ظهيرة الجمعة الماضية، كانت العاصمة اليمنية صنعاء على موعد مع حادثة هي الأولى من نوعها، تفجيران عنيفان استهدفا مسجدين يرتادهما مصلون غالبيتهم ينتمون إلى جماعة "أنصار الله" الحوثيين المحسوبة على المذهب الشيعي، راح ضحيتهما 137 قتيلاً ومئات الجرحى، حسب آخر الاحصائيات.
وتعد هذه الحادثة من أخطر الحوادث الكثيرة في بلد يعاني منذ سنوات صراعاً مسلحاً تقوده جماعة الحوثي، وتحمل طابعاً لم تشهده اليمن من قبل، ويشبه إلى حدٍ ما، التفجيرات التي تحدث في العراق منذ الغزو الأمريكي في العام 2003.
وأثار التفجيران حفيظة المواطنين، وزاد من منسوب تخوفهم من تحول الصراع إلى حرب على أساس مذهبي وطائفي، في ظل اصرار من الحوثيين على عملية الفرز المذهبي، إذْ سيطرة بقوة السلاح على العديد من المساجد في صنعاء واستبدلت خطباءها بخطباء آخرين يتبعون للجماعة، وهو ما أثار حنق المصلين، واضطر الكثير إلى مغادرة هذه المساجد، بحسب شهود عيان ومواطنين تحدثوا إلى مراسل الأناضول.
وبقدر ما خفّفَ نفي تنظيم القاعدة في اليمن مسؤوليته عن التفجيرين من مخاوف الناس، ارتفعت في المقابل شكوك اليمنيين بشأن ضلوع أطراف دولية ومخابراتية في التخطيط للتفجيرين، بهدف الزّج بالبلاد في أتون حرب شاملة ذات طابع مذهبي طائفي، وهي ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر الجمهورية الفقيرة التي لم تتعافَ بعد من أوجاع ما بعد الربيع العربي.
فقبل الحادثة بثلاثة أيام، كتب "محمد العماد"، وهو صحفي مقرّب من الحوثيين منشوراً على صفحته في (الفيسبوك) محذراً من دخول ضابط مخابرات إيراني إلى اليمن.
وحسب مراسل الأناضول، فإن جماعة الحوثي سعت منذ سقوط صنعاء في قبضتها في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى إحكام السيطرة على العديد من مساجد صنعاء وطردت الخطباء الذين لا ينتمون إلى فكرها، وحينها قال القيادي في الجماعة "محمد البخيتي" للأناضول - رداً على سؤال حول أسباب إقدام الجماعة على خطوة كهذه - "إن هذه المساجد تتبع المذهب الزيدي"، وأن من يسميهم "الوهابيين" المدعومين من السعودية "استولوا عليها في أوقات سابقة، يوم أن كانت السلطة في أيديهم، والآن عادت إلى أصحابها الأصليين".
هذه اللغة المذهبية لم يعهدها اليمن طيلة تاريخه، خصوصاً ما يتعلّق بدور العبادة والمساجد، إلا أن الحوثيين، بحسب وقائع كثيرة، دمّروا عدة مساجد، ودور القرآن الكريم، في عمران وأرحب وصعدة، والأخيرة هي معقل الحوثيين الأصلي، بعد تهجير مجموعة من يهود اليمن، وطلاب علم سلفيين في دماج، وتدمير مدارسهم هناك.
وبمتابعة وسائل إعلام ومتحدثي خصوم الحوثيين، فإن هناك ما يشبه التأكيد على أن الخلاف والصراع القائم مع جماعة الحوثي ليس صراعاً مذهبياً، وإنما صراع ضد جماعة سيطرة بقوة السلاح على مؤسسات الدولة، وبدأت تمدّ نفوذها باتجاه مناطق القبائل، ما جعل هذه القبائل تعدّ العدة لمواجهتها، خوفاً من تكرار نموذج "صنعاء" التي هجّر الحوثيون زعامات قبلية كـ"آل الأحمر" وعسكرية كـ" اللواء علي محسن صالح" وغيرهم.
وتعد القبيلة في اليمن إحدى الضمانات التي تمنع انزلاق البلاد إلى حرب طائفية أو مذهبية، إذ تتحد القبيلة بكل أطيافها، بمن فيها المحسوبون على مناطق الزيدية، ضد مشروع الحوثي، ليس باعتباره مذهبياً، بل يأتي ضد تطلّعات اليمنيين في بناء دولة مدنية اتحادية ذات 6 أقاليم وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما تعارضه جماعة الحوثي، باعتباره مشروعاً سيحصر نفوذها في مناطق شمال الشّمال.
وفي الحقيقة، فلا أحد يؤجج لحرب طائفية في اليمن عدا طرفان هما جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، إذ يعتبر كل طرف الآخر عدواً له يجب محاربته، لكن الطرفين لا يحظيان بثقل شعبي، ولا بيئة حاضنة لهما، ويُنْظر إليهما باعتبارهما جماعتين مسلحتين تقوضان بنيان الدولة، وتحاولان التأسيس لمستقبل من الصراع على أساس مذهبي، وهو ما يرفضه اليمنيون، الذين يبدوا أنهم يدركون خطورته، واستيعاب مخاطره، التي دمّرت بلدان عربية، بينها العراق وسوريا.
يقول "رائد الثابتي" وهو يعمل مهندساً، "إن هناك من يحاول جاهداً إشعال الحرب الطائفية بين اليمنيين وتمزيق النسيج الاجتماعي المترابط منذ عقود، وذلك من خلال استهداف المساجد التي تؤمها مذاهب معينة،أو من خلال الضخ الاعلامي الهائل في هذا الاتجاه، واستهداف رموز دينية أو سياسية معينة".
وأشار "الثابتي"، أن الحوثي بتصرفاته الرعناء هو من أثار هذه الطائفية، رغم أن اليمنيين تعايشوا مئات السنين دون أن يشعروا بهذه الحساسيات التي ظهرت اليوم في مجتمعنا".
من جهتها، قالت الصحفية "جهاد علي"، "زادت مخاوفي كثير بعد التفجيرات التي شهدتها مساجد العاصمة صنعاء، وهناك قلق من بداية (ثورة المساجد) وتنفيذ الانتقامات، فلم يعد هناك مكاناً آمن في بلادنا".
وتعتقد "جهاد"، في حديث لمراسل الأناضول، أن الخلاف مذهبي، وأن الخوف الأكبر هو من المتطرفين الذين يختلفون مع الحوثي"، في إشارة إلى تنظيم القاعدة في اليمن، محمّلة السلطة في البلاد "المسؤوليه من خلال السماح للمتطرفين بتفريغ ثاراتهم في البلد".