"لوفيغارو": أوكرانيا أحبطت المشاريع الجيوسياسية لثلاثة رؤساء أمريكيين
"لوفيغارو": أوكرانيا أحبطت المشاريع الجيوسياسية لثلاثة رؤساء أمريكيين"لوفيغارو": أوكرانيا أحبطت المشاريع الجيوسياسية لثلاثة رؤساء أمريكيين

"لوفيغارو": أوكرانيا أحبطت المشاريع الجيوسياسية لثلاثة رؤساء أمريكيين

رأت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أن هناك ثلاثة جوانب للفشل المستمر للبيت الأبيض أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن أوكرانيا أحبطت المشاريع الجيوسياسية لثلاثة رؤساء أمريكيين متعاقبين.

وتعامل كل رئيس من الرؤساء الثلاثة مع "الصراع الروسي الأوكراني" بشكل مختلف، حيثُ كان يتعامل باراك أوباما من خلال الحفاظ على مسافة بينه وبين الصراع بحذر وأهمل التهديد الروسي، بينما دونالد ترامب حاول الاستفادة من الصراع من دعمه لكييف، في حين ذهبت محاولة جو بايدن، الذي وجد نفسه في مواجهة حرب في أوروبا، عبثًا بعدم الانجرار إلى الصراع.

وبينت الصحيفة في تقرير، أن كلا من أوباما وترامب وبايدن قرر أنّ أوروبا لم تعد من أولوياته، وانتهت الحرب الباردة وكانت الولايات المتحدة بحاجة إلى توجيه مواردها إلى أماكن أخرى، الثلاثة رأوا أوكرانيا تعيدهم إليها.

ومنذ بدء الهجوم الروسي بدأت الانتقادات في واشنطن بالنظر إلى الماضي، فهي في حالة أوكرانيا متناقضة، حيثُ يعتقد البعض أنّ مساعدةً أمريكية كثيفة لهذا البلد كان يمكن أن تردع روسيا عن الهجوم، ويرى آخرون أنّ التدخل الأمريكي هو الذي أدى إلى العدوان الروسي.

ويقول سايمون مايلز، أستاذ التاريخ والاستراتيجية في جامعة ديوك الأمريكية إنّ "السؤال حول ما إذا كان يمكن لسياسات أخرى أن تدفع الكرملين إلى إعادة النظر في حساباته يظل مفتوحًا، لكنّ بوتين الذي رأيناه منذ بضعة أسابيع، منفعلا جدًا، يبدو كأنه يشير إلى أنّ قراراته لا تخضع لعوامل عقلانية للغاية، وأن نشر هذا أو ذاك النظام من الأسلحة لم يلعب دورًا كبيرًا في حساباته".

وفي بداية عام 2014 فاجأت الأزمة الأوكرانية أوباما، الذي تم انتخابه في عام 2008 لوضع حد للمغامرات العسكرية الأمريكية، وحصل على جائزة نوبل للسلام حتى قبل توليه منصبه، ولم يرغب أوباما في الانجرار إلى مواجهة مع موسكو.

وأعيد انتخاب أوباما في عام 2012 فسخِر خلال الحملة الانتخابية من خصمه الجمهوري، ميت رومني، الذي أكد أنّ روسيا تظل الخصم الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة، ورد أوباما حينها قائلًا، إن "الحرب الباردة انتهت منذ 20 عاما!"، وفي عام 2013 تراجع عن العمليات الانتقامية ضد هجمات كيماوية اتهمت الحكومة السورية بتنفيذها، تاركًا المجال مفتوحًا لبوتين.

خجل

وفي مواجهة الأزمة التي أثارتها ثورة الميدان في كييف، وتلاها ضمُّ روسيا لشبه جزيرة القرم وانفصال دونباس ظل أوباما حذرًا، وكانت خطبُه مليئة بالمثل العليا، لكنه كان واقعيًا، في ما يخص أن أزمةٌ سياسية في جمهورية سوفييتية سابقة لا تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة.

لم يكن يريد أن يجعل الأمور أسوأ مع روسيا، حيثُ فرض عقوبات محدودة على موسكو، وقدّم مساعدة للحكومة الأوكرانية الجديدة، التي طلبت المساعدة، لكنه رفض تسليم أسلحة، وكلف نائبه جو بايدن، بالتوضيح لأوكرانيا بعدم الاعتماد كثيرًا على الولايات المتحدة.

