126 شخصية متورطة.. ملف تسفير المقاتلين يثير ضجة في تونس

126 شخصية متورطة.. ملف تسفير المقاتلين يثير ضجة في تونس

شهد ملف تسفير الشباب التونسيين إلى بؤر التوتر في الخارج، تطورات جديدة مع فتح القطب القضائي لمكافحة الإرهاب تحقيقات شملت قيادات أمنية وسياسية بارزة ورجال أعمال محسوبين على حركة "النهضة" الإسلامية.

والقطب القضائي هو "الهيكل المشرف على كل الوحدات المختصة في مكافحة الإرهاب" بتونس.

ومثّل ملف تسفير المقاتلين التونسيين، خلال فترة حكم "الترويكا" بقيادة "النهضة"، الصندوق الأسود وملفا مسكوتا عنه قضائيا رغم تصريحات سابقة لأمنيين وسياسيين وناشطين في المجتمع المدني تدعو لكشف مَن كان وراء تسهيل وتمويل عمليات تسفير الشباب لبؤر التوتر.

تحقيقات مستمرة وتطورات جديدة

وأفادت مصادر أمنية مطلعة لـ"إرم نيوز" أن العمل الأمني متواصل في هذا الملف بإشراف من النيابة العامة، انطلق منذ شهر تقريبا بناءً على شكوى تقدمت بها النائبة السابقة ورئيسة اللجنة البرلمانية السابقة حول هذا الملف فاطمة المسدي للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

وكشف المصدر أنه تم الاستماع لرؤساء فرق مطار تونس قرطاج فترة حكم "النهضة" وتم الإبقاء عليهم بحالة سراح، فيما أُبقي على رئيس قاعة العمليات بحالة تقديم على ذمة التحقيق، وأذنت النيابة بالاحتفاظ برجل أعمال محسوب على النهضة لتورطه في تمويل عمليات التسفير.

وسبق أن تولت النيابة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب توقيف رجل الأعمال والنائب السابق عن النهضة محمد فريخة، والذي كان يمتلك شركة طيران على ذمة التحقيقات.

كما شملت التحقيقات محافظ مطار تونس قرطاج الدولي على ذمة الأبحاث المتعلقة بشبهات التورط في شبكات تسفير تونسيين لبؤر التوتر والإرهاب خارج البلاد، والاستماع للمدير العام السابق لإدارة الحدود والأجانب والمحال إلى التقاعد الوجوبي في نفس الملف.

وحققت النيابة مع مسؤولين أمنيين سابقين منهم فتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي، وأُطلق سراح النائبين السابقين محمد العفاس ورضا الجوادي بعد التحقيق معهما في هذا الملف.

وتواصل الوحدة المركزية لمكافحة الإرهاب الاستماع للمشتبه بهم في هذا الملف، حيث أوقفت مؤخرا القيادي في حركة النهضة حبيب اللوز، قبل مثول رئيس الحركة راشد الغنوشي ونائبه علي العريض أمام الوحدة ذاتها للتحقيق.

 مافيا تزوير جوازات السفر

وأكد مصدر أمني أن حركة "النهضة" صنعت جهازا أمنيا سريا تطغى على تركيبته الصبغة الاستخباراتية يشرف عليه فتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي المواليان لها، واللذان شملتهما التحقيقات في ملف التسفير الذي أصبح اليوم حقيقة قضائية، وفق تعبيره.

وكشفت مصادر أمنية أن حملات التسفير التي جرت خلال فترة حكم "النهضة" تنقسم إلى نوعين: حملات تسفير قانونية وتتم عبر جوازات السفر عن طريق المطار نحو تركيا تحت إشراف رجال نافذة في الدولة، وحملات غير قانونية تتم عبر عمليات اجتياز الحدود البرية والبحرية بواسطة مهربي البشر بمبالغ مالية فاقت 5 آلاف دينار (حوالي 1,8 ألف دولار).

وأشارت المصادر إلى أن هناك مجموعات من المتطرفين التحقوا ببؤر التوتر (سوريا والعراق) عبر جوازات سفر مزورة وبينهم محل أحكام بالسجن، ومنهم مَن هو متورط في قضايا اغتيالات سياسية منهم أبو بكر الحكيم.

