قتلى ومصابون بقصف إسرائيلي على ساحة مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة
مع مطلع شهر أبريل 2016 راج في موريتانيا الحديث عن اكتشاف منقِّبين بسطاء لكميات مغرية من الذهب بوسائل تقليدية في منطقة تازيازت شمال غربي موريتانيا.
وأغرى هذا الاكتشاف عشرات الشبان الموريتانيين الحالمين بالذهب، الذي يوجد في مورتانيا ثاني أكبر منجم له في العالم، حيث دأبت شركة "كينروس" الكندية على استغلاله منذ سنوات، بموجب عقود مع الدولة.
الحكومة الموريتانية سرعان ما أكدت الخبر على لسان المدير العام للمعادن أحمد ولد الطالب محمد الذي أعلن بشكل رسمي عن حصول منقبين تقليديين بصحراء تازيازت على كميات من الذهب، وكشف عن إطار قانوني جديد ينظم إجراءات منح رخص التنقيب ومعاقبة المخالفين لها.
غير أن الموضوع الذي شغل حيزا واسعا من اهتمام الموريتانيين ودفع بآلاف الشباب إلى خوض المغامرة للحصول على المعدن النفيس في الصحراء المهجورة، لا يزال يثير الكثير من التساؤلات عن حقيقته، في ظل تضارب الروايات الواردة من منطقة التنقيب.
المنقِّبون.. روايات متضاربة
تتضارب الروايات التي يقدمها المنقبون عن الذهب في صحراء "تازيازت" بموريتانيا بشكل لافت؛ حتى بات متابعون يشككون في قصة الذهب من أصلها، انطلاقا من المعطيات الجيولوجية المتوفرة التي تنفي توفر الذهب على سطح التربة الصحراوية بهذه الكميات الكبرى.
ففي وقت تشير بعض هذه الروايات إلى حصول أفراد على كميات تصل إلى 3 كيلوغرامات دفعة واحدة على شكل كتل كبيرة، تقول روايات أخرى إن قطعا صغيرة جدا هي ما يحصل عليه المنقبون وبعد كثير بحث وعناء.
وقد التقت "إرم نيوز" بأحد من شاركوا في عمليات التنقيب عن الذهب بتازيازت، فضل حجب هويته، وأكد أن مبالغة كبيرة طبعت حديث الإعلام عن الكميات التي يحصل عليها المنقبون، فيما يتحفظ بشكل كبير عن الحديث في التفاصيل.
ويؤكد أنه يستعد لإكمال إجراءات الترخيص للتنقيب عن معدن الذهب، ويصف في الوقت نفسه عملية التنقيب بأنها مغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر، إلا أن دخوله المعترك مع آخرين شكلوا فريق تنقيب وتكلفوا مبالغ مالية هامة في وسائل ومعدات يدفعه ـ حتى الآن ـ إلى المواصلة في المغامرة، كما يقول.
ويؤكد الباحث الجيولوجي محمد الأغظف ولد أحمد لإرم نيوز، أن المؤشرات والدراسات تشير إلى توفر صحراء تازيازت على معدن الذهب، إلا أنه يوضح أن الكميات المشار إليها توجد "في عمق متوسط إلى بعيد".
ولا يستبعد ولد أحمد، إمكانية اكتشاف منقبين تقليديين لكميات من المعدن النفيس في نقاط لم تكن معروفة لدى الجيولوجيين، ويضيف: "الجيولوجيا لا يمكن أن تقونن الطبيعة كلها ولا أن تضع لكل شيء قاعدة، ولايمكن لعالم جيولوجيا أن يقف على سطح صخرة ويزعم أن تحتها ذهبا، إلا بعد دراسة وبحث وحفر ".
إقبال على رخص الذهب
وظلت أعداد طالبي الرخص في ازدياد بعد أعلنت الحكومة الموريتانية عن فتح الباب أمام استقبال المتقدمين بطلبات رخص التنقيب عن الذهب، وتوافد الآلاف، قبل أن يستقر العدد النهائي لطالبي الرخص في حدود 16 ألفا يشكل الشباب نسبة كبرى من بينهم.
وفرضت الحكومة شروطا من بينها دفع مبلغ مالي قدره: 100.000 أوقية (حدود 300 دولار) للحصول على رخصة التنقيب للأفراد ومنع استخدام الجرافات في عمليات التنقيب ومنع استخدام المواد الكيمائية وإلزام المنقبين ببيع المحاصيل لجهة حكومية ووفق سعر محدد.
