من ضحايا الألغام في تونس
من ضحايا الألغام في تونسإرم نيوز

ضحايا الألغام في جبال تونس.. "أموات على قيد الحياة"

لا تزال الألغام المزروعة في الجبال التونسية، لا سيما غرب البلاد، تثير مخاوف السلطات، ويخلّف انفجارها من حين إلى آخر حالات وفيات أو عاهات مستدامة لضحايا يتجرعون مرارة "العيش وهم أموات"، كما يقول بعضهم.

ويعيد انفجار لغم في محافظة القصرين بشكل خاص مخاوف من عودة أعمال المجموعات المتشددة التي تحاربها السلطات منذ سنوات.

وعلى مدى عَقديْن من الزمن، خلّفت الألغام التي زرعتها المجموعات المتشددة في جبال تونس عشرات الضحايا بين قتلى ومصابين من ساكني سفوح الجبال. هؤلاء السكّان دفعتهم ظروفهم الاجتماعية الصعبة إلى المجازفة بحياتهم والدخول إلى عمق الجبال لجمع نبتة الإكليل الجبلي والحطب وبيعه لتلبية حاجاتهم اليومية، ليكونوا بذلك ضحايا الفقر من جهة، وضحايا الألغام من جهة ثانية.

ومنذ بداية سنة 2023، تم إحصاء 7 حوادث معلنة لانفجار ألغام، وكان من بين الضحايا طفل يعمل في جمع نبتة إكليل الجبل بهدف بيعه وتوفير ثمن مستلزمات العودة المدرسية، إضافة إلى إصابة شاب آخر من المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وتطرح الانفجارات المتواترة للألغام تساؤلات حول مدى التزام السلطات التونسية بنزع هذه الألغام، أو إيجاد بدائل واتخاذ إجراءات لفائدة أهالي تلك المناطق تساعدهم على العيش بكرامة.

وتقول خديجة رحيمي (45 سنة)، المزارعة في إحدى القرى المتاخمة للمنطقة العسكرية المغلقة بجبل السلّوم التابعة لمحافظة القصرين (وسط غرب)، إنّ حلمها رعاية طفليها بعد انفصالها عن زوجها، لكن الألغام التي زرعها المتشددون بالمكان، خلال العقد الماضي، حوّلت تلك الأحلام إلى كابوس لا ينتهي.

ضحايا يعانون الإهمال
ضحايا يعانون الإهمالإرم نيوز

وتعرضت خديجة إلى انفجار لغم سنة 2018، عندما كانت تجمع الحطب وترعى الأغنام برفقة جارتها "نجمة" في التلّة المقابلة لمنزلهما، وأسفر الانفجار عن بتر ساق "خديجة"، وفقدان "نجمة" بصرها وإصابتها في أماكن مختلفة من جسدها، لتدخلا إثر ذلك في كابوس الإهمال الصحي والنفسي والاجتماعي.

تقول خديجة، في حديث لـ "إرم نيوز": "نحن أموات على قيد الحياة. لم يلتفت لنا أحد منذ الحادثة. لقد قمت بتركيب ساق اصطناعية بعد بتر ساقي بثلاث سنوات لكنها أتلفت، ولا أملك ثمن إصلاحها. نسيتنا السلطات، وحالي هو حال الكثيرين الذين فقدوا أطرافهم بسبب الألغام، أما الذين قُتِلوا فلا يتحدث عنهم أو يذكرهم أحد"، وفق تأكيدها.

وبسبب الإهمال والصدمة وقلة ذات اليد، اضطرت عائلات من أهالي سفوح الجبال إلى النزوح إلى المدن أو الانتقال إلى العاصمة؛ هربا من مخاطر الألغام وبحثًا عن موارد رزق جديدة.

