ما الدلالات السياسية لإبرام اتفاق نفط بين شركة أمريكية والإدارة الذاتية شمال سوريا؟‎
ما الدلالات السياسية لإبرام اتفاق نفط بين شركة أمريكية والإدارة الذاتية شمال سوريا؟‎ما الدلالات السياسية لإبرام اتفاق نفط بين شركة أمريكية والإدارة الذاتية شمال سوريا؟‎

ما الدلالات السياسية لإبرام اتفاق نفط بين شركة أمريكية والإدارة الذاتية شمال سوريا؟‎

رجح خبراء أن الاتفاق الذي أبرم بين الإدارة الذاتية، شمال شرق سوريا، وشركة أمريكية بشأن تطوير واستثمار حقول النفط السورية الخاضعة، في غالبيتها، لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، يتجاوز كثيرًا البعد الاقتصادي البحت، ليثير ملفات سياسية معقدة تتخطى حدود الإدارة الكردية، شرق الفرات، لتصل صداها إلى دمشق، وأنقرة، وموسكو، وحتى طهران.

وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو أحد أبرز المدافعين عن تجربة الإدارة الذاتية، قال أمام الكونغرس بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، الخميس، إن قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي أبلغه بتوقيع اتفاق مع شركة أمريكية لاستثمار النفط في مناطق شمال شرق سوريا، طالبًا إبلاغ الرئيس دونالد ترامب بتفاصيله.

ووقع الاتفاق من الجانب الأمريكي شركة "ديلتا كريسنت إنيرجي"، وتطلب إبرامه  الحصول على استثناء من وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين، باعتبار أن قطاع النفط ومؤسسات سورية كثيرة خاضعة لعقوبات أمريكية بموجب "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ منتصف حزيران/يونيو الماضي.

وكانت واشنطن لمحت إلى اتفاق من هذا النوع عندما تراجع الرئيس الأمريكي، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن قرار سحب كامل قواته من شمال شرق سوريا، وأبقى على نحو 500 جندي، قيل، آنذاك، بأن الهدف من هذا الإجراء هو حماية حقول النفط السورية.

ووفقًا للمعلومات المتوافرة، يتضمن الاتفاق، تأسيس مصفاتي نفط متنقلتين شرق الفرات بحيث تنتجان حوالي 20 ألف برميل يوميًا ما يساهم بسد قسم من حاجة الاستهلاك المحلي الذي كان يلبى عبر حراقات بدائية الصنع، ساهمت بزيادة التلوث، فضلًا عن تحديات تقنية وفنية عجزت الإدارة الذاتية، بإمكانياتها المتواضعة، عن تذليلها.

وكان إنتاج سوريا من النفط يبلغ حوالي 360 ألف برميل يوميًا قبل الأزمة التي عصفت بالبلاد العام 2011 لينخفض الإنتاج، تدريجيًا، إلى نحو 60 ألف برميل يوميًا، وكان القسم الأكبر من هذا النفط ينقل إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية كي يكرر ويعود جزء منه إلى شرق الفرات، كما كان يتم تهريب قسم من النفط إلى تركيا عبر كردستان العراق، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".

وبإتمام "الصفقة النفطية" بين الشركة الأمريكية والإدارة الذاتية، تبرز ملفات خلافية، سياسية الطابع، قد تقوض، وفقًا لخبراء، آليات تطبيقها على أرض الواقع:

غضب أنقرة

من البديهي، كما يشير الخبراء، أن يثير اتفاقًا من هذا النوع حفيظة أنقرة، التي ستلقي بكل ثقلها لإفشاله، ذلك أن تركيا قد تساوم على أي شيء في الملف السوري، باستثناء المساومة حيال تصاعد نفوذ الأكراد، فهي خاضت، بالفعل، 3 حروب، وقدمت تكلفة مالية باهظة، لأجل تقويض إمكانية قيام أي كيان كردي شمال سوريا.

ويضيف الخبراء أن "واشنطن ستجد صعوبة بالغة في إقناع تركيا بهذا الاتفاق مقابل التنازل حيال ملفات خلافية أخرى"، مشيرين إلى أن تركيا "ستلوح بكل أوراقها لدى حليفتها واشنطن، للحيلولة دون المضي قدمًا في اتفاق يسبغ "شرعية سياسية أمريكية" على الإدارة الذاتية الكردية التي أبرمت الاتفاق دون المرور عبر الحكومة المركزية في دمشق، الجهة الشرعية الوحيدة، إلى الآن، المخولة بترتيب اتفاقات سيادية من هذا النوع.

عجز دمشق

يرى خبراء أن دمشق، التي لم تصدر، حتى الآن، أي تعليق رسمي بخصوص الاتفاق، لن تكون راضية بتعزيز العلاقة بين الإدارة الذاتية، التي لا تعترف بها، أصلًا، وبين "عدوتها" أمريكا، لكنها في نفس الوقت ستبدو عاجزة عن المس به.

ويشير الخبراء إلى أن أقصى ما يمكن أن تفعله الحكومة السورية حيال الاتفاق هو تقديم شكوى رسمية لمؤسسات الأمم المتحدة، ودفع روسيا للتدخل من أجل تعطيل تنفيذ الاتفاق الذي سيحرم دمشق من بعض الموارد النفطية التي كانت تصلها عبر وسطاء، أو ما بات يطلق عليهم "أثرياء الحرب"، ناهيك عن دلالته السياسية الحساسة بالنسبة لدمشق التي تصر على الحديث عن "القرار السيادي المستقل" رغم ما أصاب البلاد من خراب وفوضى.

