غياب الدعم النفسي لأطفال عدن يعيق عودتهم إلى المدارس
غياب الدعم النفسي لأطفال عدن يعيق عودتهم إلى المدارسغياب الدعم النفسي لأطفال عدن يعيق عودتهم إلى المدارس

غياب الدعم النفسي لأطفال عدن يعيق عودتهم إلى المدارس

يشعر والد الطفلة "إيمان"، بالقلق البالغ، من انطلاق العام الدراسي الجديد، في عدن، عاصمة اليمن المؤقتة، خوفاً على سلامة ابنته التي تعاني من اضطراب نفسي، أحدثته الحرب التي شهدتها المدينة خلال العام 2015، والعمليات "الإرهابية" التي شهدتها عدن عقب تحريرها من المتمردين الحوثيين والموالين للمخلوع علي صالح.

ومنذ سقوط صاروخ على أحد البنايات المجاورة لمنزل عائلة "إيمان" ذات الأربعة عشر عاما، بحيّ القطيع، بمدينة كريتر العتيقة، في أواخر إبريل/ نيسان من العام الماضي، أصيبت الطفلة نتيجة صوت الانفجار الشديد، بحالة نفسية جعلتها عرضة للإغماء المفاجئ، كلما حدثت لها مفاجأة مخيفة.

وحاول والدها "عبدالله صالح"، معالجتها عبر طرق مختلفة، حتى عبر الصدمات الكهربائية، ثم العقاقير المهدئة، قبل أن يقطع هذه الحبوب وفق استشارة طبية جديدة، ترى أن هذه مثل هذه الحالة يمكنها التحسن مع مرور الوقت، وأن الحبوب المهدئة قد تقود الطفلة إلى الإدمان، كما قال والدها لـ"إرم نيوز".

وفي أواخر يناير/ كانون الثاني، من العام الجاري، استهدفت سيارة ملغمة، البوابة الخارجية للقصر الرئاسي (معاشيق) بمدينة كريتر، ويبعد موقع التفجير عن مدرسة "البيحاني" التي تدرس فيها إيمان، بضعة مئات الأمتار، ما سبب لها إغماءً مفاجئاً، سقطت على إثره أرضاً، في حين كانت جميع زميلاتها ومعلماتها في حالة ذعر، وتعرّضت إيمان للدهس، وشُجّ رأسها، وهذا ما جعل والدها يبدو قلقاً من عودتها إلى المدرسة مرة أخرى، خشية وقوع مكروه آخر.

وتسبب انفجار ذات السيارة الملغمة التي استهدفت قصر معاشيق الرئاسي، بحالة تبوّل لا إرادي للطفل أوسان، ذس 9 سنوات، وظلّ يشكو منها لعدة أشهر، قبل أن يُشفى تماما، بحسب قول والده.

ويقول أستاذ علم النفس، صالح شحنة، لـ"إرم نيوز"، إن الحروب تعدّ أحد أكبر المسببات للاضطرابات النفسية بشكل عام، وعند الأطفال بشكل خاص، فما يشاهده الأطفال ويعايشونه من مناظر عنيفة وسيئة ومخيفة، تؤدي إلى زعزعة ثقتهم بأنفسهم، ويمكن ملاحظة الأطفال من حولنا، أنهم باتوا أكثر عدوانية في سلوكياتهم، بل حتى يمكن ملاحظة ألعابهم التي أصبحت تجسّد صورة مصغرة لما شاهدوه أثناء الحرب.

ويؤكد أن "الفترة التي تعقب الحرب مباشرة، لا بد من وجود تأهيل نفسي فيها لهؤلاء الأطفال، لأن إهمال الاضطراب النفسي، قد يعود بأثر سلبي أكبر ضرراً على الشخص نفسه، أو على المجتمع المحيط به. لذلك لا بد من وجود مرشدين متخصصين في المدارس والأسر والمستشفيات، لإعطاء بعض الإرشادات النفسية التي تمكن المصابين من التغلب على بعض المخاوف والاضطرابات التي تنتجها الحروب، كالعدوان والخوف والقلق، وهذه تسمى أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة".

