الغارديان: بعد 25 من "السلام".. علاقة الأردن بإسرائيل في "أسوأ حالاتها"
الغارديان: بعد 25 من "السلام".. علاقة الأردن بإسرائيل في "أسوأ حالاتها"الغارديان: بعد 25 من "السلام".. علاقة الأردن بإسرائيل في "أسوأ حالاتها"

الغارديان: بعد 25 من "السلام".. علاقة الأردن بإسرائيل في "أسوأ حالاتها"

دون إطلاق رصاصة واحدة، تخلت إسرائيل عن أراضٍ للأردن، ورُفع العلم الأردني فوق الباقورة والغمر، وهما مسلكان على طول حدود المملكة مع إسرائيل، إذ يُعترف بأنهما أردنيان، ولكن الأردن أجرهما لإسرائيل كجزء من اتفاق سلام تاريخي عام 1994 بين البلدين.

ووفقًا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، كان التسليم السلمي للأراضي، فضلًا عن رفض الأردن لتجديد عقود الإيجار الإسرائيلية عليها، خاتمة مناسبة للذكرى السنوية الـ 25 لمعاهدة سلام استمرت رغم ضعف شعبيتها. لقد استمرت معاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية رغم المذابح ومحاولات التسميم والانجراف اليميني للسياسة الإسرائيلية، وقد تواجه الآن أصعب اختباراتها في مواجهة جهود دونالد ترامب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

هل الوضع أفضل؟

وقال "دريد محاسنة"، وهو المسؤول الأردني السابق الذي ساعد في التفاوض بشأن اتفاقات المياه والنقل الرئيسة مع الجانب الإسرائيلي: "هل أصبحنا في وضع أفضل الآن بعد 25 عامًا من توقيع المعاهدة؟ لا أعتقد أننا أصبحنا أفضل اقتصاديًا أو سياسيًا، لقد أنهينا الأعمال القتالية، وهذا تقدم، ولكن لم نحقق أي شيء آخر".

بينما قال "جواد عناني"، نائب رئيس الوزراء الأردني السابق الذي كان جزءًا من فريق التفاوض على المعاهدة: "أعتقد أنها لا تزال ناجحة، فلم يظهر أي من الجانبين أي ميل أو رغبة في التخلي عنها، على الرغم من جميع التحديات التي واجهتها".

المعاهدة

وتعتبر هذه المعاهدة، وهي ثاني اتفاقية سلام عربية إسرائيلية بعد اتفاق 1979 مع مصر، نتاج حقبة عتيقة، إذ يقول "أسامة شريف"، وهو المحلل السياسي المقيم في عمان: "لقد كان التقاءً نادرًا للأشخاص الراغبين بصدق لإحلال السلام".

وفي أوائل التسعينيات، كان الأردن تحت ضغط اقتصادي، ونُبذ من قِبل رعاته التقليديين في الخليج لتساهله مع غزو صدام حسين للكويت، وكان قد تم التوقيع على اتفاقات أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قبل بضعة أشهر، مما زاد الآمال في إمكانية الوصول إلى حل لأكثر صراعات المنطقة صعوبة.

وكانت هناك علاقة بين الملك حسين، حاكم الأردن آنذاك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، وشرح "أسامة شريف": "كان هناك تفاهم شخصي بين الملك حسين ورئيس الوزراء إسحاق رابين، ورؤية لشرق أوسط جديد، وساحل على طول البحر الأحمر، يمتد من شرم الشيخ إلى خليج العقبة عبر إيلات".

إلا أن الآمال الكبيرة التي ظهرت مع توقيع الصفقة في 26 أكتوبر 1994، تبددت مع إطلاق النار، وأوضح "أسامة شريف"، مرددًا الرأي الأردني الشعبي: "عندما بدأت الصفقة تتوسع، تم اغتيال رابين، مما أوقف العملية برمتها، وظهر بنيامين نتنياهو الذي دمر كل شيء".

واجهت المعاهدة الاختبارات منذ بدايتها تقريبًا، ففي العام 1997، أطلق جندي أردني كان في الخدمة في جزء من الباقورة المعروفة باسم "جزيرة السلام" النار على مجموعة من طالبات المدارس الإسرائيليات في رحلة إلى الموقع، مما أسفر عن مقتل 7، الأمر الذي تطلب زيارة شخصية لعائلات الضحايا من قِبل الملك حسين، الذي ركع أمامهم تعبيرًا عن الندم، للحفاظ على العلاقات.

وفي العام نفسه، دخل فريق من عملاء الموساد إلى الأردن بجوازات سفر مزيفة وحاولوا تسميم "خالد مشعل" أحد قادة حماس، وبالفعل تمكن العملاء من رش مشعل بمادة كيميائية قاتلة، ولكن تم القبض عليهم وهم يحاولون الفرار من مكان الحادث، ودخل زعيم حماس في غيبوبة خلال ساعات.

وبعد محاولة الاغتيال، حذر الملك حسين من أن موت مشعل يعني انتهاء الصفقة، وتحت الضغوط الأمريكية، أرسلت الحكومة الإسرائيلية رئيس مخابراتها إلى عمّان بترياق للسم لإنقاذ أحد أعدائه الرئيسيين، وعالجه.

