التمويل واللوائح يتحديان تفعيل دور القطاع الخاص السعودي
التمويل واللوائح يتحديان تفعيل دور القطاع الخاص السعوديالتمويل واللوائح يتحديان تفعيل دور القطاع الخاص السعودي

التمويل واللوائح يتحديان تفعيل دور القطاع الخاص السعودي

بعد عقود من الاعتماد على الدعم الحكومي في تحقيق النمو، قررت السعودية إلقاء قدر كبير من مسؤولية النهوض بالاقتصاد على عاتق القطاع الخاص.

وبقدر ما أسعدت المبادرة رجال الأعمال لما توفره من فرص استثمارية بقدر ما أثارت مخاوفهم بشأن كيفية تمويل المشروعات الجديدة في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة الكثير من التدابير التقشفية للتكيف مع عصر النفط الرخيص.

وفي الأسبوع الماضي عرض 17 وزيرا تفاصيل برنامج الإصلاح الاقتصادي للمملكة خلال 4 مؤتمرات صحفية ليلية للإعلان عن خطة التحول الوطني، أحد البرامج التنفيذية التي تشملها "رؤية السعودية 2030".

وتهدف الرؤية لتحويل المملكة إلى قوة استثمارية عالمية وإنهاء اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد وينظر إليها وإلى أبرز برامجها - خطة التحول الوطني - على أنها أكبر تغيير تقوده الحكومة في تاريخ المملكة.

وأشاد الوزراء خلال المؤتمرات الصحفية بدور القطاع الخاص وعرضوا خططا لتفعيل دوره في النمو الاقتصادي. وقال وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه، إن "أحد أولويات وزارته ستكون إزالة المعوقات أمام شركات القطاع الخاص"، في حين تحدث وزراء الصحة والتعليم عن مبادرات تستهدف جذب أموال القطاع الخاص.

وقال وزير الشؤون البلدية والقروية عبد اللطيف آل الشيخ، "إن هناك توجها لأن تتولى الوزارة دور التنظيم والتخطيط والتحكم وأن يقود القطاع الخاص عملية تطوير المدن السعودية".

وتحدث وزير الإسكان ماجد الحقيل عن مبادرات تشمل التعاون مع الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال التطوير العقاري وعقد صفقات شراكة معها ضمن برنامج طموح يهدف إلى بناء 1.5 مليون وحدة سكنية على مدى السنوات 7 أو 8 المقبلة.

وفي حالة حدوث ذلك ستشهد المملكة "بحرا" من التغيرات الاقتصادية بعدما اعتمدت لعقود على الإنفاق الحكومي السخي من إيرادات النفط كمحرك رئيسي للنمو.

تفاؤل و تخوفات

وأثارت خطة التحول الوطني تفاؤل كثير من المستثمرين السعوديين، وشهدت البورصة السعودية الأسبوع الماضي قفزات كبيرة لأسهم العديد من الشركات المحلية التي قد تستفيد من الفرض التي توفرها الخطة.

ويقول محمد العقيل رئيس مجلس إدارة جرير للتسويق إحدى أكبر الشركات العاملة بقطاع التجزئة السعودي وفق ماذكرته رويترز، "سيكون تحديا إيجابيا وسيحدث تغييرا كبيرا حتى لو تم تنفيذ 60 أو 50% فقط من الخطة."

وأضاف "بالنسبة للقطاع الخاص ستتضاعف فرص الاستفادة من رأس المال الخاص وموارد القطاع."

في المقابل، يتخوف آخرون مما إذا كان بمقدور الحكومة أن تجعل المناخ التنظيمي لشركات القطاع الخاص جذابا بدرجة كافية وأن تحد من مخاطر الهدر والفساد، مع إتاحتها فرصا بعشرات المليارات من الدولارات للقطاع فضلا عن المخاوف بشأن كيفية تمويل هذه المشروعات.

ويقول الاقتصادي السعودي إحسان بو حليقة، إنه "يصعب القول ما إذا كان القطاع الخاص سينجح في القيام بالدور المنوط به أم لا، لحين إعلان الحكومة تفاصيل مهمة عن الشروط التي ستجري من خلالها دعوة القطاع الخاص للمشاركة في خطة التحول".

ويضيف وفقا لرويترز: "القطاع الخاص انتهازي بطبيعته ويريد أن يقتنع بأن الاستثمارات تستحق المال. حتى الآن الفرص التي تطرحها الحكومة غير واضحة."

وقالت جدوى للاستثمار في تقرير عن خطة التحول الوطني "ليس واضحا حتى الان كيف سيتم تشجيع القطاع الخاص على المشاركة... نتوقع تنفيذ شكل من أشكال البرامج التحفيزية - أي أسلوب العصا والجزرة - لتوجيه القطاع الخاص نحو قطاعات عالية الإنتاجية تركز على التصدير."

