لغز تصفية "عرفات" يبحث عن إجابة
لغز تصفية "عرفات" يبحث عن إجابةلغز تصفية "عرفات" يبحث عن إجابة

لغز تصفية "عرفات" يبحث عن إجابة

عشر سنوات مضت منذ وفاة ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني، والشكوك حول طبيعة وفاته تتزايد، ولكن مصادر صحفية متعددة عربية ودولية كشفت عن وجود مستويات عالية من مادة البولونيوم المشعة على عينات أخذت من شعره، وفرشاة الأسنان وملابسه الداخلية، قبل ساعات من وفاته تم نقله جواً بطائرة هليكوبتر تابعة للجيش الأردني للسفر إلى باريس لتلقي العلاج الطبي، وخلال ثلاثة أسابيع حدثت مضاعفات خطيرة في حالته الصحية مثل الأنفلونزا، والتهاب الأمعاء ونقص حاد في الصفائح الدموية، وفشل الأطباء في تحديد السبب الدقيق لوفاته، واكتفوا بكتابة تقرير أنه توفي نتيجة "اضطراب في الدم".



روايات متعددة

تعددت الروايات حول وفاة الرجل، وسواء تم اغتياله من عملاء إسرائيليين، أو بتناوله الشوكولاتة المسمومة، أو بغازات عديمة الرائحة، فإن الحقيقة لا تزال غامضة وتشكّل لغزاً مُحيّراً لدى الشعب الفلسطيني والعربي منذ رحيله عام 2004، ولكن بعد سبع سنوات من وفاة صاحب الـ75 عاماً، تمسكت سهى عرفات أرملة الزعيم الراحل بتشريح الجثة في إحدى المختبرات العالمية المتخصصة في الأشعة، والتي أكدت بشكل قاطع أن مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع كانت موجودة في جسمه عند وفاته، وبرّر التقرير أن البولونيوم مادة مثالية لاغتيال عرفات لأنه من الصعب الكشف عنها، لأن أعراضها تتفق مع أعراض أخرى مثل القيء والإسهال وانخفاض خلايا الدم البيضاء.

على الرغم من أنه في عام 1993 وقّع عرفات اتفاق الأرض مقابل السلام مع العدو الإسرائيلي، إلا أن المفاوضات فشلت بحلول عام 2002 وأُصيب الرجل بخيبة أمل وبدأ اللجوء إلى حرب منخفضة الحدة دبلوماسياً مع تل أبيب، خاصةً بعد تزايد غضب المجتمع الدولي من الانتفاضات الشعبية في فلسطين التي أدت إلى وفاة الكثير من أبناء شعبه، وأيضاً من قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على حد سواء، وكان آرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي عازماً على الإضرار بعرفات بعد تصريحاته بوجود الدم الإسرائيلي على أيدي السلطة الفلسطينية.

في تقرير بعنوان "حول تسمم عرفات بمادة البولونيوم"، كشفت صحيفة" لانسيت" الطبية، وجود آثار لمادة البولونيوم 210 المشعة شديدة السمية، على غطاء الرأس والملابس الداخلية وفرشاة الأسنان، كما حصل فريق البحث على عينات من الدم والعرق والبول من ملابس عرفات، ووجدوا أنها تحتوي على نسبة أعلى بكثير من المستويات المتوقعة من البولونيوم 210، وهذه النتائج تدعم إمكانية تسمم عرفات بمادة البولونيوم؛ ما يشير إلى اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

إسرائيل المتهم الأول

تبدو الإجابة واضحة لدى الشعب الفلسطيني، أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" هو المخطط والمنفذ لعملية اغتيال عرفات، خاصةً وأن الجهاز يتمتع بالحيل القذرة في تنفيذ مهامه بما في ذلك الخطف والاغتيال، وكان قتل عرفات ضمن اختصاص الجهاز، نظراً لأن الرجل شن حملة شعبية وسياسية ضد إسرائيل والغرب على مدى عقود، وكانت الجماعات الفلسطينية بمختلف طوائفها تحت قيادته المباشرة، والتي لم تتوانَ عن تفجير مواقع عسكرية وقنص عشرات وخطف جنود الجيش الإسرائيلي.

رغم أن أصابع الاتهام تشير إلى الدولة العبرية في اغتيال عرفات، إلا أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تنفي دوماً هذه الاتهامات، وطالبت الفلسطينيين بالتوقف عما وصفته بالهراء والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة وبعيدة عن الإثبات.