وتشهد مقرات الإدارات المعنية بإجراءات ترخيص التنقيب عن الذهب في العاصمة الموريتانية نواكشوط ازدحاما شديدا هذه الأيام.
ويعلق إسحاق ولد الفاروق متحدثا لإرم نيوز - وهو أحد طالبي رخص التنقيب- بالقول: إن الروايات التي يُجهل مصدرها هي في الغالب ما يستند إليه طالبو الرخص في خوض المغامرة، ويضيف: "ما أستطيع قوله هو أن أكثر الناس الذين يبحثون عن الرخص لا يعرفون عن الموضوع سوى القصص المتداولة".
وعن سبب إقبال الشباب على المغامرة في البحث عن الذهب يرى الفاروق أن ذلك "ربما هو ناتج عن ركود الأسواق؛ فلا بديل أمام الشباب العاطلين عن العمل وصغار التجار عن التضحية سواء كانت في الهجرة أو مغامرة الذهب".
اقتصادات موازية تنتعش
خلقت موجة التنقيب عن الذهب حراكا اقتصاديا أنعش السوق الموريتانية، فقد تعددت محلات بيع الأجهزة التي يعتمد عليها المنقبون بضبطها لتحديد المعدن المطلوب، بعد أن كانت تتوفر في نقاط تجارية محدودة، وعلى نطاق ضيق بالعاصمة نواكشوط لتتضاعف أسعارها بفعل الطلب الكبير حيث بات السعر يتراوح ما بين 2 و4 ملايين أوقية (حدود 6 آلاف إلى 12 ألف دولار).
وانتعشت سوق معدات الحفر بشكل كبير ما جعل أسعارها تعرف ارتفاعا مذهلا في الأسابيع الأخيرة، بفعل الإقبال على الآليات الصغيرة التي تستخدم في عمليات التنقيب عن الذهب؛ حيث أصبحت من بين عُدة المغامرين في رحلة البحث عن المعدن النفيس في صحراء تازيازت.
ورافق التنقيب عن الذهب أيضا انتعاش سوق تأجير السيارات رباعية الدفع، فهي وحدها القادرة على الصمود رفقة المغامرين في رحلة البحث عن الذهب ومنازلة رمال الصحراء، فيما وجد البعض فرصته في افتتاح محلات تجارية لبيع المواد الغذائية وتوفير حاجيات المنقبين في الصحراء التي باتت محط إقبال كبير بعد أن كانت مهجورة.
وغير بعيد من الانتعاش الذي عرفته السوق بالتزامن مع طفرة التنقيب عن الذهب، تجني الحكومة مبالغ هامة من عائدات رخص الذهب وجمركة أجهزة التنقيب، فضلا عن إلزامها المنقبين بالتصريح بمحاصيلهم وبيعها لجهة حكومية وفق سعر تحدده.
ويتحدث خبراء اقتصاديون عن مبلغ 6 مليارات أوقية (حدود 20 مليون دولار) يتوقع أن تجنيها حكومة موريتانيا في غضون أربعة أشهر فقط كعائدات مقابل جمركة أجهزة ورخص التنقيب التي تقدم لها أكثر من 16 ألف شخص؛ حيث أعلن وزير المعادن الموريتاني محمد سالم ولد البشير أن جمركة جهاز التنقيب تصل إلى 303 آلاف أوقية فيما تصل تكلفة الرخصة إلى 100 ألف أوقية.
مخاوف من عملية احتيال
عودة العديد من المنقبين من صحراء تازيازت صفر الأيدي، باتت تطرح إشكالات تحيل إلى فرضية أن يكونوا قد وقعوا ضحايا لعملية احتيال، فتكاليف رحلة المغامرة تصل حسب بعض التقديرات إلى 5 ملايين أوقية (حدود 15 ألف دولار) بالنسبة لفريق مكون من 4 أشخاص، يكون الرابح الأكبر فيها تجار أجهزة التنقيب ومعدات الحفر.
فقد كان لافتا انتشار الإعلانات الممولة لأجهزة التنقيب عن الذهب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بموريتانيا، كما انتشرت مقاطع فيديو ترويجية يظهر فيها أشخاص يزعمون حصولهم على كميات مغرية من الذهب في صحراء تازيازت دون عناء، ويدعون إلى التوجه لمنطقة التنقيب؛ فيما كان إخفاء الوجه والهوية القاسم المشترك بين هؤلاء مما يؤكد فرضية أن يكون الحديث عن سراب.