2022-09-tunn
2022-09-tunn

ومن بين العناصر المتطرفة التي سافرت لبؤر التوتر وكانت مطلوبة من وزارة الداخلية بلال الشواشي، القيادي السابق في تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور وكان من أبرز الدعاة لما سماه "الجهاد" في سوريا والعراق في منطقة دوار هشير (شمال العاصمة) التي يعاني أغلب شبابها من البطالة والفقر.. وبعد ذلك سافر من تونس إلى ليبيا في 2013 ومنها إلى تركيا ليصل إلى سوريا، ويصبح قياديا في جبهة النصرة وظهر في عدة فيديوهات تابعة للتنظيم وتوجه برسائل تهديد للقوات الأمنية بتونس".

ويعتبر بلال الشواشي أحد أذرع تنظيم أنصار الشريعة المحظور الهاربة من العقاب ويتحصن بالفرار حيث خطط لعديد العمليات الإرهابية بتونس منها عملية المنهيلة وعملية تفجير حافلة الأمن الرئاسي سنة 2015.

وأكدت ذات المصادر الأمنية لـ"إرم نيوز"، أنه تم تهريب بعض العناصر "الإرهابية" عبر إسنادهم جوازات سفر مزورة لأشخاص ميتين أو جوازات مخالفة لهوياتهم الحقيقية عن طريق مافيا لصناعة جوازات السفر.

وأشارت المصادر أن هناك أطرافا كانت تمثل "اللوبي" التابع لأحد الأطراف السياسية داخل الوزارة التي كانت مخترقة، وفق تعبيرها، حيث إن أغلب المشتبه بهم تابعون لإدارة الحدود والأجانب الذين قالوا أثناء التحقيق إن أرشيف ملف التسفير تم حرقه وهناك أطراف فاعلة تقف وراء ذلك.

حقائق صادمة

وكشفت البرلمانية السابقة في مجلس النواب فاطمة المسدي لـ"إرم نيوز"، أن ملف التسفير يضم 126 شخصية (من أئمة وسياسيين وأمنيين ورجال أعمال) تقدمت به للقضاء وسيكشف أسماء وصفتها بأنها ستكون بمثابة زلزال نظرا لأنها شخصيات نافذة في الدولة.

وتابعت فاطمة المسدي أن الملف يتكون من 4 أجزاء حيث يتعلق الجزء الأول بالجانب الدعوي ويضم بعض الأئمة والجمعيات والشخصيات السياسية والتي كان دورها تحضير أرضية فكرية جهادية ساهمت في تغيير عقول الشباب حتى يكونوا جاهزين للالتحاق ببؤر التوتر، وشملت رضا الجوادي وحبيب اللوز وبشير بن حسن وغيرهم.

وأوضحت أن الجزء الثاني يتعلق بالجانب الأمني في كيفية تأمين عملية التسفير وتوفير جوازات السفر المدلسة وشملت فيها أمنيين سابقين، والجزء الثالث متعلق بالجمعيات وتمويل عمليات التسفير التي تقف وراءها عدة أسماء لسياسيين إضافة إلى إمكانية تورط بعض الشركات التي تؤمن عمليات السفر نحو تركيا.

وأشارت إلى أن الجانب الرابع مرتبط بالتسفير والعمليات الإرهابية التي حصلت في تونس منها عملية باردو التي نفذها عنصر متشدد عائد من سوريا لتنفيذ عمليات إرهابية.

2022-09-122588Image1-1180x677_d
2022-09-122588Image1-1180x677_d

وأكدت فاطمة المسدي أنها تقدمت بشكوى للقضاء من كانون الأول ديسمبر 2021، لأن القضاء في فترة حكم النهضة كان بيد القاضي بشير العكرمي الذي كان يتستر على ملفات الإرهاب، مضيفة أنه "بعد تحرير القضاء أصبح من الضروري محاسبة كل من تورط في هذا الملف ".

يذكر أن اللجنة البرلمانية للتحقيق في شبكات التجنيد كشفت خلال سنوات ماضية أن الاستماع للجنة التحاليل المالية أثبت وجود تمويلات خارجية عديدة تلقتها عديد الجمعيات في تونس أغلبها تمويلات بـ100 ألف دينار تونسي ثم وصلت إلى 3 ملايين دينار تونسي وهي جمعيات 100% دعوية وخيرية، وفق قولها.

