الشباب التونسي يبحث عن موقع على الخارطة الانتخابية‎
الشباب التونسي يبحث عن موقع على الخارطة الانتخابية‎الشباب التونسي يبحث عن موقع على الخارطة الانتخابية‎

الشباب التونسي يبحث عن موقع على الخارطة الانتخابية‎

لم يكن للشاب التونسي مكانا أو موقعا مع من كانوا يمسكون بمقاليد السياسة في البلاد، خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، بل كان مجرد دمية يحركها هؤلاء لملء اجتماعاتهم الشعبية بها وتوظيفها في حملاتهم الانتخابية ويتغنون بها كشعارات حزبية لا أكثر.



وسرعان ما تبع الشباب التونسي خطى شاب مثلهم عاطل عن العمل يدعى محمد البوعزيزي أحرق نفسه احتجاجا على البطالة والتهميش الاجتماعي، ولم تتوقف حركات الشباب، إلا بعد الإطاحة ببن علي وسقوط حكمه بعد هروبه إلى خارج البلاد في شهر يناير/كانون الثاني 2011.

وحملت الثورة معها آمالا كبيرة للشباب ظنا منهم أنهم سيتصدرون المشهد وستكون حظوظهم أوفر في الحياة السياسية، وأنهم سيصبحُون عناصر فاعلة فيها ليجدوا أنفسهم في أعقاب هذا المشهد تاركين المجال لمشائخ السياسة لتسيير أمور البلاد وشؤونها.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري والرئاسية التي ستجرى جولتها الأولى يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، عادت قضية الشباب للظهور على سطح الأحداث من جديد، فمع تحديد القوائم الانتخابية النهائية وبدء الحملة الانتخابية لوحظ أن عدد الشباب الذين ترأسوا القوائم الانتخابية للأحزاب يكاد يكون ضئيلا أو منعدما، ولكن في المقابل برز عدد هام من القوائم المستقلة المشاركة في هذه الانتخابات والتي اختارت في مجملها شبابا في صدارة ترتيب قائماتها.

ويشجع الدستور التونسي على مشاركة الشباب في الحياة السياسية من خلال الفصل 53 الذي ينص على أنه "يعد ناخبا كل مواطن تونسي الجنسية يبلغ من العمر 18 سنة كاملة وفق الشروط التي يحددها القانون الانتخابي".

وقال الباحث التونسي في مجال علم الاجتماع ماهر تريمش، في تصريح للأناضول، إنه "لو لم تفرض الهيئة الانتخابية وجود شباب في القائمة الانتخابية، لما كان هناك شبان في القوائم الانتخابية أساسا".

وأضاف تريمش أن "عزوف الفئات العمرية الشابة عن العمل السياسي المؤسسي يرجع إلى أن الثقافة السياسية السائدة لدى الشباب تختلف عن ثقافة الأحزاب، التي تقوم على الانضباط والالتزام والحضور المادي والجسدي، واستثمار كل الوقت والجهد في العمل الحزبي والصعود الى مواقع متقدمة داخل الترتيب الحزبي".

ومضى قائلا إن "الشباب ينزعون نحو المرونة والحرية والاستقلالية، والممارسة السياسية بالنسبة إليهم ليست إيديولوجية بقدر ما هي تجربة شخصية، فهم لا يريدون الانتماء إلى جماعة تحوي أشخاصا يفوقونهم سنا بل يريدون بناء تجربة خاصة."

وتابع أن "هناك عوامل أخرى منها أن التنظيمات الحزبية لا تعطي الفرص والحظوظ الكاملة للأجيال الشابة، لأن منطق الأحزاب يقوم على رأس المال النضالي، وهو ما يستوجب وقتا وأقدمية فضلا عن أن برامجها لا تمثل الفئات الشابة ولا تحاكي واقعهم".

وأوضح تريمش أنه "في عهد بن علي، زمن الحزب الواحد، غُيِّب الشباب عن الممارسة السياسية، واستمر الأمر كذلك اليوم، فالشباب واقعيا مطرود من الأحزاب وغير مرحب به وبالتالي يجد ضالته في القوائم المستقلة التي تعبر إلى حد كبير عن ميولاته السياسية والثقافية."

كما شدد الباحث الاجتماعي على أن "هناك أزمة ثقة بين الأجيال تنعكس على المجال السياسي، وتكمن أساسا في صعوبة التواصل ثقافيا وحتى على مستوى المرجعيات والقيم، وهو ما يخلق توجسا بين جيلي الكهول والشباب، وبالتالي إبعادهم عن المسؤولية، لذلك تجد قوائم انتخابية بمسميات تعكس واقع الشباب التونسي على غرار "الفلاقة والبؤساء والمهمشين."

