انتظار الموت خيارهم الوحيد.. لاجئو سوريا عالقون على الخطوط الأمامية لحرب الدعاية التركية
انتظار الموت خيارهم الوحيد.. لاجئو سوريا عالقون على الخطوط الأمامية لحرب الدعاية التركيةانتظار الموت خيارهم الوحيد.. لاجئو سوريا عالقون على الخطوط الأمامية لحرب الدعاية التركية

انتظار الموت خيارهم الوحيد.. لاجئو سوريا عالقون على الخطوط الأمامية لحرب الدعاية التركية

حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استغلال جميع الأدوات المتاحة لديه، بما في ذلك استخدام المهاجرين كسلاح للضغط على أوروبا لدعم موقفه المحلي وتعزيز نفوذه.

وتوقع حسن كريمي (48 عاما) وابنه محمد (17 عاما)، اللذان ينامان في محطة حافلات مدينة حدودية تركية، أنهما سوف يكونان في طريقهما إلى حياة جديدة في أوروبا الآن، ولكن بدلا من ذلك، وجدا نفسيهما يقفان على الخطوط الأمامية لحرب الدعاية التركية.

ويعتبر الأب والابن من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين توجهوا إلى الحدود اليونانية على مدار الأيام الـ8 الماضية، بعد أن أعلن الرئيس التركي أردوغان أنه سيفتح حدوده، مهددا بخلق أزمة هجرة جديدة على الحافة الشرقية للاتحاد الأوروبي.

ووصل اللاجئون على متن حافلات وفرتها البلديات التركية، بتشجيع من التقارير الإخبارية التلفزيونية التي تدعي أن الخروج قد بدأ، وأتى معهم الصحفيون الذين أُرشدوا إلى الحدود من قِبل المسؤولين الأتراك.

ويبدو أن هناك تضاربا في الأقوال حول ما حدث بعد ذلك، إذ يُقال إن الحكومة اليونانية أغلقت حدودها البرية مع تركيا، ونشرت جيشها وعلقت طلبات اللجوء بعد ساعات من إعلان أردوغان، وألقت القبض على 244 شخصا فقط، سيتم ترحيلهم جميعا، ومنعت 35 ألف شخص من العبور.

ووفقا لصحيفة "التايمز" البريطانية، تقول تركيا إن الآلاف عبروا الحدود وإن اليونانيين لجؤوا إلى القوة الغاشمة وغير القانونية لإبعادهم، وقُتل محمد العرب (22 عاما) من حلب، عندما أُصيب في رأسه بقنبلة غاز مسيلة للدموع أطلقتها القوات اليونانية يوم الإثنين.

معاملة سيئة

وبحلول يوم أمس، كانت التوترات قد وصلت إلى مواجهة مفتوحة بين قوات حرس الحدود التركية واليونانية، حيث أطلقت الشرطة اليونانية مدفع المياه على الضباط الأتراك، قائلين إنهم أطلقوا الغاز المسيل للدموع على بلدة "كاستانيز"، وقال سليمان صويلو وزير الداخلية التركي، إنه نشر قوات إضافية "لمنع عمليات التراجع" و "سوء معاملة الناس".

وتم تداول مقاطع فيديو تتعلق بالجرحى والمعاملة السيئة للذين أجبرهم اليونانيون على العودة، والتي نُشر معظمها على مواقع الأخبار التركية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وشاركها مسؤولون أتراك.

والفيديو الذي يُظهر حسن كريمي وابنه محمد، وهما مواطنان إيرانيان من الأقلية الناطقة باللغة التركية في إيران، يكشف أنهما قد جُردا من ملابسهما ويرتجفان أثناء تصويرهما من نافذة سيارة مارة، وتم نشر هذه اللقطات لأول مرة على صفحة "فيسبوك" لصحيفة في المدينة التركية أدرنة الأقرب إلى الحدود.

ويقول الرجلان إنهما دخلا الأراضي اليونانية مع المهربين بعد عبورهم نهر إفروس، الذي يمتد عبر الحدود، حيث مشيا 5 ساعات، ثم تسلقا السياج الشائك، قبل أن يجدا نفسيهما محاصرين من قِبل الشرطة اليونانية، التي جردتهما من الملابس وأخذتهما إلى الأرض المحايدة.

