أفادت تقارير إعلامية، الاثنين، أن القوات السورية الحكومية طوقت مدينة حلب استعدادا لاقتحامها، بينما أعربت المعارضة المسلحة عن شكواها من حدوث توقف شبه كامل للدعم العسكري الذي كان يصل للمسلحين المناهضين للنظام السوري.
وتحتل مدينة حلب أهمية استراتيجية، فهي ثاني أكبر مدن البلاد بعد دمشق، وتعد العاصمة الاقتصادية لسوريا، وهي متاخمة للحدود مع تركيا التي تتهمها السلطات السورية بدعم وإيواء مسلحي المعارضة.
ويرى مراقبون أن ثمة عوامل عديدة أدت إلى تغيير الواقع الميداني في مدينة حلب، وشجعت الجيش السوري على التأهب لإعادة السيطرة على المدينة وريفها بعدما استعادت السيطرة على مناطق استراتيجية في المحافظة.
ولعل العامل الأول يتمثل في الصراعات التي اشتعلت بين فصائل المعارضة السورية، والمعركة التي خاضتها المعارضة المسلحة ضد تنظيم داعش ما أضعف قدرتها على المواجهة.
يضاف إلى ذلك حالة التشرذم وغياب التنسيق بين جناحي المعارضة العسكرية والسياسية، فضلا عن انهماك الائتلاف السوري المعارض باختيار رئيس جديد له من دون التوصل الى اتفاق بهذا الشأن.
في هذه الاثناء، أطلق ناشطون سوريون على موقعي التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" و"تويتر" حملة بعنوان "# جيش _ موحد _ لاستعادة _ الثورة" عبر "هاشتاغ"، حيث تطالب الحملة بتوحيد مختلف فصائل المعارضة لاستعادة زخم الثورة ومواجهة خطري داعش والنظام، كما جاء في صفحة الحملة على الفيسبوك.
ويأتي تقدم الجيش السوري في حلب بعد مرور أسابيع على إخماد جبهة الساحل، معقل الرئيس السوري بشار الأسد، والذي تحقق، وفق تقارير إعلامية، إثر اتفاق بين إيران وتركيا قضى بتوقف تركيا عن دعم تلك الجبهة في مقابل توقف دمشق عن دعمها لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يسعى لانتزاع حقوق الأكراد في تركيا.
ويبدو أن الأزمة العراقية كذلك ساهمت في العمل على إعادة ترتيب المشهد العسكري والميداني في سوريا، ففي ظل انهماك تنظيم داعش بالمعارك الجارية هناك، وجد الجيش السوري فرصة مواتية كي يبسط سيطرته على حلب التي تعد منفذا رئيسا نحو مناطق في شرق وشمال شرق سوريا، وهي تمثل المسرح الرئيس لأنشطة المعارضة بعدما خسرت مناطق في حمص وريفها وفي الساحل وفي ريف دمشق.
العامل الكردي والتحول الغربي
ولابد من الإشارة كذلك الى العامل الكردي المساعد، فالأكراد الذين يسيطرون على مساحات واسعة ذات غالبية كردية تمتد من تخوم حلب وحتى مدينة القامشلي أظهروا حيادا إزاء الأزمة المتفاقمة، فالمزاج الكردي لا يميل الى العنف والتطرف، بل يريد الحصول على مكاسب مشروعة من دون حروب، علاوة على أن الصراعات المتأججة بين فصائل المعارضة دفعتهم الى قراءة المشهد السياسي والعسكري من زوايا مختلفة، إذ أدرك الأكراد ان المعارضة لن تمنحهم حقوقا أكثر من تلك التي منحها لهم النظام السوري. بهذا المعنى، فان المعارك التي ستندلع بالقرب من مناطق نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي لن تشكل مغامرة للنظام السوري الذي يضمن تحييد الأكراد، هذا إذا أغفلنا تقارير وتحليلات تذهب الى حد القول بوجود تنسيق بين النظام وبين الاتحاد الديمقراطي على اعتبار ان هذا الأخير يمثل أحد اجنحة "حزب العمال الكردستاني" العدو اللدود لخصم النظام السوري الأول تركيا.