وتابع تريمش أن "هناك مؤشرات من خلال قوائم المرشحين تشير إلى أنه سيتم إعادة إنتاج الوضع القائم في مستوى بعده عن مراكز القرار، فليس هناك تغيير للوعي السياسي فيما يتعلق بقضية الشباب وإعادة اجترار للخطاب السياسي القديم".

ولا يرى رئيس قائمة البناء الوطني (وسط) بدائرة "تونس 2" مصعب بن عمار (33 سنة مهندس اتصالات) حظوظا كبيرة للشباب بوجود التوازنات السياسية الحالية التي فُرضت على الشباب التونسي، وقال للأناضول إنه "في بداية الثورة كان الشاب التونسي يظن أن منظومة الفساد تنتمي فقط للحكم السابق، ولكن اتضح انه حتى الأحزاب التي كانت تعارض بن علي حينها لها رؤية قاصرة جدا في ما يتعلق بموضوع الشباب".

وأضاف أن "المعركة السياسية اليوم هي معركة حضور ووجود شبابي وليست حربا مع كبار السن ممن يقودون الأحزاب السياسية"، موضحا أن المشكلة تكمن في اختلاف الرؤى.

ومضى قائلا إن "الشباب على اختلاف مشاربهم السياسية أيديولوجياتهم مختلفة تماما عن تلك التي تتميز بها الطبقة السياسية المترهلة، فدورها انتهى تقريبا وكل ما تقدر عليها اليوم هو تحقيق استقرار كاذب على نمط بن علي".

من جانبه، قال مقداد الباهي (23 سنة) رئيس قائمة "السيادة"، وهو أصغر رئيس قائمة انتخابية مستقلة، إن"الثقة منعدمة في الوجوه السياسية القديمة التي لم تقدم برنامجا واضحا عن طموحات الشباب التونسي ومطالبه لتبقى مجرد وعود زائفة".

وأضاف أن "شيوخ السياسة وكبارها يتميزون بنرجسية وعلوية في التعامل مع ملفات الشباب ويعتبرون أن المسؤولية حكر عليهم وهذا يعود إلى وجود صراع بين الأجيال مترسخ في صلب المجتمع التونسي فهم لا يقبلون وجود الشباب في حين أن الشاب يريد سياسيين من فئته وعمره حتى يفهم ما يريد ويحقق كل مطالبه."

واعتبر الباهي أن "حظوظ الشباب اليوم وافرة لان المواطن يرفض رفضا قاطعا الأحزاب التي لم تحقق وعودها السابقة وفي المقابل يمنح الثقة في الشباب وفي أفكاره المتجددة".

من جهته، قال القيادي في حزب حركة النهضة (إسلامي)، عماد الحمامي، إن "حزبه يضم شابا على الأقل في كل قوائمه الانتخابية وهناك بعض القوائم يرأسها شباب".

وأضاف أن "الشباب أساسي في بناء تونس الجديدة، ولكن من الصعب عليه أن يقوم بذلك وأن يحقق كل الأهداف بمفرده، بل لابد من تشارك كل الفئات والأعمار لإنجاح هذه المهمة من مجتمع مدني وأحزاب".

واعتبر الحمامي أن "المسألة ليست صراعا بين الأجيال، فتونس بحاجة إلى حكمة شيوخ وخبرة كهول وحماس الشباب واندفاعهم وهي محتاجة أيضا إلى رجالها ونسائها وكل أبنائها".

وقال إن "الشباب كان موجودا بعد ثورة 2011 في كل المواقع والمناصب السياسية، ولعب دورا أساسيا في الثورة ولم يكن حضوره شكليا في الفترة الانتقالية كما يروج له".

وأضاف "لو تم التسليم بأن الوجود الشبابي في الحياة السياسية شكلي، فالشباب هم من يتحمل المسؤولية في ذلك، فلا يجب أن ينتظروا من أحد أن يقدم لهم المناصب، بل يجب أن يكون لهم دور أساسي وفاعل".

كما دعا الحمامي الشباب التونسي "لضرورة مواصلة النضال والحراك والثورة داخل الاحزاب والمجتمع، فالشباب يمثلون نسبة هامة من المجتمع التونسي، ويجب أن ينعكس ذلك من خلال حضوره في مختلف المواقع"، بحد قوله.

وانطلقت حملة الانتخابات البرلمانية في تونس يوم 4 اكتوبر/تشرين الأول الجاري، ليكون يوم الصمت الانتخابي الخاص بهذه الانتخابات بالنسبة إلى المقيمين بالخارج يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبالنسبة الى التونسيين بالداخل يوم 25 من نفس الشهر أي قبل يوم من الاقتراع المقرر يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 على أن يتم إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وبحسب تقرير للبنك الدولي نشر بداية الشهر الجاري فإن الفئة العمرية ما بين 15 و29 سنة تمثل 29 % من سكان تونس.

ويبلغ إجمالي عدد الناخبين التونسيين، بحسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، 5 ملايين و236 ألف ناخب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com