراطية مستقبلًا 

بدوره، أطلق أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة 1، يوسف بن يزة، بشرى سارة، فحواها أنّ الجزائر ستعرف "الديمقراطية مستقبلًا، وليس الآن، وسيكون لبوتفليقة دور كبير في إرسائها".

وبثوب المدرّس لمقياس النظم السياسية المقارنة منذ عدة سنوات، يلاحظ بن يزة أنّ "هناك حلقة مفقودة في مسار الديمقراطية يجب استكمالها في العهدة الجاري تنفيذها".

ويردف:"هذه الحلقة المفقودة سنعيش فيها تحوّل نزعة الحكم التي تحدث عنها قدماء الإغريق ومنهم بوليبوس، وبالتالي تشتد الأمور وتضيق لتنفرج على أفق الديمقراطية والتحرر، وفق تعاليم السنة الكونية".

وفي توصيف استعاري لما يجري في الجزائر، يطرح بن يزة "استعارة رياضية" تخصّ ثلاثة ملاعب تجري فيها مقابلات في ثلاثة مستويات مختلفة.

ويوضح محدثنا: "الملعب الأول مخصص للقسم المحترف، يلعب فيه بوتفليقة على اللقب كقائد لفريق محترف يملك كل الإمكانيات والتتويج فيه مضمون.. ولا يهم من ينافسه (الدولة العميقة مثلًا).. والمقابلة تجري بدون جمهور".

بينما يتعلق المستوى الثاني بـ "ملعب يحتضن الصاعدين الجدد للقسم الثاني (كلهم من الاحتياط ) ويضم بعض الشخصيات الوطنية التي انسحب بعضها بفعل إصابات قديمة.. وهؤلاء يلعبون على الصعود للقسم الأعلى بإمكانيات ضعيفة.. وشبه منعدمة.. وهيهات يتحقق لهم ذلك.. والمقابلة تجري بحضور بعض الفضوليين".

ويضع بن يزة تصورًا "غريبًا" لملعب ثالث، "تجري أطوار المقابلة فيه في الدور التمهيدي، فيضم الملعب جماهير غفيرة تملأ المدرجات وتملؤها أهازيجَ وصراخًا وشعارات، لكن لا أحد في أرضية الميدان.. وتنتظر الجماهير دخول لاعبين غير موجودين، وتغادر الملعب عندما تملّ من الصراخ والانتظار".

وعليه، يخلص بن يزة، إلى أنّ "المشكلة المطروحة الآن.. كيف يمكن ضم الملاعب الثلاثة إلى بعضها البعض للاستمتاع بمقابلة جميلة؟" ويتوصل إلى أنّ ذلك سيحدث بعد فترة بوتفليقة التي لا يعلم إلا الله متى ستنتهي.

زيف وغرابة

وبعيدًا عن "التهليل" بعظمة المسيرات وسلميتها، ينتقد بن يزة ما ينعته "النقاش الزائف في الفضاءات المختلفة حول معارضة ترشح شخص ما".

ويعقّب: "هذا غير عادي؛ لأن وجود دولة القانون ونزاهة الانتخابات كفيل بإسقاط هذا المترشح بدون أي ضوضاء، وما يحدث الآن إثبات بأنّ التزوير أصبح خارج اهتمام الشعب، وهمه الوحيد إسقاط ترشح شخص مريض سيفوز بفعل التزوير، ولا بد من تصويب النقاش والاهتمام بأصل المشكلة!".

وبلهجة تشكيكية، يتساءل بن يزة: "منذ متى كان الشعب في الجزائر مصدرًا للسيادة والسلطة؟.. الشرعية الثورية هي السائدة في بلد يعتمد على الريع، وعندما تنقرض ستسلم المشعل لشرعية الواقع والمال التي ستعجل بعودة الشرعية إلى الشعب وفق قانون دورة الحكم، وعبر تحول قد يكون ثوريًا وعنيفًا".

ولا يهضم بن يزة الوعد الانتخابي الذي قطعه بوتفليقة بتنظيم ندوة وطنية، جازمًا: "لا أثق أبدًا في مخرجات هذه الندوة، فما معنى أن ننظم انتخابات رئاسية مثيرة للجدل يثور الشعب ضدها لننظم بعدها ندوة وطنية تتفق على انتخابات رئاسية مسبقة في أقل من سنة.. وكأنني رأيت هذا السيناريو من قبل.. وعلى كل حال من قرأ كتب ميكافيلي سيفهم كل شيء".

ويرشّح بن يزة "نجاح الرئيس الحالي بكل الطرق رغم مواجهة ضغط الشارع، ما دامت الانتخابات غير نزيهة".

ويخلص: "الأهم أن يكون الشعب فاعلًا في المستقبل عن طريق الانخراط في أحزاب سياسية، وتكوينات المجتمع المدني لتشكيل سلطة مضادة". مشددًا، "على الشعب أن يشارك بكثافة في الانتخابات وأن يحرسها ويمنع التزوير، وأن يستعد بجدية للمرحلة القادمة التي ستعود فيها السلطة إليه".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com