مصدر بحكومة بزشكيان: لا نعلم حتى الآن إن كان قآاني قد مات أم لا
مع اشتداد أية أزمة سياسية في العراق، تظهر دعوات صاخبة لإنشاء الأقاليم، لكن، فعليًا لم تشهد البلاد أي نشاط على الأرض نحو ذلك.
وهناك انقسام في الشارع السياسي، بين من يعدّ الأقاليم "خيانة" للأرض وتقسيما للبلد مدفوعا بأجندات خارجية، ومن يراها الخطوة الصحيحة الأمثل للقضاء على العقلية المركزية وتخفيف معاناة المواطن وتقديم الخدمات له بشكل أفضل.
وبعد الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، طُرحت فكرة إنشاء ثلاثة أقاليم مذهبية وعرقية في العراق، حيث تمثل المحافظات الغربية الإقليم السُني، ومحافظات الوسط والجنوب الإقليم الشيعي، والمحافظات الكردية تمثل الإقليم الكردي.
وخلال السنوات الماضية، رُفعت شعارات إنشاء "إقليم السنة" من أبناء المحافظات الغربية وهي (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى) خلال الفترة التي اشتدّت فيها الأزمة السياسية عام 2012 ووصلت إلى ذروتها بين تلك المناطق مع الحكومة الاتحادية في بغداد خلال فترة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006-2014).
مبرّرات
وتبنّت عدّة شخصيات وأطراف سياسية هذا المشروع، إلا أن اللافت في الأمر أن جميع تلك الشخصيات غائبة اليوم عن المشهد السياسي العراقي.
ويأتي في مقدمة هذه الشخصيات رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي والنائب السابق أحمد العلواني الذي ما زال معتقلاً في السجون العراقية.
ويبرّر ممثلو المحافظات السنية دعواتهم إلى إنشاء الأقاليم بالدمار الذي تعرّضت له محافظاتهم بسبب العمليات العسكرية ضد المجاميع الإرهابية، فضلاً عن السياسة "غير المتوازنة" التي تنتهجها السلطة المركزية بتهميشها وإقصائها سياسيًا واقتصاديًا وخدميًا.
كما تقدّمت أطراف سياسية في محافظة البصرة الواقعة جنوبي البلاد والغنية بالنفط بطلبات إلى الجهات التنفيذية في العاصمة بغداد لتحويل المحافظة إلى إقليم خلال السنوات الماضية، لكنّ جميع المحاولات باءت بالفشل.
ويعدّ السياسي الشيعي الراحل عبدالعزيز الحكيم أول من طرح فكرة تأسيس إقليم الوسط والجنوب في عام 2003، لكنّ جميع تلك الدعوات جُوبهت بالرفض ولم تتلق أي دعم سياسي.
ويوجد في الوقت الحاضر إقليم واحد في العراق، هو إقليم كردستان، ويتمتع باستقلالية وحكم فيدرالي، ويضم محافظات (السليمانية وأربيل ودهوك وحلبجة).
وقد توسعت مساحة الإقليم كثيرًا خلال سنوات ما بعد عام 2003 وبقي متمردّا لفترة طويلة على السلطة في بغداد إلى أن دخل معها بأزمات سياسية واقتصادية.
وما زال الإقليم يعاني بسبب هذه الأزمات ويدفع ثمنها حتى اليوم، لا سيما في ما يتعلق برواتب موظفيه، بالإضافة إلى ملفات استخراج وتصدير وبيع النفط وإدارة المنافذ والمعابر فيه.
ماذا يقول الدستور العراقي؟
ومنح الدستور العراقي الذي صوّت عليه غالبية الشعب العراقي عام 2005، الحرية للمحافظات بإنشاء أقاليم مستقلة تتمتع بامتيازات كبيرة بعيدًا عن رقابة السلطة المركزية.
وحدد الدستور العراقي إجراءات إنشاء الأقاليم في المواد من 116 إلى 121 عن طريق طلب يقدم إلى مجلس الوزراء من ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو طلب من عُشر الناخبين في المحافظة التي تسعى إلى تكوين الإقليم.
وكفل للإقليم أن يضع دستورًا له يحدد هيكل سلطاته وصلاحياتها، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، وتخصيص حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديًا، تكفي للقيام بالأعباء والمسؤوليات، مع الأخذ بعين الاعتبار موارد المحافظة وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.
وفصّل القانون رقم 13 لعام 2008 طريقة تقديم الطلبات والتصويت وتشكيل الأقاليم. ويُقدم الطلب إلى مجلس الوزراء الذي يكلف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات خلال 15 يومًا باتخاذ ما يلزم.
وأشار الخبير القانوني علي التميمي إلى أن الاستفتاء يكون ناجحًا إذا صوّت نصف عدد المستفتين زائد واحد من كل محافظة مشتركة.
وبعد ذلك تصادق المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد) على الاستفتاء ومن ثم يصدر قرار من رئيس الوزراء خلال 15 يومًا من وصول المصادقة بإعلان الإقليم، ويتم إنشاء مجلس تشريعي للإقليم والتصويت على دستور الإقليم.
وفي حديثه إلى "إرم نيوز"، قال الخبير القانوني: "في حالة فشل الاستفتاء يمكن إعادته بعد سنة من ذلك، وفي حالة الرفض غير المبرر من مجلس الوزراء يمكن الطعن أمام المحكمة الاتحادية بذلك".
العقلية المركزية
ويدافع عضو لجنة الأقاليم في مجلس النواب العراقي النائب عن محافظة نينوى شيروان الدوبرداني عن فكرة إنشاء الأقاليم، ويبرر رأيه بأنها "دستورية وقانونية وإدارية".
