يدافع تنظيم داعش بشراسة عن مواقعه في أحد الأحياء المحاذية للمدينة القديمة في الرقة، أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية الهادف لطرد التنظيم من معقله الأبرز في البلاد.
وتخوض قوات سوريا الديمقراطية المكونة من تحالف فصائل عربية وكردية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن معارك داخل الرقة تزامنًا مع إعلانها "المعركة الكبرى" لتحرير المدينة.
وقالت المتحدثة باسم حملة "غضب الفرات" لاستعادة الرقة جيهان الشيخ أحمد، الثلاثاء، لـ"فرانس برس" إن "اشتباكات عنيفة تدور مع داعش الذي يلجأ بشكل كبير إلى الألغام والقناصة، ويرسل بين الحين والآخر السيارات المفخخة".
ومنذ دخولها إلى المدينة في السادس من الشهر الحالي، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة بشكل كامل على حي "المشلب"، في الجهة الشرقية وحي "الرومانية" بالجهة الغربية.
وتسعى هذه القوات لبسط سيطرتها الكاملة على حي "الصناعة"، المحاذي للمدينة القديمة حيث يتحصن تنظيم داعش بشكل كبير.
وبرغم غارات التحالف الدولي على مواقعهم، يتصدى عناصر داعش بشراسة لتقدم قوات سوريا الديمقراطية.
هجمات متكررة
وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن "حي الصناعة لا يزال غير آمن بالكامل بسبب الهجمات المتكررة من قبل عناصر التنظيم".
وتشكل السيطرة على حي الصناعة بحسب المرصد، بداية المعركة الحقيقية في الرقة، إذ إن قوات سوريا الديمقراطية ستدخل منه إلى وسط المدينة انطلاقًا من المدينة القديمة.
وقال عبد الرحمن: "سيشهد وسط المدينة على معركة الرقة الرئيسية"، مشيرًا إلى "الأنفاق الكثيرة التي حفرها عناصر داعش في هذا الجزء من المدينة، حيث يتحصن عدد كبير منهم".
وأفادت حملة "الرقة تذبح بصمت"، التي تنشط سرًا داخل المدينة وتوثق انتهاكات التنظيم، على حسابها في تويتر أن "تنظيم داعش يُخلي الأحياء داخل منطقة سور الرقة الأثري، الذي يحيط بالمدينة القديمة، ويفصل بينها وبين حي الصناعة".
وأوضح أبو محمد من "الرقة تذبح بصمت" أن "الدواعش طلبوا من السكان المغادرة ثم اختفوا".
وتعد أحياء وسط المدينة الأكثر كثافة سكانية، ما يعقد العمليات العسكرية لا سيما وأن تنظيم داعش يعمد إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية، بحسب شهادات أشخاص فروا من مناطق سيطرته.
وقال أبو محمد: إن "غالبية سكان الأحياء الواقعة عند أطراف المدينة فروا منها، بعضهم غادر الرقة تمامًا وبعضهم الآخر نزح إلى أحياء وسط المدينة، حيث يقيمون في مدارس خالية أو في منازل أقرباء لهم"، مضيفًا: "يجدر مراعاة الكثافة السكانية في وسط المدينة حفاظًا على أرواح المدنيين".
وكان يعيش في مدينة الرقة التي استولى عليها داعش في 2014، نحو 300 ألف مدني، بينهم 80 ألف نازح من مناطق سورية أخرى، إلا أن الآلاف فروا خلال الأشهر الأخيرة.
ويعاني أهل الرقة حاليًا من أوضاع معيشية صعبة، نتيجة انقطاع الكهرباء والنقص في المياه، وإغلاق المحال التجارية وخاصة الأفران.
وقدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "أكثر من 430 ألف شخص، بحاجة إلى مساعدات في محافظة الرقة"، التي سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على أماكن واسعة منها قبل أن تدخل المدينة الأسبوع الماضي.
وفي ظل المعارك المستمرة داخل وفي محيط الرقة، دعت المفوضية إلى "إمكانية أكبر ودائمة للوصول إلى عشرات آلاف المدنيين، ممن هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية ضرورية".
ويتم حاليًا إرسال المساعدات جوًا من دمشق إلى القامشلي، في عملية معقدة ومكلفة، وفق المفوضية التي أشارت إلى أنه حتى اليوم ليس هناك أي طرقات صالحة لمرور الإمدادات".
المدنيون أولوية
ومع تقدم قوات سوريا الديمقراطية أكثر في حملة الرقة، سجل ارتفاع في حصيلة الضحايا المدنيين جراء غارات التحالف الدولي.
ووثق المرصد السوري في حصيلة جديدة، مقتل 88 مدنيًا بينهم 18 طفلًا، في مدينة الرقة نتيجة المعارك والغارات الجوية، منذ بدء الهجوم عليها الأسبوع الماضي.
ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الثلاثاء، التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية إلى "جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان، من الأولويات أثناء استرداد الرقة من تنظيم داعش".
وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" لما فقيه، "ليست معركة الرقة من أجل هزيمة داعش فحسب، إنما أيضًا لحماية ومساعدة المدنيين الذين عانوا من حكم داعش ثلاث سنوات ونصف السنة".
ومنذ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة، يعيش سكانها في خوف دائم من أحكام داعش المتشددة، ويغذي هؤلاء الشعور بالرعب من خلال الإعدامات الوحشية والعقوبات، من قطع الأطراف والجلد وغيرها التي يطبقونها على كل من يخالف أحكامهم أو يعارضها.
وطالما شكلت الرقة محط اهتمام أطراف أخرى، واعتبرتها دمشق أولوية للجيش السوري، إلا أن الأخير لم يتدخل كثيرًا في هذه الجبهة، إلى أن دخلت محافظة الرقة قوات سوريا الديمقراطية، فتدخل من الجهة الغربية الثلاثاء الماضي.
وحققت قوات النظام منذ ذلك الحين، تقدمًا في ريف الرقة الغربي، ووصلت إلى منطقة تماس مع قوات سوريا الديمقراطية على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة الرقة.
وسيطرت قوات النظام الثلاثاء، على 9 مزارع وقرى غرب الرقة، ليرتفع إلى 36 عدد القرى التي تم طرد عناصر داعش منها خلال أسبوع.
ويهدف الجيش السوري من خلال هذه العملية، إلى ضمان أمن ريف حلب الشرقي، والتقدم أكثر ضد داعش في مناطق سيطرتهم بمحافظات حماة وحمص ودير الزور، وجميعها محاذية للرقة.