وفي هذا الإطار يقول د.يسري العزباوي الباحث في الشأن الفلسطيني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن إسرائيل كانت وستظل المشتبه به الوحيد في وفاة عرفات، خاصةً وأن نتائج المختبرات الطبية أشارت إلى وفاته بوجود مستويات عالية وبشكل غير متوقع من مادة مشعة في جسده، وتابع: الشعب الفلسطيني والعرب لديه اعتقاد أن إسرائيل وراء اغتيال عرفات، ويشير إلى أن توفيق الطيراوي الذي رأس لجنة التحقيق الفلسطينية في وفاة عرفات، أكد في نتائج تحقيقه أن عرفات لم يمت بأسباب طبيعية، ولكنه كان مراوغاً عندما سُئل مراراً عما إذا كان يعتقد أن عرفات مات مسموماً من مادة البولونيوم 210 المشعة، وقال وقتها: "ليس من المهم الكشف عن طريقة أنه قتل بواسطة البولونيوم..، ولكن عرفات مات قتيلاً وأن إسرائيل قتلته.

تعاون فلسطيني

قيل إنه إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن اغتيال عرفات، يجب أن يكون ذلك قد تم بمساعدة من واحد أو أكثر من أصل 270 فلسطينياً تحصنوا في المجمع الرئاسي المحاصر في رام الله، وقت أن كان عرفات مسجوناً لمدة سنتين ونصف، وكانت قوات الأمن الإسرائيلية تسيطر على كل شيء يدخل المجمع، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء، وهو ما يعني وجود تعاون فلسطيني مع الدولة العبرية مع واحد أو أكثر من منافسي عرفات على السلطة الذين قد سعوا لإبعاده والتخلص منه نهائياً.

بعد وقت قصير من الانتهاء من وجبة غذائية كانت مُعدة للرئيس الراحل الذي كان يُعتبر في صحة عامة جيدة رغم سنوات عمره المتقدمة، إلا أنه بعد تناولها مباشرة ظهرت علامات فورية مثل الغثيان الشديد والقيء وآلام في البطن والإسهال، ورغم تدهور حالته الصحية إلا أن إسرائيل لم تسمح له بالخروج والسفر لتلقي العلاج، لكنها وافقت بعد مرور سبعة عشر يوماً من المناشدات الدولية والعربية بالسفر إلى مستشفى بيرسي العسكري في فرنسا، حيث توفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004.

تقارير طبية متضاربة

طلب فريق من العلماء من فرنسا وسويسرا وروسيا تحديد ما إذا كانت مادة البولونيوم المشعة قد لعبت دوراً في وفاة عرفات في مستشفى عسكري بفرنسا عام 2004، ووجد الخبراء الفرنسيون آثار البولونيوم في رفات الرجل وعلى متعلقاته الشخصية، وأيّد العلماء السويسريون هذا الكلام، حيث وجدوا آثار مرتفعة من مادة البولونيوم 210 والرصاص، وأن الإطار الزمني لمرض عرفات والموت يتفقان مع التسمم وقت تناول البولونيوم، لكن وكالة "إنترفاكس" الروسية نقلت عن علماء روس أن عرفات لم يمت مسموماً بمادة البولونيوم، ولم يتم العثور على آثار لمثل هذه المواد داخل جسمه أو في متعلقاته الشخصية.

وقال د. عبد الله البشير رئيس اللجنة الطبية الفلسطينية الموكلة بالتحقيق في وفاة عرفات في تصريحات سابقة: إن اللجنة توصلت إلى أن عرفات لم يكن يُعاني من أمراض القلب أو الشرايين وقت وفاته، وتابع: اللجنة لا تزال تدرس جميع التقارير الطبية من فرنسا وسويسرا وروسيا، ومن الضروري فتح تحقيق دولي واستمرار البحث في وفاة عرفات حتى يرتاح الشعب الفلسطيني والعربي.

شارون - بوش

في عام 2002 أراد آرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي طرد عرفات من فلسطين، ولكن خوفاً من السخط العربي والدولي قرر عزله بدلاً من المنفى أو الطرد، ولكن مع رغبة أمريكا في نيل موافقة العالم العربي على شن حرب على العراق عام 2003، رضخت إسرائيل عن حصارها المدمر وسحب الدبابات والجنود من أمام المجمع الرئاسي في رام الله تحت ضغط أمريكي مكثف، وكان يعمل بوش على كسب التأييد العربي والدولي للغزو العراقي.

كان شارون يريد اغتيال عرفات بأي طريقة، بعد كشف إسرائيل عن سفينة الأسلحة فيكتوريا التي كانت متجهة إلى قطاع غزة، وفي إحدى تصريحاته بعدها قال شارون حرفياً: "سيتم محو عرفات من التاريخ قريباً جداً".

كان الشخص الذي لا يريد طرد أو اغتيال عرفات هو الرئيس الأمريكي جورج بوش، حيث رفض بشكل قاطع تصريحات شارون حول عرفات، خوفاً من تأجيج الغضب العربي ووقوع انتفاضات فلسطينية جديدة تكون عقبة في طريق السلام وقيام الدولتين، لكن شارون لم يقتنع بكلام بوش، وكان يرى عرفات رمزاً لكبرياء وإلهام شعب فلسطين، ومصدر إزعاج مستمر لإسرائيل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com