محامون يسابقون الوقت لإنقاذ سندات ملكية تحفظ حقوق النازحين‎ السوريين
محامون يسابقون الوقت لإنقاذ سندات ملكية تحفظ حقوق النازحين‎ السوريينمحامون يسابقون الوقت لإنقاذ سندات ملكية تحفظ حقوق النازحين‎ السوريين

محامون يسابقون الوقت لإنقاذ سندات ملكية تحفظ حقوق النازحين‎ السوريين

تنفس غزوان قرنفل الصعداء حين تسلم الشهر الماضي بعد طول انتظار قرص تخزين صلبًا محملاً بنسخ من آلاف الوثائق الرسمية ومستندات الملكية المهربة من مناطق سيطرت عليها قوات النظام السوري أخيرًا في وسط سوريا إلى تركيا.

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2013، تعمل منظمة "تجمع المحامين السوريين الأحرار" المعارضة على حفظ نسخ من وثائق رسمية من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة خشية تعرضها للحرق أو التلف أو التلاعب بها.

ويعتمد التجمع على ناشطين يدخلون إلى الدوائر العقارية، ويصورون المستندات الموجودة فيها ويحملونها على حواسب نقالة، قبل أن يتم نسخها على أقراص التخزين الصلبة، تمهيداً لنقلها إلى تركيا.

وجرت العملية الأخيرة في مناطق سيطرة المعارضة في ريف حمص الشمالي الشهر الماضي قبل سيطرة قوات النظام في أيار/مايو الماضي.

ويقول قرنفل، وهو رئيس المنظمة المؤلفة من محامين متطوعين والمقيم في تركيا منذ العام 2012: "كانت تلك العملية الأكثر تعقيداً التي نقوم بها".

ويوضح: "الآن لدينا ثمانية تيرابايت من الوثائق، حوالي مليون وسبعة مئة ألف وثيقة هي عبارة عن سجلات قضائية وحصر إرث وثبوت ولادة وزواج ووفاة".

وبين تلك الوثائق حوالي 450 ألف مستند ملكية من شمال ووسط سوريا مثل سجلات عقود الملكية والسندات وغيرها من الوثائق التي تتيح للنازح السوري إثبات ملكيته لعقار معين.

وتحظى هذه الوثائق حالياً بأهمية كبيرة بعد صدور القانون رقم 10 الذي يتيح للحكومة السورية إقامة مشاريع عمرانية جديدة ومصادرة أملاك المواطنين في حال لم يتقدموا بإثبات ملكياتهم خلال مهلة حددت بشهر واحد أولاً ثم جرى تعديلها لمدة عام بعد جدل كبير أثاره القانون.

ويضيف قرنفل: "هذا العمل يحمي في الوقت ذاته السجلات من الأعمال القتالية التي تهددها ومن محاولات النظام عبر القوانين الجديدة العبث بملكيات الناس". ويتابع: "بكل تأكيد، تمثل هذه الوثائق الأمل بالعودة".

سباق مع الوقت

وبدأ "تجمع المحامين السوريين الأحرار" عمله في هذا المجال بعد حريق كبير طال إحدى الدوائر الرسمية في مدينة حمص في العام 2013.

واتهم ناشطون حينها قوات النظام بافتعال الحادثة بهدف التخلص من الوثائق التي تثبت حق الأهالي في أراضيهم وبيوتهم.

وكانت حمص، ثالث أكبر المدن السورية، تعد بمثابة "عاصمة الثورة". وتمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة عليها في أيار/مايو 2014 بعد عامين من الحصار الخانق والقصف.

وتفادياً لخسارة الوثائق أو اتهامهم بالتلاعب بها، لجأ 15 محامياً من أعضاء المنظمة إلى خيار بديل وهو تصويرها ونقلها إلكترونياً.

وبمساعدة منظمة "اليوم التالي"، إحدى منظمات المجتمع المدني المعارضة للنظام، سافر هؤلاء إلى تركيا للمشاركة في دورة تدريبية حول كيفية التعامل مع الوثائق الرسمية، وتصويرها وحفظها في الأرشيف.