توتر شديد

وفي الآونة الأخيرة، يجادل المراقبون من كلا الجانبين بأن المعاهدة توترت بشدة بسبب الانجراف اليميني للسياسة الإسرائيلية تحت قيادة نتنياهو، إذ استخدمت حكومته الخوف المشترك من إيران لتهدئة العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والتي يُعتقد أنها انسحبت بدورها من القضية الفلسطينية.

إلا أن حوالي 70٪ من سكان الأردن هم من اللاجئين الفلسطينيين أو ذريتهم، والموقف الرسمي للأردن هو أنهم سيعودون ذات يوم إلى دولتهم الخاصة، ولذلك يُرى الاحتلال المتزايد للضفة الغربية، وتصريحات نتنياهو في عشية الانتخابات والتي تضمنت تعهدًا بضم مناطق في وادي الأردن المحتل، كتهديد وجودي في عمان.

وقال رئيس الموساد السابق "إفرايم هاليفي" في معهد أبحاث إسرائيلي في سبتمبر: "أرى خطرًا كبيرًا على معاهدة السلام، إذ يهدد عدم اهتمام إسرائيل واعتبارها للأردن كدولة ليس لها خيار سوى الاعتماد على إسرائيل، استمرارية المعاهدة".

وقال نمرود غورين، مؤسس ورئيس مركز "ميتفيم" الإسرائيلي لتعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية، إنه في كل مرة كان هناك توترات مع الفلسطينيين، انعكس الأمر على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وهذا شيء تحاول الحكومة الإسرائيلية ألّا تعترف به، فهم يحاولون التظاهر بأن العلاقات العربية منفصلة عن العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وهي الرواية التي يصر عليها نتنياهو.

الحد من العلاقات

ووفقًا لاستبيان حديث، أصبح حوالي 70٪ من الأردنيين يؤيدون الآن الحد من العلاقات مع إسرائيل، على عكس الاستطلاع الإسرائيلي الذي وجد 71٪ من الناس يؤيدون المعاهدة. ويعتبر أحد المشاريع التجارية القليلة التي تنتج عن المعاهدة هو اتفاق يمكن الأردن من شراء الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وهي مسألة لا تزال تثير الاحتجاجات في عمان.

ويعمل مركز الدراسات الإسرائيلية، وهو المنظمة الأردنية غير الحكومية الوحيدة التي تسعى إلى تنمية العلاقات بين البلدين، سرًا تقريبًا، ويرفض الترويج لفعالياته أو دعوة وسائل الإعلام.

ويقول مؤسس المركز عبد الله صوالحة: "نحن في مواجهة بيئة معادية، ولذلك نحاول التواري عن الأنظار؛ لأن معظم الناس لا يفهمون مهمتنا".

ومع ذلك، لا تزال المعاهدة قائمة، وتظل مدعومة إلى حد كبير بتعاون أجهزة الأمن الأردنية والإسرائيلية عن كثب لتأمين حدودهما المشتركة من الإرهابيين والمهربين.

ويقول "جواد عناني"، الذي شغل منصب وزير الخارجية الأردني: "يريد كلا الطرفين، الحفاظ على المعاهدة، فالإسرائيليون يرغبون في ذلك بسبب الأمن، والأردنيون يرغبون فيها لأسباب تتعلق بأمنهم وقدرتهم على التفاوض مع الإسرائيليين".

كما تساعد المعاهدة على تمهيد الطريق لمدفوعات المساعدات الأمريكية السنوية التي تزيد قيمتها على 1.5 مليار دولار سنويًا والتي تبقي الاقتصاد الأردني المعتمد على المانحين، واقفًا.

الصمود أمام "الصفقة المطلقة"

ولتستمر حتى ذكراها الثلاثين، ستحتاج المعاهدة أولًا إلى الصمود أمام المكائد حول ما يسمى "الصفقة المطلقة"، وهي الخطة المتوقعة من إدارة ترامب لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ يخشى الأردنيون من أن تؤدي حملة سلام ترامب إلى سرقة دور البلاد في الحفاظ على المواقع الإسلامية المهمة في القدس، وتدعيم احتلال الأراضي الفلسطينية أو تهميش الأردن كالمحاور الرئيسي في العالم العربي مع إسرائيل.

وأشار عناني إلى أن الحكومة الأردنية تفضل الحفاظ على المعاهدة، وأوضح: "يخطط الأردن لدراسة ما إذا كان سيستفيد من صفقة ترامب أم لا، وهذا ما قد يحدد موقف الحكومة من المعاهدة".

إلا أن المحللين يحذرون من أنه من الصعب إدارة الرأي العام لمدة طويلة حتى في دولة ذات ديمقراطية محدودة، إذ شرح شريف: "المعاهدة سلاح ذو حدين، فهي يمكن أن تساعد الأردن على تحقيق أهداف معينة، لكنها يمكن أن تؤذي الأردن أيضًا؛ لأنه بمجرد استنفاد جميع القنوات الدبلوماسية لممارسة الضغط على إسرائيل، سيكون المستقبل غامضًا".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com