ويقول "إن البلد لا يمتلك أي إحصائيات رسمية عن عدد سكانه، بينما تشيرُ التقديرات إلى أنه تجاوز الـ43 مليونًا".
ويرى أنه "ليس من المعقول أن تبقى أحجام النواحي والأقضية والمحافظات كما هي دون إحداث تغيير أو تطوير فيها".
وعن احتمالية أن تكون دعوات إنشاء الأقاليم مرتبطة بضغوطات سياسية أو تدخلات خارجية، ينفي النائب عن نينوى في حديثه لـ"إرم نيوز" ذلك الأمر.
ويؤكد ضرورة أن يكون هناك وعي أكثر من أجل المساهمة في تقديم الخدمات للمواطنين بشكل أفضل والابتعاد عن الفساد والابتزاز.
ولا ينكر عضو اللجنة البرلمانية وجود جهاتٍ تبث "الشائعات" من أجل مصالحها الشخصية والحزبية.
ويقول "أية محافظة تتحول إلى إقليم ستكونُ متطورة جدًا وتصبح لديها صلاحيات أكثر"، منتقدا الحكومة المركزية بالقول: "لا تزال بغداد متمسكة بالعقلية المركزية وتتعامل وفق ذلك".
أوراق ضغط سياسي
وعلى عكس النائب العراقي، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل الدكتور محمود عزو أنّ "دعوات إنشاء الأقاليم تأتي ضمن تبادل أوراق الضغط السياسي بين الأطراف المختلفة".
ويقول إن "هذا واضح، لا سيما أنها لا تأخذ الجدية الكاملة بقدر ما هي تلويح بأوراق قانونية ودستورية متاحة".
دعوات إنشاء الأقاليم تأتي ضمن تبادل أوراق الضغط السياسي بين الأطراف المختلفةمحمود عزو، أستاذ علوم سياسية
ورغم استمرار الدعوات والشعارات السابقة لإنشاء الأقاليم، فإن الأكاديمي الموصلي يقرّ باستحالة نجاح المشروع.
ويقول "ليست هناك رغبات سياسية تأخذ الجانب الواقعي والجدية وتدفع الناخبين وتعمل على تعبئتهم من أجل ذلك، لا سيما مع ضعف العوامل الاقتصادية في تلك المناطق التي تتشكل فيها الأقاليم وضعف مواردها".
ويضيف "كذلك لم تقدم تجربة إقليم كردستان أنموذجًا في إدارة الموارد المالية العامة بضمان حقوق الموظفين العاملين في قطاعات مؤسسات الدولة، وهذا كله أدى إلى إرباك واضح في النظرة إلى الأقاليم".
وفي رده على سؤال لـ"إرم نيوز" حول موقف الأحزاب الشيعية من تحويل محافظات سنية إلى إقليم، كما يرفع شعار هذا المشروع ممثلون من تلك المحافظات، يُجيب عزو قائلاً: "الأحزاب الشيعية وصلت إلى قناعة بأن حكم العراق كاملاً أفضل لها من مناطق معينة، وبالتالي عملت على وأد أي مشروع يتعلق بهذا الموضوع".
ويضيف "أدركت الأحزاب الشيعية لاسيما في مرحلة ما بعد عام 2010 أنها بحاجة إلى أن تحكم العراق كاملاً وليس مناطق الوسط أو الجنوب، وهذا واضح من تمدد النفوذ السياسي لتلك الأحزاب خارج هذه المناطق.
موقف طهران وواشنطن
ورغم الجدل الواسع الذي يُحدثه مشروع الأقاليم باستمرار، فإنه يصطدم بعدّة عراقيل، أبرزها أن مفهوم الفيدرالية يعني تقسيم البلد، كما يرى جزء واسع من الشعب العراقي.
بالإضافة إلى ذلك فإن الدعوات للأقاليم هي "غير حقيقية ومسيسة" تأتي كردة فعل لبعض الضغوطات التي تتعرض لها قيادات في تلك المحافظات، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية الدكتور عصام الفيلي.
وبحسب الفيلي، فإن النظام الفيدرالي في العراق بحاجة إلى استكمال معالم النضج السياسي، ومنها أن تعي الطبقة السياسية المسؤولية التي ستُناط بها.
ويقول مستغربًا في حديثه إلى "إرم نيوز" إن الشخصيات التي تطرح مشروع الإقليم عليها الكثير من المؤشرات السلبية.
ويتساءل: "كيف ستُمنح مسؤولية إدارة تلك المحافظات سلطة الأقاليم على المستويات التشريعية والتنفيذية والإدارية بوجود تلك المؤشرات عليها في بلد مثل العراق يفتقر إلى معايير الشفافية".
الشخصيات التي تطرح مشروع الإقليم عليها الكثير من المؤشرات السلبيةعصام الفيلي، أستاذ علوم سياسية
وفي ما يتعلق بالموقف الإيراني والأمريكي من إنشاء الأقاليم في العراق، يقرّ أستاذ العلوم السياسية بوجود اختلاف واضح وصريح بين الرؤيتين الإيرانية والأمريكية.
ويوضح أن من ذلك أن إيران لا تريد تطبيق النظام الفيدرالي لأنه سيأخذ إما بُعدًا عرقيًا أو طائفيًا، لاسيما أن الخريطة الديمغرافية تأخذُ بُعدًا مكوناتيًا، وهذا ما تخشاه طهران بأن تُحفز المكونات الأخرى نحو الاتجاه ذاته.