وقال حسن كريمي في محطة الحافلات في أدرنة: "لقد أحرقوا جميع ممتلكاتنا، وهذه الملابس التي نرتديها أعطاها إلينا أشخاص آخرون، وكل من تم القبض عليه تعرض للضرب، أطلقوا علينا طلقات تحذيرية وضربونا بمضارب البيسبول، سنذهب إذا فتحوا البوابات، وإذا لم يفعلوا ذلك، فليست لدينا خيارات أخرى."

وتم تصوير لقطات عودتهما على يد أحد الأقارب الذين جاؤوا لنقلهما على الجانب التركي، وحتى الآن لم يتم التحقق من روايتهما للأحداث، ولا يمكن رؤية أي قوات يونانية في المقطع، وتنشر مواقع التواصل الاجتماعي اليونانية مقاطع فيديو يزعمون أنها تثبت أن مزاعم هذه التصرفات الوحشية مزيفة.

وفي تلك الأثناء، قام اليونانيون بتوزيع صور لقنابل الغاز المسيل للدموع التركية وادعوا أن المهاجرين كانوا يرمونها على قوات الأمن.

ويواصل المتفائلون الوصول إلى الحدود، متجاهلين هذه المحن وإصرار اليونانيين على أن الحدود ستظل مغلقة، وفي أدرنة، يخيم المئات في انتظار فرصتهم للعبور.

وقال عبد الله مقبول (22 عاما) من باكستان: "لقد سمعنا أنا وأصدقائي الأخبار من شبكات التلفزيون، التي قالت إن الحدود مفتوحة، ويمكننا الذهاب، وعندما سألت مكتب الهجرة، قال يمكنني الذهاب".

وتابع: "قالت الشرطة لا تنتظر على الحدود، فقط اذهب، ولكن عندما أفعل ذلك أتعرض للضرب، لقد قال التلفزيون إن الناس يعبرون الحدود ولكن هذه كذبة، وإذا لم يفتح اليونانيون بوابتهم، فلماذا فتح الأتراك بوابتهم؟".

صفقة تركية

يذكر أن تركيا تستضيف 4 ملايين نازح، معظمهم من السوريين، وتزعم أنها أنفقت 40 مليار يورو لرعايتهم.

وأغلقت أنقرة حدودها في عام 2016 في اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وافقت فيه على منع المهاجرين من السفر إلى أوروبا، واستعادة أولئك الذين وصلوا إلى اليونان بطريقة غير قانونية، وفي المقابل، أُلزم الاتحاد الأوروبي بدفع 6 مليارات يورو واستقبال لاجئ سوري واحد مقابل كل مهاجر عائد.

ويصر أردوغان على أن بعض هذه الأموال لا تزال غير مدفوعة، وبسبب هجوم الرئيس السوري بشار الأسد على إدلب، تم ترحيل مليون شخص آخر إلى الحدود التركية، ويقول أردوغان إن تركيا لم تعد قادرة على التعامل مع الموقف ويشعر اليونانيون بنفس الشيء.

وكان من المفترض لصفقة الاتحاد الأوروبي أن تحل أزمة تراكم الأشخاص في جزر بحر إيجة التي مر بها أكثر من مليون شخص منذ عام 2015، ولكنها بدلا من ذلك، باتت تُستخدم كأقفاص حجز، حيث يوجد أكثر من 43600 شخص، يعيش كل 5 منهم في خيمة، وسط خيمات كان من المقرر أن توفر مسكنا مؤقتا لـ6400 شخص.

وارتفع عدد الوافدين الجدد مرة أخرى منذ الصيف الماضي، ووصل أكثر من 500 شخص في يوم واحد من هذا الأسبوع.

ومنعت اليونان السفن الخاصة من الإبحار في مياه أكثر الجزر تضررا بالأزمة، ويُظهر مقطع فيديو آخر شاركه المسؤولون الأتراك خفر السواحل اليوناني وهم يصدون زورقا عن طريق إطلاق الطلقات التحذيرية في الماء بجانبه.

ونادرا ما يحتاج القوميون المتطرفون في كلا البلدين إلى عذر للانقلاب على الأجانب، إذ هاجم السكان المحليون المهاجرين في جزيرة ليسبوس اليونانية، وفي مدينتي قيصري وكهرمان ماراس التركية هذا الأسبوع.