وبين أوباما أن "بوتين تصرف في أوكرانيا ردًا على دولة تابعة كانت على وشك الانزلاق بعيدًا عنه"، كما قال في مقابلة مع The Atlantic في عام 2016 "ستكون أوكرانيا عرضة للهيمنة العسكرية من قبل روسيا، مهما فَعلنا".

وحذّر خبراء في الشأن الروسي، أمثال فيونا هيل التي أصبحت فيما بعد مستشارة لترامب،، من خطر التصعيد، حيثُ كتبت في عام 2015 "يتمتّع بوتين بموقع مهيمن في أوكرانيا، وأيا كان الإجراء الذي قد نتخذه ضده فهو يملك ما يضاهيه وأن يذهب إلى أبعد من ذلك".

وكان "الخجل" من إدارة أوباما موضع انتقاد، إذ قال السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي تبنى قضية أوكرانيا، في عام 2015 "يُذبَح الأوكرانيون ونرسل نحن البطانيات والوجبات".

وفي تقرير نشرته مؤسسة "بروكينغز" في عام 2015 ناشد 8 من الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين السابقين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تقديم أسلحة لهذا البلد.

بينما يوضح ستيف بيفر، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا والموقّع على التقرير "لقد حصلنا على دعم العديد من الأشخاص في البنتاغون ووزارة الخارجية، في الواقع استطعنا أن نقنع الجميع تقريبًا، ماعدا الرئيس".

زلزال استراتيجي

ويُعتبر دخول ترامب إلى السلطة في شهر يناير/ كانون الثاني 2017 زلزالًا استراتيجيًا، إذ إن الرئيس الجديد لم يُخْفِ إعجابه بشخص فلاديمير بوتين، ولا نفوره من أنظمة التحالف، ولا سيما حلف الناتو، بل كان لا يثق في حكومته نفسها، بما في ذلك ما يسميه بالدولة العميقة، وكبار الموظفين المدنيين، والدبلوماسيين، والعسكريين المحترفين الذين يجسّدون استمرارية السياسة الأمريكية.

"كان ترامب مرتابًا في شأن إمداد أوكرانيا بالسلاح"، هذا ما قالته كاثرين كروفت، التي كانت عضوًا في مجلس الأمن القومي في ذلك الوقت، بشهادتها في ذلك الحين، مبينة أن ترامب كان أيضًا "يعتقد أنّ ذلك البلد فاسدٌ وغنيٌّ بما يكفي لدفع ثمن الأسلحة بنفسه".

ومع ذلك تمكّن الكونغرس وكبار المسؤولين الأمريكيين من إقناع ترامب بالتوقيع على تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ جافلين الشهيرة، وهي أحدث تكنولوجيا صواريخ أمريكية مضادة للدبابات.

وذكّرت سايمون مايلز أنه "في عهد ترامب سرعان ما وجدت البيروقراطية أنّ إحدى أفضل الطرق لإقناع الرئيس باتخاذ قرار هي اقتناعه أنها كانت سياسة لم يكن يريدها أوباما، أو أنها تسمح بإلغاء قرار اتخذه أوباما ".

وكانت تلك أوّل مساعدة عسكرية قتالية تقدّمها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، لكنها لا تزال مقتصرة على 37 محطة إطلاق من نوع "جافلين" و210 صواريخ، ولا سيما أنه يتم تخزين الأسلحة في غرب أوكرانيا لأغراض الردع الاستراتيجي.

في حين رأى ترامب الربحَ الشخصي، الذي يمكن أن يجنيه من هذه القضية، إذ إنه في ربيع عام 2019 حظر المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بشكل غامض، دون الإعلان عن القرار، وسعى بهدوء للحصول من الرئيس الأوكراني الجديد، فولوديمير زيلينسكي على معلومات حول خصمه الديمقراطي المستقبلي، جو بايدن الذي يعمل ابنه في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية.

وذهب مبعوثوه الشخصيون، ولا سيما محاميه رودي جولياني إلى كييف لمحاولة التأثير على الأوكرانيين، كما أنهم كانوا يبحثون عن دليل على التدخل الأوكراني في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الديمقراطيين، وكانت تلك نارًا مضادة أشعلتها الدعاية الروسية لإخفاء أفعالها.