الإنفاق

وتستهدف خطة التحول الوطني زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) بحلول عام 2020 وخلق 450 ألف وظيفة غير حكومية للمواطنين حسبما أظهرت وثائق وزعت على الصحفيين في جدة.

وتعول الحكومة على القطاع الخاص بلعب دور أكبر في التنمية لأنها لم تعد قادرة على مواصلة "الإنفاق السخي" في عصر النفط الرخيص الذي أدى لتقلص إيرادات أكبر مصدر للخام في العالم ودفع لتسجيل عجز يقارب المئة مليار دولار في موازنة العام الماضي.

وتقول وثيقة التحول الوطني، إن تنفيذ الخطة التي تشمل أكثر من 500 مشروع ومبادرة تهدف لتنويع موارد الاقتصاد بدلا من الاعتماد على النفط سيتكلف نحو 270 مليار ريال (72 مليار دولار) في السنوات الخمس المقبلة.

وتشمل تلك المبادرات إنشاء مناطق صناعية ومحطات للطاقة ومساكن ومدارس. ومن المتوقع أن يسهم القطاع الخاص بنحو 40% من تمويل هذه المشروعات وبما يقرب من 48 مليار دولار.

وهذا ليس بالأمر المستحيل في اقتصاد بلغ فيه ناتج القطاع الخاص 320 مليار ريال العام الماضي. لكن في ظل الارتفاع الحاد لأسعار الفائدة بين البنوك السعودية في السوق المحلية نتيجة تراجع التدفقات النقدية من أموال النفط بالنظام المصرفي فمن غير الواضح كيف ستتمكن الشركات المحلية من الحصول على التمويل بأسعار معقولة.

الاستثمارات الأجنبية

ونقلت وكالة رويترز عن الاقتصادي فضل البوعينين قوله: "بالنسبة للاستثمارات المحلية أعتقد أن قدراتها في الوقت الحالي لا ترقى إلى أخذ دور الحكومة في تبني المشروعات الضخمة وبما يساعد على تحريك الاقتصاد وتحقيق النمو المطلوب."

ويضيف "ستبحث الشركات عن جهات تمويلية قادرة على توفير السيولة المناسبة لها وبالنظر للقطاع المصرفي نجد أن هناك شحا في السيولة وهذا يتسبب برفع هوامش التمويل والتشدد في معايير الائتمان ما قد يحد من قدرة القطاع الخاص على التمويل."

وقد يعني ذلك أن تضطر المملكة إلى الاعتماد بصورة أكبر على الاستثمارات الأجنبية في السنوات المقبلة، ولعل هذا أحد أسباب لقاء الوفد المرافق للأمير محمد بن سلمان برجال الأعمال خلال زيارته للولايات المتحدة.

وتستهدف خطة التحول الوطني زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأكثر من مثليها لتصل إلى 19 مليار دولار بحلول 2020 من مستواها الذي بلغ 8 مليارات دولار العام الماضي.

ومن أجل تحقيق ذلك تأخذ الحكومة العديد من الخطوات التي تستهدف تيسير القيام بالأعمال في المملكة لكن هذه الإجراءات ستعتمد بشكل كبير على إجراء تغيير جذري يقضي على "البيروقراطية الحكومية"، وفقا لرويترز.

الخصخصة والشراكة

ومنذ الإعلان عن خطة التحول الأسبوع الماضي ظهر نمطان من أنماط استثمارات القطاع الخاص أحدهما "خصخصة بعض الأصول الحكومية" إذ قال وزير الاتصالات محمد السويل إن "وزارته تعمل على خصخصة مؤسسة البريد السعودي وإن تحويلها إلى شركة تجارية قد يبدأ أوائل العام المقبل".

أما النمط الآخر فيتمثل في "الشراكة مع الحكومة" عبر ضخ شركات القطاع الخاص أموالا لتنفيذ مشروعات حكومية ثم تحقيق إيرادات من خلال تشغيلها.

وقالت الشركة السعودية للكهرباء إنها "دعت الشركات لتقديم العروض لبناء محطتين للطاقة الشمسية وبيع إنتاجهما من الكهرباء لها بموجب عقود طويلة الأجل".

وقفز سهم شركة دار الأركان إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في المملكة 14% منذ أن قالت الأسبوع الماضي إنها تجري محادثات مع الحكومة لتوفير وحدات سكنية في إطار خطة المملكة للإصلاح الاقتصادي.

وسبق أن أثبتت "الشراكة" بين الحكومة والقطاع الخاص نجاحا في مشروعات للطاقة بمليارات الدولارات بسلطنة عمان لكن من المرجح إطلاق المشروعات السعودية في مناخ اقتصادي مختلف مع تقليص الإنفاق الحكومي والتوجه لفرض ضرائب ورسوم لتحقيق التوازن في الميزانية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com