نسيتنا السلطات، كحال الكثيرين الذين فقدوا أطرافهم، أما الذين قُتِلوا فلا يذكرهم أحد
خديجة، إحدى ضحايا الألغام

ويُشير تقرير أصدره "مرصد الألغام الأرضية" سنة 2021 إلى أن عدد ضحايا الألغام ارتفع 20 بالمئة نتيجة تزايد النزاع المسلح ووجود ألغام بدائية الصنع، ما يضع تونس في مقدمة البلدان التي يعاني مواطنوها من التأثيرات السلبية لوجود الألغام في أراضيها.

وأورد التقرير أن المدنيين هم 8 من كل 10 ضحايا، ورغم أنّ الرجال والفتيان يمثلون نسبة 85 في المئة من إجمالي الضحايا، فإن التقرير يشير إلى أنّ النساء والفتيات المصابات هن الأكثر تعرضاً لمصاعب الحصول على المساعدات الخاصة بالضحايا.

 وتطالب عائلات ضحايا الألغام السّلطات بالاهتمام بسكّان الجبال وتهيئة بيئة ملائمة للعيش، إضافة إلى توفير الرّعاية الصحية والنفسية والإحاطة بهم وإعانتهم على إيجاد موارد رزق تضمن لهم حياة كريمة.

ويؤكد الناشط في المجتمع المدني، وأحد سكان منطقة المثنانية المتاخمة لجبل السلّوم، بمحافظة القصرين، سامي الرحيمي، في حديثه لـ "إرم نيوز"، ضرورة التعامل بجدية مع مشاغل ساكني سفوح الجبال وإخراجهم من حالة الفقر المدقع.

سامي الرحيمي
سامي الرحيميإرم نيوز

وأضاف أنّ "العشرات من ضحايا الألغام سواء من القتلى أو المُصابين خلّفوا وراءهم عائلات دون سند، وأغلب هؤلاء الضحايا كانوا يتخذون من الجبال موارد رزق مع غياب بدائل تنموية توفر لهم العيش بأمان".

ومع ارتفاع عدد ضحايا الألغام في تونس، دعا رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، إلى ضرورة وضع خطة أمنية تستعين فيها السّلطات في المنظمات الدولية لنزع الألغام من سفوح الجبال الآهلة بالسكان، مثل جبال الشعانبي والسلّوم وسمامة ومغيلة.

وأكد عبد الكبير ضرورة وضع برامج للتمكين الاقتصادي لهؤلاء الساكنين، وإيجاد خطة تنموية واقتصادية استثنائية لفائدتهم.

مصطفى عبد الكبير
مصطفى عبد الكبيرإرم نيوز

 وشبّه الناشط الحقوقي التونسي من يقطن على تخوم الجبال المُصنَّفة مناطق عسكرية بـ "المواطن الأسير"، إذ يجبره الوضع الاقتصادي المتردّي على العمل داخل أماكن متفجّرة، لتبقى حياته رهينة الفقر من جهة و"الألغام" من جهة أخرى.

وحمّل عبد الكبير الدولة التونسية المسؤولية، وطالبها بالتحرك الفعلي لفائدة هذه الفئة من السكان وحمايتها من المخاطر المحدقة بها.

ولا توجد إحصائيات رسمية حول عدد الألغام التي زرعها المتشددون في المناطق الغربية بتونس، لكن أطرافا عديدة تؤكد انتشارها بشكل واسع، وهو ما يفسّر تواصل ارتفاع ضحاياها إلى غاية اليوم.

يُشار إلى أن السلطات التونسية أعلنت، خلال أبريل/ نيسان 2014، جبال الشّعانبي والسلّوم وسمّامة ومغيلّة مناطق عسكرية مغلقة يُمنع الدخول إليها .

أخبار ذات صلة
تونس.. اندلاع حرائق في 4 محافظات تسبب بانفجار 22 لغمًا أرضيًا

 وقد تسبّبت الحرائق التي شهدتها جبال المناطق الغربية في تونس، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بانفجار عدد كبير من هذه الألغام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com