وانفجرت القضية في سبتمبر/أيلول 2019 عندما حذّر أحد العملاء، يرجَّح أنه من عملاء وكالة المخابرات المركزية في البيت الأبيض، الكونغرس من أنّ ترامب حاول ابتزاز أوكرانيا، وفي يوليو/ تموز 2019 خلال مكالمة هاتفية طرح فيها زيلينسكي موضوع صواريخ جافلين الشهيرة فأخبره ترامب أنه سيكون هناك مقايضة، حيث قال له "لديّ خدمة أطلبها منك".

وخلال الأشهر التالية وضع التحقيق الذي فتحه الكونغرس وإجراءات المساءلة التي بدأت ضد ترامب أوكرانيا في مركز اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية، وبدأ عدد من الدبلوماسيين المحترفين، والمسؤولين الرئيسيين للسياسة الأمريكية في أوكرانيا يتوافدون للإدلاء بشهاداتهم علنًا، لوصف دخل الرئيس ومبعوثيه الخاصين في أوكرانيا.

ومنهم كبار المسؤولين، ماري يوفانوفيتش، السفيرة الأمريكية السابقة في كييف التي أقالها ترامب لعدم تعاونها بشكل كافٍ مع مبعوثيه الشخصيين، وخلفُها بيل تيلور، وكذلك فيونا هيل، مستشارة ترامب، المتخصصة في الشؤون الروسية، وألكسندر فيندمان، الأمريكي الأوكراني الأصل، المكلف بشؤون أوروبا الشرقية في البيت الأبيض.

وأكد المسؤولون جميعهم محاولة ترامب غير المعقولة جني مكاسب سياسية شخصية من قضية خطيرة تتعلق بالسياسة الخارجية، بعد أن برّأه مجلس الشيوخ رأى ترامب مع ذلك أفعاله في أوكرانيا وهي تنقلب ضدّه.

فرصة للحوار

لكنّ خليفته جو بايدن لا يرى أوكرانيا كأولوية، حيثُ كادت قضيةُ تجارة ابنه في أوكرانيا تكلفه انتخابه، وتقع أولوياته الاستراتيجية في مكان آخر، مثل الصين وهي المنافس الأكبر للولايات المتحدة، ويريد بايدن تركيز جهوده على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وليس على أوروبا الآن.

وإذا لم تكن لديه أوهام بشأن بوتين فإنه يأمل في أن يقيم معه "علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها"، لكنه يريد أيضًا إعطاء فرصة للحوار، وأن يتناوب مع نظيره الروسي مزيجًا من الحزم والانفتاح، وكان أحد قراراته الأولى بعد توليه منصبه هو تمديد معاهدة تخفيض الأسلحة مع روسيا لمدة 5 سنوات.

كما رفع العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب على خط أنابيب الغاز الروسي الألماني "نورد ستريم 2"، وعندما حشدت روسيا قواتها لأوّل مرة على الحدود الأوكرانية في ربيع عام 2021 عرض على بوتين عقد اجتماع قمة، وكعلامة على التهدئة علّق مؤقتًا المساعدة العسكرية لأوكرانيا خلال الأسابيع التي سبقت اجتماعهما.

كما أنّ الرئيس الجديد كان ملتبسا إزاء كييف، إذ واصلت إدارته تسليم الأسلحة إلى هذا البلد، لكنه لم يعيّن سفيراً في أوكرانيا، وفي سبتمبر/ أيلول الماضي استقبل الرئيس زيلينسكي أخيرًا في البيت الأبيض وأعلن عن مساعدة عسكرية جديدة بقيمة 60 مليون دولار، وشحنات "جافلين/Javelin" جديدة، إلا أنه رفض توريد صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، أو صواريخ هاربون المضادة للسفن.

وفي الشهر التالي وقّعت واشنطن شراكة استراتيجية مع كييف، لكنّ الأوكرانيين لم يحصلوا على أي وعود من بايدن بشأن احتمال انضمامهم إلى الناتو.

ويحاول بايدن تحقيق توازن دقيق لردع بوتين من خلال تهديدات العقوبات، بينما يستبعد التدخل العسكري في أوكرانيا، والرئيس يضاعف التحذيرات للعالم كله، وللأوكرانيين أنفسهم حول اقتراب غزو، ولكونه كان على حقّ فقد أصبحت أوكرانيا التحدي الأكبر لولايته.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com