وأشارت اللجنة إلى أن فترة حكم "الترويكا" هي الفترة التي سافر فيها الآلاف من الشبان إلى مناطق القتال.

ويشار إلى أن التحقيقات القضائية سبق وأن شملت جمعية "النماء" المتهمة بتبييض الأموال وتمويل الجهاز السري لحركة "النهضة" وفق شكاية تقدمت بها هيئة الدفاع عن السياسيين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وفي هذا الشأن، كشف أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي في تصريح لـ "إرم نيوز"، أن هناك شبكة منظمة فيها أجهزة مالية وأجهزة جمعياتية تقف وراء محرقة التحاق آلاف الشباب بسوريا والعراق للجهاد ضمن التنظيمات الإرهابية".

وأكد حمدي أن هذه الشبكة كانت تحظى بدعم سياسي ودعم من السلطة، مشيرا إلى أن التحقيقات ستكشف حقائق خطيرة جدا وأن التوقيفات القادمة قد تشمل رموزا، وفق وصفه.

وتابع أمين حزب التيار الشعبي، أن هناك أطرافا سياسية لديها جمعيات كانت تقف وراء ملف التسفير معتبرا أنّ حركة النهضة كانت جزءا من السلطة ووضعت يدها على القضاء.

طريق العبور إلى الجهاد

وكشفت اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب أن عدد التونسيين في بؤر التوتر بلغ حوالي ثلاثة آلاف، ويرى بعض السياسيين والأمنيين أن حركة النهضة هي التي سهلت عمليات تسفيرهم.

وكشف مصدر أمني أن عملية تسفير الإرهابيين كانت تتم في إطار اتفاقية بين حزب سياسي مع تركيا عبر رحلات منظمة في إطار التجارة أو قصد البحث عن مواقع العمل تتعهد بها أطراف تقف وراء عمليات التسفير والتي تتكفل بكل مصاريف السفر وتوفير الوثائق بعد استقطاب الشبان للالتحاق ببؤر التوتر عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد الاتفاق معهم عن طواعية.

وتابع ذات المصدر، أن عملية انخراط الأطراف السياسية لا تقتصر على التكفل بكل الإجراءات ومراحل الرحلة وإيصالهم إلى تركيا بل تستغل علاقتها الخارجية وتتواصل مع أطراف أخرى تتولى نقلهم الى سوريا أو العراق عبر الحدود عن طريق بعض المهربين.

كما كشفت عائلة أحد المسجونين في ليبيا لـ"إرم نيوز" (رفضت الكشف عن هويتها) أن ابنها أصيل مدينة المنستير الساحلية، كان أحد الناجين من القصف الجوي على منزل في صبراطة الليبية الذي يضم عناصر تابعة لتنظيم إرهابي سنة 2016.

وأشارت العائلة إلى أن هذا الشاب الذي كان بصدد اجتياز امتحان بكالوريا لم يحمل السلاح ولم يقع تدريبه في معسكرات التنظيم حيث تم قصف المنزل بعد وصوله بأيام مؤكدة أن ابنها هو ضحية عملية غسيل دماغ قبل أن يتم استقطابه في أحد المساجد على يد أحد دعاة الموالين لحزب سياسي والذي تسبب في تسفير 18 شابا من مدينة المنستير نحو ليبيا وسوريا والعراق حين كان يوجه دعواته للجهاد مستغلا منبر جامع الجهة.

واستغربت العائلة خروج ابنها نحو ليبيا في حين أنه لا يملك جواز سفر ولا يملك مالا، وكشفت التحقيقات معه في ليبيا لدى قوات الردع حيث يقضي سجنه أنه خرج سنة 2016 برا من الصحراء بعد أن انتقل من مدينة المنستير إلى بن قردان الحدودية مع مجموعة من الشباب، ثم تواصل مع إحدى عصابات تهريب البشر التي أغمضت أعينهم حتى لا يتعرفوا عليهم.

ودعت العائلة إلى ترحيل المساجين والتحقيق معهم في تونس لمعرفة من تسبب في تسفيرهم للقتال في سوريا والعراق وليبيا ومن سهل وموّل عمليات التسفير خاصة بعد أن تغيرت الإرادة السياسية وتم فتح عديد الملفات القضائية التي كانت محظورة في فترة حكم بعض الأطراف السياسية.

