كثف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اليومين الماضيين، من لقاءاته مع قادة دول مجموعة "البريكس" على هامش قمة العشرين، في مدينة "هانغتشو" الصينية، التي انطلقت أعمالها أمس الأحد، ما فسره محللون على أنه يعكس "توجهًا جديدًا" لتركيا.
وتضم مجموعة "بريكس" التي تطلق على نفسها اسم، القوى الصاعدة، كلًا من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وتحتل مساحة دولها 30% من مساحة العالم، ويشكل عدد سكانها 42% من عدد سكان العالم، كما يفوق إجمالي اقتصادهم مجتمعًا اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم.
والتقى أردوغان على هامش القمة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، إضافة إلى رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما.
وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى رفع حجم التبادل التجاري مع روسيا إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2020، وكذلك رفع التبادل التجاري مع الصين إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020، يحاول أردوغان تعزيز علاقاته مع كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا.
ومنذ أكثر من عام تسعى الحكومة التركية إلى رفع حجم التبادل التجاري مع الهند، وتكثيف اللقاءات حول ضرورة تنمية اقتصاد البلدين، في حين احتلت البرازيل المرتبة الأولى بين دول منطقة الكاريبي، على صعيد التبادل التجاري مع تركيا، عام 2011، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 2.958 مليار دولار أمريكي.
ويبدو أن الموقف الحرج الذي وجدت الحكومة التركية نفسها متورطة فيه، عقب العقوبات الروسية الصارمة، والقطيعة التي عانت منها من قبل حلفاء موسكو في المنطقة، على خلفية إسقاط تركيا لمقاتلة روسية؛ دفع الحكومة التركية إلى السعي الحثيث لحل المشاكل مع موسكو، وطي صفحة الخلاف، والاتجاه شرقًا لتعزيز علاقاتها مع القوى الصاعدة.
مخاوف غربية
ولم يخفِ بعض المسؤولين الغربيين مخاوفهم، بل صرح بعضهم في وقت سابق، بضرورة إبعاد تركيا عن روسيا والصين؛ وقال رودريك كيسويتر، عضو حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني الذي تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مؤخرًا إن "الهدف الحقيقي من استمرار المحادثات مع تركيا، ليس ضمها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، إنما إبعادها عن روسيا والصين وعدد من الدول الآسيوية".
ودعا كيسويتر جميع الدول الأوروبية للعمل من أجل منع ابتعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي والسعي للحيلولة دون تقاربها من روسيا والصين والدول الآسيوية، في إشارة إلى احتمال انهيار اتفاق اللاجئين المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في آذار/مارس الماضي، الذي قد يؤدي إلى إقامة مخيمات ضخمة لاستيعاب اللاجئين في كل من اليونان وإيطاليا وشمال أفريقيا.
أنقرة تضغط على الغرب
وفي الوقت الذي يؤيد فيه سياسيون التوجه التركي الأخير نحو الشرق، يؤكد محللون غربيون أن تركيا، الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصاحبة ثاني أكبر الجيوش فيه "لا تستطيع الاستغناء عن الغرب مهما تقاربت مع روسيا، وأن التوجه التركي الجديد لا يعدُ كونه محاولة من أردوغان، للضغط على حلفائه الغربيين، للحصول على مكاسب سياسية".
وتحاول أنقرة الضغط على واشنطن لتسليمها الداعية الإسلامي، محمد فتح الله غولن، المتهم الأول في الوقوف وراء انقلاب تركيا الفاشل، منتصف تموز/يوليو الماضي، والمقيم في الولايات المتحدة، إلا أن الكثير من العوائق السياسية والقانونية تحول دون رضوخ واشنطن لمطالب أنقرة.
كما تسعى أنقرة للضغط على الاتحاد الأوربي، عبر التقارب مع موسكو، إضافة إلى استثمار ورقة وقف تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز، لتفعيل محادثات انضمامها إلى الاتحاد الأوربي، ورفع تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد، عن المواطنين الأتراك، وفقًا لاتفاقيات سابقة.
التداول بالعملات المحلية
وبعد أن عبرت موسكو وأنقرة، في 9 آب/أغسطس الماضي، عن رغبتهما بأن يتم التبادل التجاري بين البلدَين، بالعملات المحلية؛ الروبل الروسي والليرة التركية، يرى خبراء في الاقتصاد أن الفكرة في حال تطبيقها من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة في العديد من المجالات؛ كزيادة حجم التجارة، وتعزيز السياحة، وخلق فرص عمل.
وقال الخبير في اقتصادات الدول الآسيوية بالمدرسة الاقتصادية العليا في موسكو، أندريه تشوبريغين، إن اعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية بين الدول، أصبح توجهًا عالميًا، حيث أنه في السنوات الأخيرة الكثير من مناطق العالم؛ وبشكلٍ خاص الصين، وكوريا الجنوبية، وأمريكا الجنوبية، بدأت التوجه لاعتماد عملاتها المحلية في تبادلاتها التجارية".
بدوره؛ قال رئيس مجلس المصدرين الأتراك، محمد بيوك أكشي، إن "التحول إلى الروبل والليرة في التبادلات التجارية بين روسيا وتركيا "سيساهم في زيادة حجم التجارة بين البلدين، ويزيد من قيمة العملتَين في الأسواق المالية العالمية".
في حين أعرب الخبير المالي والاقتصادي في رئاسة أكاديمية الاقتصاد الوطني الروسي، بوريس بيفوفار، عن اعتقاده أن روسيا وتركيا ستواجهان صعوبات في الانتقال من الدولار إلى العملتَين المحليتَين في التبادل التجاري، مبينًا أن الدولار الأمريكي "ما يزال العملة الأقوى".
وعلى الرغم من سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى استعادة الحلف الاستراتيجي مع تركيا، يبدو أن تركيا ما بعد الانقلاب الفاشل، تسعى إلى تطبيق توجهات سياسية واقتصادية جديدة، من شأنها أن تثير غضب واشنطن.