ويرى شحنة، أن "الاضطراب النفسي، هو عبارة عن خلل نفسي، ومن الممكن أن يكون عضويا، إذا ما تم إهمال الجانب النفسي، ويكون فيه الجانب السلوكي لدى الفرد المصاب غير متوازن، ولديه سلوكيات ضد المجتمع، وغير متعارفة، ولربما تضرّ القيم، والاضطراب النفسي قد يدوم لفترات طويلة، بعكس الاضطراب العضوي، الذي قد يزول بالانضباط لفترة معينة على دواء محدد".

ورغم تعافي المحافظات الجنوبية من الحرب، إلا أن عملية الدعم النفسي للأطفال تكاد تكون محدودة للغاية، ضاعف من تراجعها، عدم وجود مراكز متخصصة في توفير الدعم النفسي للأطفال، وشحة الكادر المتخصص.

ويقول خبير الصحة النفسية، في منظمة الصحة العالمية، الدكتور عبدالباسط مرغني، إن "اليمن لا تمتلك حالياً سوى 40 أخصائيا في مجال الطب النفسي، معظمهم يتواجدون في العاصمة صنعاء".

ويعتقد أستاذ علم النفس، صالح شحنة، أن هناك قصورا تتحمله وزارة الصحة، التي لم تهتم مطلقاً لأهمية الصحة النفسية، إلى جانب عدم تأهيل الكادر، "فالكادر المختص في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بعدن، ليس مؤهلا بالشكل الذي يؤدي إلى علاج هذه الاضطرابات، ويعود ذلك إلى عدم توافر الجانب المادي، وغياب التأهيل لعشرات السنين، لدرجة أن المشفى يعالج أمراضه بنفس الأسلوب القديم".

وعزا، شحنة، هذا القصور إلى عدم وجود الثقافة النفسية، وعدم تغلغلها في المناهج الدراسية، منذ المراحل الابتدائية والتي تليها، فالصحة النفسية، هي جزء كبير من عوامل الانتاج لدى الإنسان.

وعن آلية العلاج التي يمكن توفيرها في الوقت الحالي للأطفال المصابين، قال صالح شحنة لـ"إرم نيوز"، إنه لا بد من إيجاد أرضية خصبة ومناسبة، تسهم فيها الأسرة بشكل كبير من خلال الإرشاد الأسري، لأن الأسرة هي البيئة المباشرة للطفل لتخفيف من اضطراباته النفسية والعصبية، إضافة إلى تأهيل الطفل بإدراجه في برامج العلاج السلوكي، عبر المدارس، التي نادراً ما تشرك متخصصين تابعين للمنظمات والجمعيات المعينة، إلى جانب دور وسائل الإعلام في التعريف بمترتبات الفترة التي تعقب الحروب، وما يسببه إهمال الأطفال المحتاجين للدعم النفسي.

وحذر الاستشاري النفسي من الاستمرار لفترات طويلة في تعاطي العقاقير المهدئة دون استشارة الأخصائيين، ما يجعل المصاب عرضة للإدمان والهلاك، فالعقاقير هي أشهر الطرق المتداولة محلياً، وهذا خطير للغاية.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف"، فإن 350,000 طفل، تعذّر التحاقهم بالدراسة خلال العام الدراسي الماضي، بسب استمرار العنف وإغلاق المدارس، وبذلك يقفز إجمالي عدد الأطفال الذين هم خارج المدراس في اليمن إلى أكثر من 2 مليون طفل.

ومع استمرار الحرب في اليمن لأكثر من 19 شهرا، بات نحو 11.5 مليون طفل يمني، عرضة للاضطراب النفسي، نتيجة الآثار السلبية للحرب، وصدماتها، كفقدان أب أو أم، شقيق أو شقيقه، وتدمير المنازل وأصوات الانفجارات، ومعاناة النزوح والعيش في العراء، والمشاهد الدموية.

وتقول اليونسيف، إن عدد الضحايا من الأطفال في اليمن، بلغ ما يقارب 2,300 طفل، قتل منهم 934 طفلا، وأصيب 1,356 طفل آخر، حتى مارس/ آذار من العام 2016، ناهيك عن الأطفال المستخدمين في النزاع كمجندين.

وتوضح المنظمة الأممية – أيضاً - في بيان حديث لها، الثلاثاء الماضي، أنها وفرت خدمات الدعم النفسي لأكثر من 575,000 من أطفال المدارس، إلى جانب تدريب 4,000 معلم ومعلمة، لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين بالحرب.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com