وعلى "تويتر"، بالإضافة إلى مشاركة مقاطع فيديو متنافسة عن سوء المعاملة المزعومة لبعضهما البعض، يوجه القوميون الانتقادات القاسية التي تعود إلى حرب الاستقلال التركية عندما طرد جيش كمال أتاتورك الإغريق من الأناضول قبل قرن من الزمان.

بينما يقول الأشخاص الذين يقضون الشتاء في الخيام في معسكرات الجزيرة، أو ينتظرون على الحدود، إنهم يشعرون أن كلا الجانبين خذلاهم.

وقال ناصر (23 عاما)، الذي غادر سوريا هربا من التجنيد الإجباري وظل في المعسكر بجزيرة ساموس منذ 6 أشهر: "ذهبت عائلتي إلى ألمانيا في عام 2015، أريد الانضمام إليهم، ولكن الطريق مغلق، لم أكن أعرف أن الوضع سيكون هكذا، ولو كنت أعرف، لما أتيت."

التحليل

يقول الكاتب الصحفي ريتشارد سبنسر، إن نقل النزاع السوري من الحدود السورية التركية إلى الحدود التركية اليونانية كان خطوة عبقرية.

فمع صمت البنادق في إدلب بالأمس، بدأ المليون شخص الذين أُجبروا على ترك منازلهم بسبب القتال الاسترخاء، وباتت المواجهة الآن بين الآلاف من المهاجرين المحتملين والشرطة اليونانية.

ويمر الاتصال بين الحدثين عبر بروكسل (وقف إطلاق النار في إدلب والصراع على الحدود التركية اليونانية)، إذ ربما يكون القادة الأوروبيون غاضبين من الرئيس أردوغان بسبب استخدامه للمهاجرين كسلاح، ولكنهم انتبهوا للبلاد، وتدعو هولندا إلى تطبيق حظر الطيران على المنطقة، بينما تريد ألمانيا منطقة آمنة، وتتعهد الحكومات بتقديم مزيد من المساعدات لمن لا يزالون داخل إدلب.

وبموجب اتفاق السلام الذي عُقد هذا الأسبوع، فإن 3.5 مليون مدني وعشرات الآلاف من المقاتلين المتمردين في جزء من محافظة إدلب -التي لا تخضع لسيطرة نظام الأسد- أصبحوا مشكلة تركيا، ولا يريد المتطرفون بين المتمردين الاستسلام، وسيتطلب السكان التغذية وعلاج أمراضهم وتعليم أطفالهم.

وبحسب سبنسر، فإن التدخل العسكري الذي قام به أردوغان والصفقة التي تلت ذلك، ضمنا أنه ليس عليه التعامل مع أي من هذه الأمور على الأراضي التركية، وهي نتيجة كان مصمما على تجنبها، وتعتبر الأحداث على الحدود اليونانية نتيجة مباشرة لجهوده للتأكد من أنه لن يضطر للقيام بذلك بمفرده، إلا أن جهود أردوغان أغضبت حلفاءه في الناتو وأوروبا، ولذلك كان من غير المرجح أن يفوز بالدعم الذي يحتاجه بأسلوب بالسياسة الناعمة.

وربما تكون فكرة فرض منطقة حظر الطيران غير مؤثرة، فقد فرض أردوغان حظر طيران بنفسه، من خلال جعل قوته الجوية المتفوقة تسقط الطائرات السورية إذا غامرت إلى إدلب، وفقا لـ(سبنسر).

ومع ذلك، يبدو أن النفوذ الدبلوماسي الذي فاز به أردوغان سيجعله يبدو أقوى في أعين جمهوره المحلي، وربما ساعد في إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بقبول الصفقة.

وقال النشطاء داخل مدينة إدلب لصحيفة "التايمز"، إنهم يشعرون بخيبة أمل لأن أردوغان لم يضغط بقوة لإجبار النظام على التراجع، ولكن هذا القرار كان مستبعدا من البداية.

فقد سعى أردوغان لتجنب وقوع تصادم كارثي في المنطقة، والآن بعد أن أمن الطريقين السريعين M4 وM5، فقد يعدل الرئيس بشار الأسد عن خططه لاستعادة السيطرة على إدلب التي تحتوي على آخر فلول المعارضة.

وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى لاجئي إدلب، أو الآلاف المحاصرين في لعبة أردوغان في أرض الحدود اليونانية، لا يزال غير معروف، إذ تشير الحرب التي امتدت 9 سنوات إلى أنهم آخر ما يفكر فيه السياسيون على أي جانب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com