لبنان على شفا "أزمة جديدة".. ما تداعيات أعمال العنف الأخيرة في بيروت؟
لبنان على شفا "أزمة جديدة".. ما تداعيات أعمال العنف الأخيرة في بيروت؟لبنان على شفا "أزمة جديدة".. ما تداعيات أعمال العنف الأخيرة في بيروت؟

لبنان على شفا "أزمة جديدة".. ما تداعيات أعمال العنف الأخيرة في بيروت؟

بدأ اللبنانيون صباحهم اليوم الجمعة، وسط إقفال عام في البلاد، حداداً على أرواح ضحايا الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الطيونة في بيروت، أمس الخميس، فيما تتركز الأنظار على قراءة التداعيات المتعلقة بالتصريحات النارية المتبادلة بين "حزب الله" و"حزب القوات اللبنانية" بشأن تحديد هوية الجهة المسؤولة عن تلك الأحداث.

وأعربت دوائر سياسية وأمنية وإعلامية مختلفة في العاصمة اللبنانية عن الخشية من أن يؤدي التراشق في إطار البيانات والتصريحات الصادرة عن كلا الحزبين إلى تأجيج الرأي العام في أوساط مناصريهما، ما قد يتسبب في إحداث "ماس مفاجئ" في خطوط التوتر عالي الطائفية والمذهبية في البلد، تمهيداً لوقوع مواجهات عسكرية من شأنها أن تكون أكثر إيلاماً، وربما أكثر دموية، من أحداث الأمس.

ورغم أن الرئيس اللبناني ميشال عون أكد أن محاسبة المسؤولين عن تلك الأحداث ستتم، قائلاً في كلمة له أمس: "لن نسمح لأحد أن يأخذ لبنان رهينة لمصالحه وحساباته"، مشدداً أنه لن يتساهل أو يستسلم "لأي أمر واقع يسعى لنشر الفتنة"، فإن احتمالات تفجر الأوضاع مجدداً تبقى قائمة حتى إشعار آخر، لاسيما في ظل انتشار ترسانات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة غير الشرعية فوق معظم الأراضي اللبنانية.

وكانت غالبية الإطلالات الإعلامية لعدد كبير من الباحثين والمحللين السياسيين في سياق التغطيات المتواترة لأحداث الأمس، تضمنت إشارات واضحة حول نقطة بالغة الأهمية مؤداها أن العادة درجت على أن يرفع المتظاهرون في مسيراتهم الاحتجاجية يافطات وشعارات مطلبية وليس على أن يحملوا الرشاشات الأوتوماتيكية وقاذفات الـ"اآر بي جي 7"، على غرار ما فعله أنصار "حزب الله" و"حركة أمل" أثناء توجههم صباح أمس إلى قصر العدل للاحتجاج على ما يصفونه بـ"انحياز واستنسابية" المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار.

وفي هذا الإطار، جدد نائب رئيس تيار المستقبل والنائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، التأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن اجتياز الوضع الأمني الناجم عن أحداث منطقة الطيونة في بيروت لأن "ما حصل البارحة خرج عن أي نوع من السيطرة ولأول مرة يكون هناك تبادل لإطلاق النار من جهتين، في حين أنه في السنوات الماضية كان إطلاق النار من جهة واحدة وهذا ما يقلقني".

وقال علوش في اتصال هاتفي مع "إرم نيوز"، اليوم الجمعة، "إن "الطرف الأول معروف ومؤلف من المسلحين التابعين لحزب الله وحركة أمل بينما الطرف الآخر لا يزال مجهول الهوية"، موضحاً أن "حزب الله قام بخطوة ناقصة وكُسرت هيبته لأول مرة في كل من مناطق خلدة في بيروت وجويا في الجنوب وفي الطيونة يوم أمس".

وعبّر علوش عن اعتقاده بأن "هناك جهات قد يكون من مصلحتها استدراج حزب الله إلى ردات فعل يمكن أن تؤدي إلى وضع لبنان في أمسّ الحاجة إلى إعادة رسم الخرائط من أجل حماية الأقليات عن طريق طلب الحماية الدولية" لهم، الأمر الذي يعيد "الأجواء العصيبة التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية عام 1975".



علاوة على ذلك، فإن ثمة نقطة أخرى مهمة، تتمثل في أن المحتجين دخلوا في أحد شوارع منطقة عين الرمانة المعروفة بولاء غالبية سكانها لحزب القوات اللبنانية عوضا عن التوجه المباشرة صوب قصر العدل، ما فُسر على أنه يندرج في سياق خطوة تستهدف استفزاز أولئك السكان، لاسيما أن حزب القوات أثنى في أكثر من مناسبة على نزاهة الدور الذي يلعبه القاضي بيطار في تحقيقات المرفأ، شأنه في ذلك شأن شرائح مختلفة في المجتمع اللبناني.