المدون المتابع للقضايا الاقتصادية محمد الأمين ولد الناجي، يصف متحدثا لإرم نيوز، مقاطع الفيديو هذه بأنها "غير بريئة"، موضحا أنها "التُقطت من مجهولين أخفوا صورهم وهوياتهم يروجون بحماس للتنقيب ويحثون على التوجه بسرعة إلى مناطق الذهب".
ويضيف ولد الناجي أن عمليات ترويج ذكية تجري لدفع الشباب إلى اقتناء أجهزة التنقيب، ويرى أن "كل مقاطع الفيديو الدعائية يروج بذكاء للأجهزة دون الإشارة المباشرة إليها؛ فمصور الفيديو إما أن يستعرض أحجارا يقول إنها ذهب استخرجه أو يعرض ملايين الأوقية يزعم أنها ثمن بيع ذهبه".
فيما يعلق الصحفي أحمد سالم ولد باب لإرم نيوز، بالقول إن مغامرة التنقيب عن الذهب لا تخلو من خطورة على الشباب، الذين استثمروا كل ما يملكون في مخاطرة غير مضمونة العواقب، ويضيف: "لقد تأكد أن كثيرا ممن ذهبوا إلى هنالك عادوا دون أن يحصلوا على شيء، أو حصلوا على أقل مما استثمروا بكثير".
هل اختلقت الحكومة قصة الذهب؟
وأمام حالة انصراف اهتمام الشباب الموريتاني إلى خوض المغامرة في التنقيب عن الذهب، بدأت جهات معارضة توجه اتهاماتها للحكومة الموريتانية بأنها اختلقت قصة الذهب لشغل المواطنين عن دعوات المعارضة للتظاهر، حيث بدأت منذ أسابيع في عقد سلسلة احتجاجات وتستعد في نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو 2016 لما تصفه بأكبر احتجاج بنواكشوط في تاريخ البلاد.
ويلفت إسحاق ولد الفاروق في حديث لإرم نيوز إلى أن أسئلة عديدة عن حقيقة قصة الذهب تبقى معلقة بالنسبة إليه وهو يستعد لاستكمال إجراءات التنقيب:"هل يعقل أن الحكومة الموريتانية التي امتنعت عن خفض أسعار المحروقات رغم انخفاضها عالميا، وأثقلت كاهل المواطنين بالضرائب ستسوقنا اليوم إلى وادٍ من ذهب؟!".
أما الصحفي شيخنا ولد القاسم فيقول متحدثا لإرم نيوز، إن من الصعب تبرئة النظام من اختلاق قصة الذهب؛ خصوصا مع الاستفادة الكبرى من عائدات الرخص وجمركة أجهزة التنقيب، ويعلل ولد القاسم ما يعتبره اختلاق الحكومة للقصة بالسعي من أجل "حصول الخزينة العامة للدولة على أموال طائلة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها البلد".
وهو الرأي الذي لا يوافقه الصحفي أحمد سالم ولد باب في حديثه لإرم نيوز، ويستدل بالقول إن الذهب موجود فعلا في منطقة التنقيب، إضافة إلى أن الثمن الذي ستدفعه الدولة الموريتانية إذا انكشفت الحيلة سيكون مضاعفا.
إلا أن ولد باب يصف الحكومة الموريتانية بأنها أحسنت استغلال الفرصة لتخفيف أزمة السيولة المالية من جهة، ولصرف الأنظار عن الأزمة السياسية وغلاء الأسعار والاحتقان الاجتماعي والفساد وتغيير الدستور من جهة ثانية.
وبالتزامن مع توجه آلاف المنقبين عن الذهب إلى صحراء تازيازت شمال غربي موريتانيا، انتشرت في الأيام الأخيرة إشاعات حول وجود معادن نفسية من بينها الماس اكتشفها منقبون تقليديون في تامشكط بالشرق الموريتاني؛ لتلقي هذه الإشاعات بمزيد من التساؤلات عن حقيقة مفاتيح الثراء السريع عبر التنقيب التقليدي عن المعادن التي باتت الشغل الشاغل لكل الموريتانيين.