الغطاء النباتي في لبنان مهدد بالحرائق والعمران والمفاهيم الخاطئة
أتت الحرائق في السنوات الأخيرة على مساحات واسعة من الغطاء النباتي في لبنان، إذ طالت في الأعوام العشرين الماضية نحو 16 مليونا و400 ألف متر مربع من الثروة الخضراء، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في القيم الأيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد خبراء البيئة أن الحرائق ليست العامل الوحيد الذي يهدد الغطاء النباتي (الأخضر) في لبنان، وإنما هناك عوامل أخرى مثل التوسع العمراني، و"تبعثر" الغابات وغياب العناية الدورية بها، وأيضا التشجير العشوائي.
يشير الخبير والأستاذ المساعد بكلية العلوم في الجامعة اللبنانية جان إسطفان إلى أن الغطاء الأخضر في لبنان يشكل ما نسبته 24% من المساحة العامة، تتوزع بين 13% من الغابات، المقصود بها تلك التي تضم الأشجار العالية والباسقة، و11% من مناطق حرجية، التي تضم الأشجار والنباتات ذات الارتفاع المتوسط، على أن كليهما له الأهمية والقيمة نفسها.
واعتبر الخبير، في حديث خص به "إرم نيوز"، أن هذه النسبة جيدة جدا قياسا بمساحة لبنان وكثافته السكانية، لكنه شدد على أن الحفاظ عليها يتم من خلال الشراكة والحفاظ على محاور الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي محور الاستدامة البيئية أشار إسطفان إلى ضرورة العناية بالغابات من خلال تشذيبها وتنظيفها للتخفيف من عوامل الخطر التي تهددها.
وقال إن "الغابات هي ضرورة ويجب أن تكون جزءا من حياتنا وأن نستثمرها جيدا، وأي تهديد لها يؤثر على التنوع البيولوجي وعلى موائل الحيوانات والزواحف والطيور وعلى الأنواع النباتية والفطريات وغيرها".
وأضاف الخبير أن الشرايين الخضراء تعمل على تنقية الهواء، وتحد من عوامل التعرية، وتحافظ على التربة والمياه، وتقلل من الفيضانات ومن انبعاث غازات الدفيئة.
ويعدّد إسطفان أنواعا من الأشجار تسهم بأدوار بيئية هامة، مثل " الحور" و" الدلب" على ضفاف الأنهار التي تحد من الفيضانات، فيما تحمي أشجار " الشربين"على المنحدرات من انجراف التربة.
ويلفت إلى فوائد اقتصادية جمّة من الثروة الغابية والحرجية الغنية بأشجار "السنديان"، التي تشكل الغذاء الرئيسي للعسل اللبناني، فضلا عن الأشجار الصنوبرية والصمغية، وما تنتجه الأولى من الصنوبر، فيما تسهم الثانية في صناعات عديدة.
يضاف إلى ذلك الثروة الخشبية التي يمكن مراكمتها من خلال أعمال التشذيب والتشحيل التي يفترض أن تجري دوريا في الغابات والأحراج، ما يبعد عنها مخاطر الحرائق.
كما لفت إسطفان إلى أهمية هذه الثروة الخضراء في حياة الإنسان، على المستويات المختلفة، وبينها الجمالي الفني والثقافي والنفسي، مشددا على َالإدارة السليمة لها، والتي تقع على عاتق الأفراد والمجتمع والحكومة.
"درب عكّار".. النموذج الناجح
"درب عكّار" هي مجموعة من متطوعين يجمعهم حب الطبيعة والوعي بأهمية عناصرها وتنوعها، وقد شكلوا على مدى سنوات قليلة فارقا نوعيا في التعاطي مع الغطاء النباتي في عكار وتأمين الحماية له.
وعكار هي محافظة لبنانية تقع في أقصى شمالي لبنان، يغطي البساط الأخضر نحو 200 كلم مربع من أصل 780 كلم مربع من مساحتها.
وهذا البساط هو عبارة عن غابات متصلة ببعضها البعض، تضم أشجار الصنوبر والسنديان، فيما تتصدر غابات الشوح المرتفعات، وتعتلي أشجار اللزاب قممها.
وقال مؤسس "درب عكار" خالد طالب، لـ "إرم نيوز" إن هناك 65 نوعا من الأشجار في عكار من أصل نحو 70 نوعا موجودا في لبنان، غاباتنا متنوعة وهي موئل لأنواع عديدة من الحيوانات والحشرات والطيور، ويعيش فيها نحو ألفي نوع من النباتات من أصل نحو 2800 نوع في كل لبنان، وعكار هي أم التنوع البيولوجي الموجود في لبنان".
وأضاف طالب، وهو أيضا مشرف محلي على " درب الجبل اللبناني"، أن "درب عكار" يقوم بحماية التنوع البيولوجي من خلال توثيقه، ويعمل على إنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض وحمايتها.
كما أنشأ فريق "درب عكار" وحدة لمكافحة الحرائق، واستطاع أن يسيطرعلى نحو 100 حريق في السنوات الماضية، وهو يعد دوريا تقارير عن ظروف وأسباب الحرائق لتكون في متناول الجهات المختصة، لتفاديها مستقبلا.
ودعا طالب إلى مقاربة جديدة للتعاطي مع الغابات من خلال رفدها بأنواع مختلطة، لأن النوع الواحد يفقدها الصحة والحيوية ويزيد من إصابتها بالأمراض، مشيرا إلى أن القطع ليس سلوكا خاطئا لكن شرط أن يكون مدروسا.
وحذر من الخطأ الشائع من خلال التشجير غير المدروس لا سيما في الجبال العالية، التي "يصفها الكثيرون بأنها جرداء، ولكنها على العكس من ذلك تعيش فيها أنواع نباتات يفوق عددها تلك الموجودة في الغابات".