وكانت الحكومة السورية خاضت عدة جولات تفاوض، برعاية روسية، مع الإدارة الذاتية للتوصل إلى تفاهمات بشأن مستقبل تلك الإدارة، لكنها لم تسفر عن نتائج مرضية، إذ اتهم كل طرف الآخر بـ"التعنت" في موقفه.

ووفقًا لخبراء، فإن هذا الاتفاق سيقوي موقف الإدارة الذاتية التفاوضي خلال أي حوارات مستقبلية، مشيرين إلى أن الإدارة الذاتية قد ترفع سقف المطالب، الأمر الذي سيعرقل احتمال التوصل إلى صيغة سياسية بين الطرفين.

وفي هذا السياق، تقول صحيفة الشرق الأوسط إن هناك اعتقادًا بأن "إدارة ترامب تحاول جعل الموارد النفطية للبلاد ورقة تفاوضية، في الملف السوري، مع أوراق أخرى كالعقوبات، والعزلة، والغارات الإسرائيلية، وإدلب...للضغط على دمشق وموسكو" للقبول بتسوية سياسية وفق الشروط الأمريكية.

تحفظ موسكو

أفاد الخبراء بأن موسكو ستتحفظ، بدورها، على هذا الاتفاق، ذلك أن السياسة الروسية قائمة، فيما يتعلق بهذه الجزئية، على تحقيق تقارب بين الإدارة الذاتية، وبين دمشق، عبر حث الأخيرة على منح بعض الامتيازات للأكراد، في مقابل بسط سيطرتها على مناطق شمال شرق سوريا.

وهذا الفهم الروسي، بحسب الخبراء، بات يصطدم، الآن، بالاتفاق النفطي، الذي سيدفع موسكو إلى إبداء المزيد من المرونة إزاء تركيا، من أجل التنسيق معها لتعطيل الاتفاق، أو تحسين شروطه، بحيث لا ينتقص من النفوذ الروسي الذي امتد، منذ تشرين الأول /أكتوبر الماضي، إلى شرق الفرات.

وشكل النفط السوري في السابق ملفًا خلافيًا بين موسكو وواشنطن التي أظهرت تصميمها على حرمان دمشق وموسكو من السيطرة على النفط عندما وجهت ضربة لمرتزقة فاغنر الروس، في العام 2018 حاولوا الاقتراب من حقل نفط في دير الزور، وقتل منهم، آنذاك، باعتراف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو نحو 300 عنصر.

رفض طهران

أوضح الخبراء أن موقف طهران سيكون مماثلًا للموقف الرسمي السوري، الذي سيرفض الاتفاق، مشيرين إلى أن إيران ستزيد "جرعة التهديدات" خاصة أن علاقاتها مع الولايات المتحدة تشهد حاليًا أسوأ مراحلها، بعد مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بضربة أمريكية في بغداد قبل أشهر.

ابتهاج تل أبيب

يقول مراقبون إن إسرائيل ستعبر عن ترحيبها بالاتفاق، ذلك أن الاتفاق يسهم في تقويض نفوذ إيران، ويعزز مكانة حليفتها واشنطن في المنطقة.

ورغم أن إسرائيل تظهر حذرًا بالغًا في التعبير، رسميًا، عن موقفها حيال الإدارة الذاتية، شمال سوريا، لئلا تؤلب غالبية السوريين ضد هذه التجربة، إلا أن محلليين إسرائيليين غالبا ما يظهرون عبر قنوات فضائية، ويعربون عن تأييدهم لتلك التجربة، ولقسد التي قضت، بمساعدة التحالف الدولي في القضاء على تنظيم داعش.

ويساهم الاتفاق في تقليص اعتماد الإدارة الذاتية على "أثرياء حرب" بينهم مجموعة قاطرجي، التي فرضت عليها عقوبات بموجل قانون قيصر، التي كانت تقوم بنقل النفط بين مناطق "قسد" ومناطق الحكومة السورية مقابل عمولة معينة.

وأشاع الاتفاق ارتياحًا لدى الأكراد الذين يعتقدون أن هذا الاتفاق مؤشر على وجود أمريكي طويل الأمد، ما يعني أن خشيتهم من انسحاب أمريكي مفاجئ لم تعد مبررة، كما حدث في تشرين الأل/ أكتوبر الماضي عندما أعلن ترامب عن عزمه سحب قواته، كاملًا، من شمال سوريا، وهو ما أتاح لتركيا التوغل في الشمال السوري عبر عملية "نبع السلام"، قبل أن تتراجع الإدارة الأمريكية عن قرار الانسحاب الكامل.

وقال موقع "نورث برث"، المقرب من الإدارة الذاتية، إنه "من المقرر أن تبدأ الشركة الأمريكية عملها قريبًا على معظم حقول النفط الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" لإعادة تأهيلها واستثمارها بطاقتها الأعظمية، وهو ما سيتيح للإدارة الذاتية بيع النفط بشكل قانوني لأي أطراف تختارها دون الحاجة الى تصريفه عبر تجار يعيدون بيعها سواء للنظام السوري أو لتجار في حكومة إقليم كردستان العراق".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com