وبعد عودتهم إلى سوريا، بدأوا العمل في دوائر سجلات مهجورة في مناطق سيطرة الفصائل في شمال سوريا وبينها مدن حارم وأعزاز وسراقب.

ويقول عضو التجمع المحامي سامر (43 عاماً)، أحد المحامين الناشطين في الرابطة: "كنا ننشئ ما يشبه الاستوديو الصغير في غرفة يدخلها الضوء كثيراً".

وتقتصر معداتهم على كاميرات رقمية من نوع "كانون"، وحاسوبين وأجهزة إضاءة "فلاش" وحاملات كاميرات.

وصوّر المحامون الآلاف من عقود الملكيات، مع حرصهم على إبراز الأسماء والتواريخ كاملة.

ويشير سامر إلى أن "كل سجل عبارة عن مئتي صفحة، وكلما ننتهي من سجل نسلّم بطاقة التخزين في الكاميرا لأحد أعضاء الفريق ليحمّلها على الحاسوب".

ولا يعني ذلك انتهاء العمل، بل يضع هؤلاء بطاقة تخزين جديدة في الكاميرا ويواصلون عملهم.

وفي كل شهر، يحمّل المحامون جميع السجلات المخزنة في الحواسيب على أقراص تخزين صلبة يرسلونها لاحقاً إلى قرنفل في تركيا.

ولم يكن العمل المرهق التحدي الوحيد أمام هؤلاء المحامين، بل كان عليهم حماية معداتهم وأنفسهم من غارات جوية أوقعت في إحدى المرات إصابات بينهم. كما كان يجدر بهم إنهاء العمل قبل أن يطال القصف دوائر السجلات.

ويقول سامر: "حين نصل إلى الصفحة الأخيرة، كنا نشعر بالسرور أننا انتهينا أخيرًا. ومهما يحصل الآن وفي حال تعرضنا للقصف، فإن أقراص التخزين باتت بين أيدينا".

ولا يحالف الحظ المحامين دائمًا. ففي العام 2013 وقبل أيام من بدء عملهم في مدينة الباب (شمال)، دمر مقاتلو تنظيم "داعش" دائرة السجلات.

ويعاني المحامون اليوم للحصول على موافقة الفصائل المعارضة قبل مباشرة عملهم خصوصاً من المجموعات المتشددة في إدلب (شمال غرب)، ويلجأون أحياناً للعمل سراً.

فرصة للعودة

وتسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في العام 2011 بتشريد وتهجير أكثر من نصف السوريين داخل البلاد وخارجها، نزح نحو ستة ملايين منهم داخلياً وفر أكثر من خمسة ملايين إلى خارج سوريا.

وتقدر الأمم المتحدة أن 920 ألف شخص نزحوا خلال الأشهر الست الأولى من العام 2018.

ولم يتمكن الكثير من النازحين أو اللاجئين من الفرار بأوراقهم الثبوتية وحتى جوازات سفرهم أو هوياتهم أو أي فواتير قديمة أو مستندات تثبت ملكيتهم؛ ما يعرّضهم لخطر خسارة ملكياتهم في ظل القانون رقم 10.

ويتيح قانون سابق صدر خلال السنوات الماضية للمواطن السوري إثبات ملكيته عبر إبراز نسخة من العقد، لكن قرنفل يخشى ألا يعترف النظام بنسخ وثقتها منظمة معارضة.

ويتوقع عمرو شنّان من منظمة "اليوم التالي"، أن "يسأل الكثير من الأشخاص عن نسخ من الوثائق".

وتبقى هذه الوثائق محفوظة على قرصي تخزين حتى الآن، واحد في تركيا وآخر في دولة أوروبية مجهولة.

ويقول شنّان: "إذا كان اللاجئون سيعودون يوماً ما، فمن المهم جداً أن يجدوا منزلاً وأرضاً يعودون إليهما".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com