فرحات مهني زعيم حركة "ماك" الجزائرية.. رجل بحياتين (فيديو إرم)

كان يمكن للمعارض الجزائري فرحات مهني أن يتابع حياته بملء قاعات العرض الفني الغنائي الأمازيغي، وساحات الاحتفالات، لكنه أسس لنفسه طريقا آخر بلحن سياسي حقوقي.

انتشر اسم مهني في الإعلام بعد إصدار السلطات الجزائرية مذكرة توقيف دولية بحقه بتهمة الضلوع في إشعال حرائق شهدتها عدد من الغابات خصوصا بمنطقة القبائل شمال شرق البلاد، فيما عرف محليا بـ"الإرهاب الأخضر" صيف 2021.

تبدو حياة فرحات مهني مركبة فبعد ولادته في الخامس من مارس/آذار 1951 في قرية إيلولة بمحافظة تيزي وزو بمنطقة القبائل، عايش ملحمة "الدم والرصاص" لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، ثم تابع تعليمه في دولة الاستقلال الوليدة فنال شهادة الثانوية العامة سنة 1972 وتخرج بعدها في جامعة الجزائر للعلوم السياسية، معقل التيارات الأيديولوجية المختلفة وساحة النقاش المفتوح حول هوية البلاد، في ذلك الوقت، وفي كل ذلك كان مهني يتبنى بصفة أولية أيديولوجيا الغناء القبائلي فقط.

بعد فوزه مع مجموعته "إيمازيغن إيمولا" بالجائزة الأولى لمهرجان الجزائر للموسيقى الحديثة بدأ الشاب الثلاثيني حينها يستطعم مذاق السياسة المتنوع فدخلها من مطبخها النضالي بمشاركته الفاعلة في مظاهرات الربيع الأمازيغي سنة 1989، وبات واحدا ممن يعرفون بلائحة الأربعة والعشرين معتقلا، لينسج صداقة طويلة مع رفيق دربه السياسي سعيد سعدي ويؤسسان بداية التسعينيات حزبا ذا مرجعية علمانية، هو التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ثم ذراعين إعلاميين نضاليين هما مجلتا "تافتيلت" وتعني بالأمازيغية النور التي صارت بعد مدة "إيتري" ورديفتها العربية النجم.

حمل مهني ما يسميه أوزار المسار الطويل من النضالات القبائلية بربيعها الملون من أخضر سنة 1980 ورفع مطالب لغوية محضة تتعلق باللغة الأمازيغية إلى ربيع أسود عام 2001 وصعد السقف المطلبي نحو المطالبة بحكم ذاتي لمنطقة تشمل 2% من المساحة الإجمالية للجزائر أكبر البلدان الأفريقية جغرافيا.

ومع النضال السياسي والحقوقي كمؤسس للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان ترك مهني خيطا رفيعا للغناء والفن، كتعبير ثقافي مواز فأنتج ألبوم أغاني "النار والماء" نهاية التسعينيات في جمع لسردية الوجود والفناء.

نار الانفصال

عمل تاريخ الرابع والعشرين من أغسطس/آب 2001، على تغيير سيرة مهني ومساره بتأسيس حركة استقلال منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ"ماك" واتخاذه من فرنسا مقرا لها، لكن كانت أعلى درجات ليّ الذراع مع السلطات الجزائرية هي إعلانه من باريس حكومة القبائل المؤقتة في شهر يونيو/حزيران من 2010 المكونة من تسعة وزراء، ومنذ تلك الفترة تصف الصحافة الجزائرية فرحات بمشعل نار الانفصال.

بدَّل مهني من قواعد الاشتباك مع السلطات الجزائرية التي جردته من جنسيته بمحاولة إرساء دبلوماسية ناعمة تحاول التعريف بالهوية الأمازيغية، وحقها في تحديد مصيرها واقتلاع اعتراف دولي بها، لكنه لم يحقق اختراقا كبيرا لتزيد زيارته لإسرائيل، والحديث حول دعم المغرب المنافس الإقليمي للجزائر له، من التسييج حول كلمته التي كانت يوما ما مسموعة داخل بلاده.

أما الآن فيُطرح السؤال ما إذا كان مهني سيؤسس لحياة ثالثة في سن السبعين، وهو الذي سبق أن أنقذته قوات فرنسية خاصة من الموت، عندما اختطف مسلحون طائرة تابعة للخطوط الفرنسية بمطار الجزائر في 1994.