ويضاف الى ذلك التحول الذي طرأ على طبيعة التعاطي الغربي مع الأزمة السورية، فالغرب، وخصوصا أوربا، لم تعد ترى في المعاناة السورية سوى هاجس عودة المتطرفين من جنسيات أوربية الى بلدانهم والخطر المحتمل الذي سيشكله هؤلاء على أمن تلك البلدان، ولن ننتظر أن يبارك الغرب معارك الجيش السوري ضد مسلحي المعارضة، غير ان تلك المعارك تتناغم مع مصالح الغرب الذي بات يفرز بين معارضة معتدلة وأخرى متطرفة، ولعل هذا ما يفسر إعلان أنقرة لسفراء غربيين مؤخرا عن منعها دخول نحو 500 مقاتل متشدد إلى سوريا عبر الأراضي التركية التي تشكل البوابة الأساسية لتعزيز قدرات المعارضة المسلحة.
ولا يمكن ان نغفل في هذا السياق الانتصارات السياسية التي حققها النظام السوري من خلال تنظيمه للانتخابات الرئاسية رغم معارضة الغرب لها، أو عبر المصالحات التي تحققت في حمص وعدد من المناطق الأخرى، فضلا عن اخفاقات متتالية للمعارضة في كسب قاعدة شعبية على الأرض، الأمر الذي رفع رصيد النظام سياسيا.
وقال ناشطون إن القوات الحكومية سيطرت، خلال الايام الماضية، على أجزاء واسعة من المدينة الصناعية، عند المدخل الشمالي الشرقي لحلب.
وأضاف الناشطون أن قوات الجيش تقف على عتبة تحقيق السيطرة على مدرسة المشاة شمال شرق حلب، التي تمهد لها الطريق نحو بلدات ريف حلب الشمالي، وتقطع طريق الإمداد اللوجستي لمقاتلي المعارضة عبر تركيا.
ومع أن أي معركة داخل المدينة نفسها ستكون طويلة وشاقة للنظام الذي لن يستطيع مجاراة المسلحين في تكتيكات حرب العصابات، إلا أن نجاح النظام في الإستيلاء على مدرسة المشاة سيفتح المجال أمامه للمضي شمالاً إلى قرى وبلدات فافين ثم رتيان وبيانون وحيان إلى الشمال من حلب فيقطع طريق الإمداد الوحيد للمدينة من ناحية الشمال ويعزلها بشكلٍ كامل.
ويقول ناشطون أن المسلحين تنبهوا لهذا الاحتمال، إذ سارعت قوافل الإمدادات من المحافظات الأخرى بالوصول إلى حلب، بالإضافة للأرتال التي أتت من أرياف المحافظة ودخلت المدينة.
ونقل موقع "كلنا شركاء" المعارض أنباء عن توجه أكثر من مئة آلية عسكرية إلى منطقة التماسّ مع النظام في قرية تل الشعير بالقرب من مدرسة المشاة، وهو ما ينذر بوقوع معارك طاحنة خلال الايام القليلة القادمة.
المعارضة تجدد شكواها
في غضون ذلك، أكد المتحدث باسم الائتلاف السوري المعارض لؤي الصافي، حدوث توقف شبه كامل للمساعدات، التي كانت تصل لفصائل المعارضة من الدول الداعمة لها، مشيرا غلى أن ذلك يتزامن مع عودة مسلحي داعش من العراق وهم مدججون بالذخيرة التي اغتنموها من الجيش العراقي.
وتحدث الصافي، خلال مؤتمر صحفي عقده الاثنين في إسطنبول، عن الأوضاع الصعبة التي تشهدها مدينة حلب في مواجهة قوات النظام من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى، قائلاً إن الائتلاف السوري استدعى رئيس هيئة الأركان "عبد الإله البشير" للتباحث معه حول حول آخر المستجدات على الأرض في حلب.
وقال الناطق الرسمي باسم الائتلاف إن الوضع العسكري حرج للغاية، وعزا صافي تراجع مقاتلي المعارضة في عدد من المناطق السورية، إلى عدم جدية المجتمع الدولي في دعم المعارضة، مؤكدا أن حلب باتت شبه مطوقة.
في السياق ذاته، طالب المعارض جلال الدين الخانجي المجتمع الدولي بتقديم السلاح للمعارضة لتمكينها من مواجهة النظام وداعش الذي سيطر على مناطق واسعة في دير الزور شرقي سوريا.
وحذر الخانجي من أن النظام يوشك على السيطرة على طريق حندرات (الذي يعرف بأنه طريق الموت)، إذ إن ثمانية كيلومترات فقط من هذا الطريق بقيت خارج سيطرة النظام، مؤكدا أن حلب ستحاصر بالكامل في حال سقوط هذا الطريق.