"الرضوخ السياسي مقابل الرخاء".. هل تنجح إيران في استنساخ تجربة صعود الصين؟
"الرضوخ السياسي مقابل الرخاء".. هل تنجح إيران في استنساخ تجربة صعود الصين؟"الرضوخ السياسي مقابل الرخاء".. هل تنجح إيران في استنساخ تجربة صعود الصين؟

"الرضوخ السياسي مقابل الرخاء".. هل تنجح إيران في استنساخ تجربة صعود الصين؟

خضعت إيران والصين العام 1979 لتحولات ثورية، حيث أقام دنغ شياو بينغ في الصين علاقات دبلوماسية رسمية مع الولايات المتحدة، رافضًا الثورة الثقافية الماوية التي دمرت البلاد، وفي إيران، تم استبدال الشاه محمد رضا بهلوي بنظام إسلامي ملتزم بمعارضة الولايات المتحدة، وتصدير أيديولوجيتها الثورية.

وفي حين أدت الأحداث إلى وصول الصين إلى ثروة وقوة لم تشهدهما من قبل، تركت تحولات إيران البلاد غارقة في ركود اقتصادي، وفقًا لتقرير مجلة فورين بوليسي.

ومن المقرر أن يتم تنصيب إبراهيم رئيسي كثامن رئيس لإيران منذ ما سميت بـ"الثورة الإسلامية"، في 5 آب/أغسطس المقبل، في حين كانت إدارة بايدن حريصة على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني قبل أن يتولى الرئيس الجديد المتشدد منصبه، إلا أن الخبراء يقولون إنه ما من داعي للقلق.



فإذا اختارت الإدارة الأمريكية الاستمرار في الضغط على إيران حتى تعود إلى الامتثال للاتفاق النووي، فقد يوقع رئيسي على خطة العمل الشاملة المشتركة القديمة، لأنه سيكون بأمس الحاجة إلى تخفيف العقوبات لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تهدد وجود النظام الإيراني.

ووفقًا لمجلة "فورين بوليسي"، من المتوقع أن يعطي رئيسي الأولوية للنمو الاقتصادي، ويسعى إلى تقاسم الأرباح مع الإيرانيين لاستعادة شرعية النظام، وإذا نجح بذلك، سيكون الأمر أشبه بنموذج الصين لـ"الازدهار الاستبدادي".

إلا أن تاريخ إيران، والطبيعة الثورية الإسلامية للنظام، وهيكل الاقتصاد الإيراني، بحسب التقرير، يرجح عدم نجاح هذا النموذج في البلاد، حيث من المستبعد أن يتبنى النظام الإيراني "نموذج الصين" في التنمية.

ولا يعتبر اعتماد إيران للنموذج الصيني جديدًا، حيث ظل القادة الإيرانيون والمحللون ذوو العقلية الإصلاحية يتحدثون عن هذا المصطلح منذ عقود، ولكن حتى الآن، لم يتمكن حكام إيران من تبني نسخة إيرانية من النموذج الصيني، والتي من شأنها أن توفر الازدهار، وتحرير اقتصادي محدود لتهدئة السكان المضطربين سياسيًا.

ومع ذلك، كما يورد تقرير المجلة، يحافظ قادة طهران على آمالهم، فقد حفزت العلاقات الاقتصادية الجديدة مع بكين الأمل في أنه مع تخفيف الرئيس الأمريكي جو بايدن للعقوبات، ستجتمع جميع المكونات الضرورية لاعتماد النموذج الصيني.



ويرى الإيرانيون أن"الاقتصاد الإيراني قد عانى لأن العالم هاجم الجمهورية الإسلامية على برنامجها النووي المشروع، وسياستها لمساعدة جيرانها وإخوانها في الدين ضد العدوان الخارجي"، وسعى قادة طهران مجتمعين تحت شعار "المقاومة"، إلى تصوير سوء إدارتهم الاقتصادية على أنها نتاج قوى خارجية.

إلا أن المشكلة هي أن الإصلاحات الاقتصادية الصينية بدأت العام 1979 كمحاولة شعبية فرضت على دولة الحزب بسبب فشل الاقتصاد الموجه، في حين تعتمد إيران على صادرات الموارد أكثر بكثير من اعتمادها على مشاركة المواطنين في الاقتصاد.



وجاء التحرير الاقتصادي الصيني العام 1979 بعد ثورة ماو تسي تونغ الثقافية "الكارثية"، بحسب تعبير فورين بوليسي، بين عامي 1966 و1976، وأنتج الاقتصاد الموجه المقترن بالفوضى السياسية صدمة هائلة في البلاد، ولكنه بحلول أوائل السبعينيات، بدأ الفلاحون جنوب شرق الصين أنشطة تجارة دون استشارة الدولة، وأصبحت مقومات الاقتصاد المستقل عن الدولة موجودة بالفعل.

وفي أعقاب الثورة الثقافية، أدرك دينغ، خليفة ماو، أنه إذا لم تستطع دولة الحزب إيقاف هذا السوق، فعليها أن تجعله مفيدًا لمصالحها، كما أدرك دينغ أنه لكي يحافظ الحزب الشيوعي الصيني على هيمنته السياسية، عليه أن يحقق نموًا اقتصاديًا حقيقيًا، لذلك شرع الحزب في التخلص من الماويين وتحرير الاقتصاد من القاعدة إلى القمة، والتخلي تدريجيًا عن الاقتصاد الموجه"، كما تقول "فورين بوليسي".



