عن تناقض لا أراه
عن تناقض لا أراهعن تناقض لا أراه

عن تناقض لا أراه


عمرو حمزاوي

بالفعل لا أراه، فلا تناقض بين الحزن بسبب كارثة تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء والخوف من التداعيات السلبية لاحتمالية تفجيرها إرهابيا، وبين رفض الانجرار إلى هستيريا «المؤامرة العالمية ضد مصر»، التى تجرد المجال العام من القليل المتبقى من العقل والرشد.
لا تناقض بين التخوف وطنيا وإنسانيا من التراجعات الفادحة التى قد تلحقها كارثة تحطم الطائرة الروسية بالقطاع السياحى فى مصر، وبين رفض الاكتفاء بصب جام اللعنات على «الحكومات الغربية الخسيسة» التى أعلنت عن إجراءات حظر سفر وترحيل رعايا. بل على العكس من ذلك تماما، نحن مطالبين بنسيان الغرب كثيرا وبالتفكير الجاد والخلاق فى سبل مساعدة القطاع السياحى على تجاوز المحنة المتوقعة.
فقد أنهكت الأعوام الماضية جميع مكونات القطاع السياحى من عمالة، وإدارة، ورءوس أموال مستثمرة، واستثمارات جديدة. ولأنهم المكون «الأضعف» ولأن انخفاض الإيرادات عادة ما يؤدى للأسف «لقطع عيشهم» من قبل الإدارات والمستثمرين، تحمل العاملين العبء الإنسانى الأكبر منذ 2011 ولا قبل لهم ولا لذويهم بتحمل المزيد من الضغوط المعيشية والمهنية. هنا، وبمعزل تام عن الموقف من الحكم ودون انتظار للقرارات الرسمية، يصبح واجب المواطن كما هو مسئولية فعاليات المجتمع المدنى والقطاع الخاص إطلاق مبادرات أهلية لمساعدة القطاع السياحى المأزوم وإبعاد شبح الانهيار عن مشروعاته المتوسطة والصغيرة قبل الكبيرة ومنع «قطع عيش» المزيد من العاملين به، ومن ثم تفادى تحول المحنة المتوقعة إلى أزمة مجتمعية إضافية.
لا تناقض بين الابتعاد الكامل عن الاستغلال الردىء لكارثة تحطم الطائرة الروسية لتسجيل نقاط سياسية متهافتة وكذلك الإدانة الشاملة لجنون «التشفى والفرح» بتراكم محن وأزمات الوطن، وبين الامتناع عن التورط فى التأييد الأحادى للسلطوية الحاكمة والتمسك بالواجب الوطنى المتمثل فى ممارسة النقد الموضوعى لتوجهاتها وسياساتها والبحث عن بدائل. مصر أكبر بكثير من أن تختزل هى وشعبها ومصالحها العليا فى دفاع مستميت عن حكم، أو فى تجميل مستمر لخطاياه وأخطائه، وفى تخوين متصاعد لمعارضيه، أو فى فرض للصمت العام بشأن المظالم والانتهاكات التى تحاصرنا.
لا تناقض بين أن يستيقظ المواطن محبا لوطنه وخائفا عليه وساعيا إلى تجنيبه المزيد من الأزمات وباحثا عن سبل تجاوزه للأزمات الراهنة ورافضا للتشفى الممجوج فى محنه، وبين أن يستيقظ منهكا من تراكم أنباء المظالم والانتهاكات، ومن تغول القمع الذى يدعى أن إسراء الطويل الفتاة الصغيرة ضالعة فى مخطط إرهابى وأن الحقوقى والصحفى المحترم حسام بهجت يكدر السلم العام ويستأهل المحاكمة العسكرية وأن رجل الأعمال المؤيد للحكم صلاح دياب تحول بين ليلة وضحاها إلى مجرم هارب من العدالة تسير له التجريدات الأمنية فجرا لإلقاء القبض عليه.
لا تناقض بين حبى للوطن وحزنى على محنه وخوفى من التداعيات السلبية لأزماته المتزايدة على المواطن والمجتمع والدولة، وبين رفض الانجرار لهستيريا التآمر والمتآمرين أو التورط فى وطنية زائفة تختزل مصر فى حكم وتخون معارضيه أو تتماهى مع توجهات وسياسات السلطوية الحاكمة على الرغم من الأضرار التى تلحقها بالوطن والمظالم والانتهاكات التى تحاصرنا بها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com