لماذا تُخرق هدنة وقف إطلاق النار في السودان؟

لماذا تُخرق هدنة وقف إطلاق النار في السودان؟

على الرغم من توقيع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على اتفاق لوقف إطلاق النار، إلا أن الاشتباكات بين الطرفين ظلت مستمرة، وسط تبادل الاتهامات حول من يبدأ عملية خرق الاتفاق، في وقت ظل الطيران الحربي يحلق في سماء الخرطوم حتى اليوم الخميس.

وقال شهود عيان لـ"إرم نيوز"، إن اشتباكات بالأسلحة الثقيلة اندلعت، اليوم الخميس، في منطقة "الرميلة" بالخرطوم، لكنها لم تستمر طويلا، كما شاهد سكان من منطقة "صالحة" جنوب أم درمان طائرة الانتنوف تحلق في سماء المنطقة، وسط سماع دوي المضادات الأرضية.

وبينما خفتت حدة الاشتباكات المباشرة، اليوم الخميس، كان يوما "الثلاثاء والأربعاء" قد شهدا أعنف المواجهات المسلحة بين الطرفين داخل الخرطوم، انتهت بإسقاط طائرة عسكرية في مدينة أم درمان.

تنافس الأجندات الثقافية وصراع خطاب الكراهية، محفز قوي يمكن أن يؤدي إلى تجدد العنف وخرق الهدنة، إضافة إلى حالة غياب الدولة والقانون وانعدام السلطة
القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق

واتهم الجيش، الأربعاء، قوات الدعم السريع، بارتكاب عدة خروقات للهدنة المتفق عليها في محادثات جدة، من بينها "الهجوم على مدينتي الجنينة وزالنجي بدارفور، ومواصلة احتلال المستشفيات، واستمرار محاولات حصار مدينة الأبيض، والقصف المدفعي على سلاح الإشارة وقاعدة وادي سيدنا، واحتلال مطابع النقود وسك العملة".

من جهتها، تقول "قوات الدعم السريع" إن ما تسميها بـ"قوات الانقلابيين وفلول النظام السابق المتطرفة"، اخترقت الهدنة الإنسانية المعلنة، وهاجمت قواتها في عدد من المحاور عبر الطيران الحربي والقصف المدفعي والهجوم البري، كما هاجم الطيران مواقع الدعم السريع قبل أن تسقط طائرة من طراز (ميج) يتواجد حطامها في منطقة امبدة الحارة 14، حسب بيان الأربعاء.

وكان الجيش وقوات الدعم السريع، قد وقعا يوم السبت الماضي بمدينة جدة السعودية، على اتفاق هدنة قصير الأمد، ينص على وقف القتال والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية واستئناف تقديم الخدمات الأساسية لسكان البلاد، لمدة 7 أيام قابلة للتجديد.

"التخوين والشيطنة"

وعدد القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، أسباب خرق الهدنة، ومن بينها "حالة التخوين والشيطنة وانعدام الثقة بين الطرفين المتحاربين"، قائلًا إنها "أكبر عوامل عدم الالتزام بشكل كامل بالاتفاقيات المبرمة، بما في ذلك الهدنة".

وأكد عروة الصادق في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية لبعض الدول تحفز كذلك الأطراف المتحاربة على خرق الهدنة، لأجل إقحام أجنداتها في التفاوض أو تصوراتها السياسية ومقارباتها الأمنية، لأن هناك دول لا تريد أن تكون خارج اللعبة"، حسب قوله.

أخبار ذات صلة
استمرار القتال يهدد أسبوع هدنة في السودان

كما أن تنافس الأجندات الثقافية وصراع خطاب الكراهية، محفز قوي يمكن أن يؤدي إلى تجدد العنف وخرق الهدنة، إضافة إلى حالة غياب الدولة والقانون وانعدام السلطة وعدم الاستقرار السياسي، وهي أخطر عوامل خرق الهدنة، وفق الصادق.

وأشار إلى أن "عدم القدرة على رصد حركة المتحركات والأفراد والآليات والطيران، بجانب العجز عن تحديد المناطق المحظورة والمسؤوليات المشتركة لإنفاذ الاتفاق، وغياب آلية المساءلة"، جميعها عقبات تواجه اتفاق الهدنة.

وتوقع الصادق أن "تستمر الاشتباكات ما لم تتم تنقية القوات العسكرية من جيوب نظام المخلوع عمر البشير، والتنظيم الإسلامي، لأن هذه الجيوب لا تأتمر بأمر قيادة القوات المسلحة أو الدعم السريع، ويمكن أن تستمر في خرق الخدمة".

وتابع: "لكن مع إحكام السيطرة العملياتية يمكن الوصول بسرعة كبيرة لوقف إطلاق نار دائم، وسيطرة تامة على ميدان العمليات، ما سيمهد لإتمام الاتفاق الدائم واستعادة الحياة في البلاد وتحقيق الاستقرار والسلام".

طرفا الوساطة، السعودية والولايات المتحدة الأمريكية يمتلكان أدوات ضغط، خاصة واشنطن، من خلال العقوبات الفردية على المتورطين في استمرار الحرب
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ

انعدام الثقة

من جهته، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أن "خرق الهدنة ناتج عن أمرين، أولهما عدم ثقة الطرفين في بعضهما، من واقع تجربة الهدن السابقة التي لم يتم الوفاء بها، والأمر الثاني هو تأثير عناصر النظام السابق الإعلامية والعسكرية على تشكيل الرأي العام والإصرار على استمرار الحرب؛ لأن أي نهاية لها دون تحقيق الانتصار، يعني اقتلاع جذورهم وقطع الطريق أمام أحلام العودة لحكم البلاد".

وقال أبو الجوخ لـ"إرم نيوز" إن "آليات الرقابة على اتفاق وقف إطلاق النار، لا تمتلك سلطة إصدار عقوبات على أي من الطرفين أو أحدهما"، مشيرا إلى أن "طرفا الوساطة، السعودية والولايات المتحدة الأمريكية يمتلكان أدوات ضغط، خاصة واشنطن، من خلال العقوبات الفردية على المتورطين في استمرار الحرب".

وتابع أن "هذا عامل ضغط مباشر على قيادتي الطرفين، سيهدد دورهما السياسي مستقبلًا حتى إذا ما تحقق الانتصار، في ذات وضعية قادة يوغسلافيا المدنيين والعسكريين بعد انتهاء حرب البلقان، الذين ظلت تطاردهم اتهامات جرائم الحرب حتى بعد انتهائها لسنوات، ومثلوا أمامها بعد سنوات من نهايتها"، مؤكدا أن "أي من القادة العسكريين في السودان لا يريد هذا المصير والنهاية في حال انتصاره في الحرب".

ونوه إلى إمكانية اللجوء لخيارات تصعيدية على الأرض عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي، لإيقاف الخرق المتواصل للهدنة من الطرفين، مع عدم إغفال الثقل العربي والإسلامي لحشد الدعم لمثل هذه الخطوة.

وحول مستقبل السلام في ظل الاتفاقيات الهشة وعدم التزام الطرفين بها، يقول أبو الجوخ، إنه "ليس أمام الأطراف العاملة على تقويض الهدنة، خاصة منسوبي النظام السابق ودعاة الحرب، من بدائل أو خيارات أفضل من استمرار الهدنة وإنهاء الحرب، أما إذا أصروا على المضي في الحرب قدمًا، فإنها ستتوقف رغمًا عنهم، وسيجدون أنفسهم في مجابهة تكلفة عالية ستقودهم للمثول أمام محاكم جرائم الحرب".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com