وكان الإنجاز الرئيس للحزب الشيوعي الصيني هو السماح للمواطنين الصينيين بالتمتع بدرجة عالية من الحرية الاقتصادية، وتقاسم مكاسب النمو الاقتصادي الموجه من الدولة.

وعلى مدار العقود الأربعة الماضية، بنى دينغ وخلفاؤه شرعية الحزب الشيوعي الصيني على النمو الاقتصادي السريع، والتحسن الملموس في مستويات المعيشة، وبالفعل خلقت قدرة الحزب على الوفاء بوعوده الاقتصادية، دعمًا شعبيًا كبيرًا، رغم نقطة الاختناق التي وصل إليها نموذج التنمية خلال السنوات الأخيرة، وتدهور الحرية السياسية في البلاد.

وبالمقارنة، حكم إيران نظام صارم من رجال الدين الثوريين المتشددين منذ العام 1979، بعد أن استولى النظام الديني على السلطة عندما عجز الشاه عن كبح الإحباط الشعبي المتزايد، رغم تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام.



وبنى نظام ما بعد الشاه عقب العام 1979 شرعيته على الدين، والحساسية المفرطة للسيادة، والشعور المتضخم بالقوة الإيرانية، ولم تأخذ الحرية السياسية ولا النمو الاقتصادي للشعب الإيراني في الاعتبار، سواء كصمام أمان لتقليل الضغط الاقتصادي المحلي، أو كجزء من النموذج الصيني الذي يعتمد على مقايضة "الرضوخ السياسي مقابل الرخاء"، كما تذهب "فورين بوليسي.

وتبرر القيادة الإيرانية الوضع المتردي بالخلاص الديني، حتى لو فشلت اقتصاديًا، وترى شرعيتها متأصلة في الإسلام، وليست مكتسبة، وهي مبنية على مفهوم الحكم الإسلامي والثوري المستمر.

لذلك، لا يعتبر النموذج الصيني الحقيقي جذابًا لملالي طهران أو القادة العسكريين التابعين للحكومة في فيلق الحرس الثوري الإسلامي، فالنظام مقتنع بأن الحفاظ على ولاء زمرة من النخب، وقمع أي تحدٍ بوحشية مع الحفاظ على مظهر دولة الرفاهية أمام الطبقات الدنيا من المجتمع هو الصيغة السرية الأساسية لاستمرارية النظام.

يذكر أنه في خضم الانطلاق الاقتصادي للصين في أوائل التسعينيات، طرح دينغ إستراتيجية موجزة فيما يتعلق بدور الصين في النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، حيث أكد للصينيين والأجانب على حد سواء أنه ستكون هناك بيئة سياسية مستقرة في الصين للتنمية الاقتصادية.

إلا أنه في حالة إيران، فعلى الرغم من أن النظام بدأ يتبنى فكرة محاكاة النموذج الصيني بجدية أكبر، إلا أن حالة "الثورة الدائمة" في البلاد ستمنع النموذج من العمل.. فالثورة الإسلامية المستمرة في إيران، وعداء النظام الجوهري تجاه الغرب، خاصة الولايات المتحدة، يتعارضان مع هدف توفير البيئة السياسية الداخلية والخارجية المستقرة اللازمة لتحقيق نمو اقتصادي مطرد يتجاوز تصدير الموارد الطبيعية.



ولن يساعد رئيسي، ولا شي جين بينغ، ولا أصدقاء إيران في إدارة بايدن، طهران على اعتماد النموذج الصيني، بحسب المجلة، والنمو الاقتصادي الذي قد يكون نتيجة تخفيف العقوبات، أو إبرام صفقات جديدة مع الشركات الصينية لن يركز على تأمين الشرعية للقوى الموجودة في طهران، وذلك لأن آية الله علي خامنئي، والرئيس الذي اختاره، لا يعتقدان أنه يجب عليهما السعي وراء الشرعية من الشعب الإيراني، ولا يوجد أي دليل على رغبة النظام في توفير مكاسب اقتصادية للشعب.

وبدلًا من ذلك، سيتم استخدام أي مكاسب تحققها إيران كما حدث من قبل، لاسترضاء النخب من خلال السلطة والثروة، وتقوية النظام وتأمين سلطته، وتعزيز أجندته الإقليمية من خلال دعم الوكلاء مثل حزب الله، وتمويل برنامج الصواريخ الإيراني، كما تقول فورين بوليسي.

وسيظل القادة الإيرانيون يفضلون "النموذج الإيراني" على "النموذج الصيني"، بغض النظر عن الفوائد التي يمكن أن تعود على إيران من استيراد إصلاحات دينغ.

وأجبرت الظروف التاريخية الشيوعيين الصينيين الداعمين لدولة الحزب الواحد على التخلي عن الثورة السياسية لاحتضان الثورة الاقتصادية، وركزوا على منح الشعب مكاسب اقتصادية مقابل الرضوخ السياسي، في حين لا يرى قادة إيران أنهم بحاجة إلى شرعية شعبية للحكم، وللبقاء في السلطة سيتجنب رجال الدين في طهران إثراء الشعب الإيراني، خشية من أن يبدأ في المطالبة بمزيد من الحقوق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com