عائلات تطالب بالمحاسبة

وأكد الناشط الحقوقي ورئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج محمد إقبال بن رجب، في تصريح لـ "إرم نيوز" أنه لأول مرة ستكون هناك وقفة مساندة للجهات القضائية والأمنية لمواصلة استكمال مسار المحاسبة وتطبيق القانون والتمسك بتتبع كل من سهل انتشار الإرهاب والتطرف العنيف وتورط في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر مع المطالبة بإرجاع التونسيات والتونسيين العالقين بالخارج والأطفال كأولوية قصوى وذلك يوم الثلاثاء 20 أيلول سبتمبر 2022 بداية من الساعة العاشرة صباحا، بحضور عائلات الشبان الذين تم استقطابهم لبؤر التوتر وهم حاليا عالقون في السجون وعلى الحدود السورية التركية.

2022-09-F4A6395E-DF22-4383-9679-E84345BEB5C3
2022-09-F4A6395E-DF22-4383-9679-E84345BEB5C3

وتابع إقبال بن رجب أن أغلب المتورطين في ملف التسفير منتسبون لحركة النهضة وهم من يقفون وراء عدم ترحيل العالقين في بؤر التوتر لأنه بعد عودتهم سيقع محاسبتهم لأن قرار مجلس الأمن 7128 يعاقب الأشخاص الذين تسببوا في توجه الشباب إلى بؤر التوتر على غرار 43 شخصا موجودين في السجون السورية وينتظرون ترحيلهم منذ سنة 2016.

ودعا بن رجب إلى معاقبة مروجي الفكر الجهادي دون تمييز مشيرا إلى أن عدد الشبان الذين التحقوا ببؤر التوتر يتجاوز 3 آلاف شخص.

موقف حركة النهضة

وعلقت حركة النهضة، في بيان سابق، على توقيف القيادي وعضو مجلس شورى الحركة الحبيب اللوز من طرف ما وصفتهم أنهم "عناصر مجهولة ودون احترام الإجراءات القانونية".

واستنكرت الحركة في بيانها بشدة "هذه الاعتقالات العشوائية" التي طالت عدة شخصيات وطالبت بإطلاق سراحهم فورا، وفق البيان.

وأدانت الحركة "ما رافق هذه الاعتقالات من حملات إعلامية مغرضة شنتها بعض الجهات والأطراف المعروفة بمعاداتها للنهضة وبحملاتها الإعلامية الكيدية ودأبها على تشويه الحزب وقياداته رغم ثبوت قرائن البراءة في كل القضايا المثارة" بحسب نص البيان.

وطالبت الحركة "بوضع حد لحملة الإيقافات العشوائية وحمّلت السلطة مسؤولية ما ينجر عنها" وقالت إنها تعلم "الجميع بأنها ستقوم بالتتبع القضائي لكل الأشخاص أو المؤسسات التي تنتهك سرية الأبحاث وتحاول مغالطة الرأي العام في وسائل الإعلام بقصد تشويه حركة النهضة وتلفيق التهم الكيدية لها".

واعتبرت أن ما يحصل هو "محاولة جديدة لصرف الرأي العام عن القضايا الحارقة التي تشغله في ظل انسداد الآفاق وانخفاض منسوب التفاؤل لدى التونسيين، وفشل خيارات سلطة الانقلاب" وفق تعبيرها.

كما نشرت الصفحة الرسمية لرجل الأعمال محمد فريخة ردا على توقيفه، قالت فيه إن خطأ محمد فريخة ربما يكون في انخراطه في الحياة السياسية ظنا منه أنه ربما بالعمل السياسي سيساهم في تحقيق الأفكار التي يحلم بها لتونس، لكنه لم يحسب حساب أن تونس بلد غير مستقر" بحسب البيان.

وأكدت الصفحة الرسمية لمحمد فريخة أن شركة "سيفاكس" مثل كل شركات الطيران في تونس وخارجها كانت مهمتها فقط بيع التذاكر بينما مهمة مراقبة المسافرين هي مهمة وزارة الداخلية والديوانة وحتى موظفي الشركة والطيران لا يصعدون الطائرة إلا بعد التفتيش والموافقة الأمنية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com