ومعلوم أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله كثف خلال إطلالاته التلفزيونية في الآونة الأخيرة من منسوب انتقاداته لأداء القاضي بيطار، بالتزامن مع قيام الحاج وفيق صفا، أحد المسؤولين البارزين في الحزب، بالذهاب إلى قصر العدل وتوجيه رسالة وصفت بـ"التهديدية" للقاضي اللبناني عن طريق إحدى المراسلات الصحفيات الميدانيات التي كانت تقوم بتغطية جلسة مقررة هناك، الأمر الذي أثار موجات عارمة من التعاطف مع شجاعة بيطار ومن الإدانة لممارسات صفا.

والمعروف أن القاضي بيطار عين محققاً عدلياً في 18 شباط/فبراير من العام الجاري، خلفاً للقاضي فادي صوان الذي تمت تنحيته على خلفية ضغوط سياسية لبنانية محلية.

ورغم أن طلبات الاستدعاء التي تقدم بها بشأن التحقيقات في انفجار المرفأ يوم 4 آب/أغسطس العام 2020 اشتملت على أسماء شخصيات رسمية لبنانية تنتمي إلى كافة الطوائف والمذاهب في البلد، فإن ذلك لم يحل دون قيام الأمين العام لحزب الله في 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري بالتنديد بما وصفه بـ"استنسابية" المحقق العدلي، مطالبا بقاض "صادق وشفاف" لاستكمال التحقيق في القضية.

وربما هذا الكلام هو الذي دفع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى القول أمس الخميس، في معرض تعليقه على الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الطيونة: "ما حصل اليوم نتيجة عملية للشحن الذي بدأه نصر الله والتحريض ضد المحقق العدلي"، مستنكراً تلك الأحداث، ومعتبراً أن سببها الرئيسي هو "السلاح المتفلت"، ونافيا تورط عناصر من حزبه في إطلاق النار، داحضاً بذلك الاتهامات التي وردت في بيان حزب الله البارحة عن أن القناصة الذين أطلقوا النار على المحتجين ينتمون إلى حزب القوات اللبنانية.

وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، برز موقف لافت لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي قال فيه إن حكومته باقية لمعالجة قضية تحقيق انفجار بيروت بهدوء، مؤكداً على استقلالية القضاء، ومنوهاً بأن الحكومة "سلطة تنفيذية" ولا تستطيع التدخل في القضاء.

ولكن النائب السابق مصطفى علوش أكد في الاتصال الهاتفي مع "إرم نيوز" أن الحكومة التي "رُكّبت للتفاهم مع صندوق النقد الدولي ولاستدراج بعض المساعدات لإدارة الأزمة ستكون ميتة سريرياً، إلا إذا تراجع حزب الله عن مطالبه بإقالة المحقق العدلي طارق بيطار، لأنها وفي حال القيام بإزاحته كما يريد الحزب، فلا أحد سيمد يد المساعدة، كما أن هناك الكثير من العراقيل الداخلية التي قد تدفع الحكومة إلى الاستقالة".



كما برز موقف لافت آخر لرئيس مجلس الوزراء الأسبق سعد الحريري قال فيه: إن "ما حصل اليوم في بيروت من مشاهد إطلاق نار وقذائف وانتشار للمسلحين أعادنا بالذاكرة لصور الحرب الأهلية البغيضة، وهو أمر مرفوض بكل المقاييس"، داعياً الجيش والقوى الأمنية لاتخاذ أقصى الإجراءات والتدابير لمنع كل أشكال إطلاق النار، وتوقيف المسلحين وحماية المدنيين ومنع الاعتداء عليهم وحماية الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السلم الأهلي.

أما دولياً، فقد سارعت فرنسا إلى التعبير عن قلقها إزاء أعمال العنف الدامية التي جرت في لبنان، ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة.

وأكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنه لا بد أن يكون القضاء اللبناني قادراً على التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بطريقة مستقلة ومحايدة.

من جهتها، وبالنظر إلى تزامن وقوع الأحداث الدامية مع وجودها في بيروت للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند أن "الولايات المتحدة ستقدم دعماً إضافياً بقيمة 67 مليون دولار للجيش اللبناني"، لافتة إلى "أن الشعب اللبناني يستحق الأفضل".

وكان الجيش اللبناني قد أشار إلى أنه بتاريخ 14 أكتوبر 2021، وأثناء توجّه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة - بدارو، ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح.

وأضاف في بيان: "على الفور، عزّز الجيش انتشاره في المنطقة، وسيّر دوريات راجلة، كما دهم عدداً من الأماكن بحثاً عن مطلقي النار، وأوقف تسعة أشخاص من كلا الطرفين بينهم سوري، وبوشرت التحقيقات مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص".

وأعلنت قيادة الجيش أنها أجرت اتصالات مع المعنيين من الجانبين لاحتواء الوضع ومنع الانزلاق نحو الفتنة، وتجدد القيادة تأكيدها عدم التهاون مع أي مسلح، فيما تستمر وحدات الجيش بالانتشار في المنطقة لمنع تجدد الاشتباكات".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com