نيويورك تايمز: العودة إلى الميليشيات طريق نحو الحرب الفوضوية في أفغانستان
نيويورك تايمز: العودة إلى الميليشيات طريق نحو الحرب الفوضوية في أفغانستاننيويورك تايمز: العودة إلى الميليشيات طريق نحو الحرب الفوضوية في أفغانستان

نيويورك تايمز: العودة إلى الميليشيات طريق نحو الحرب الفوضوية في أفغانستان

بعد انسحاب القوات الأمريكية التي ساعدت على درء تقدم حركة طالبان، حاولت الحكومة الأفغانية التصدي للمتمردين بالقوات النظامية فقط، ولكنها فشلت فشلا ذريعا، أدى إلى انسحاب هذه القوات وتركهم المعدات العسكرية للمتمردين.

ولذلك لجأت الحكومة مرة أخرى للميليشيات، الأمر الذي قد يحل مشكلة طالبان، مع العودة بالبلاد إلى الوضع الذي أدى إلى الحرب الأهلية في التسعينيات.

وُلد أوميد وحيدي بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في عام 2001، وكانت معظم طفولته سلمية، حيث كانت عائلته تزرع الباذنجان والطماطم والبامية في شمال البلاد، وهو يتذكر الجنود الأجانب الذين ألقوا الكتب إليه أثناء خروجه من المدرسة.

ولكن الآن يحمل وحيدي رشاش كلاشينكوف كما لو كان يعرفه منذ سنوات، على الرغم من أن المرة الأولى التي سحب فيها الزناد في المعركة كانت قبل أسابيع فقط.



وقال وحيدي في مقابلة في وقت سابق من الشهر الجاري: "لم أكن أعتقد أنني سأضطر للقتال".

ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تعتبر البندقية والتي تبلغ ضعف عمره والتي محت آخر بقايا طفولة وحيدي هي نتيجة ثانوية للقلق خلال الشهرين الماضيين عندما اجتاح هجوم طالبان جميع أنحاء البلاد.

وكان وحيدي واحدا من العديد من الأفغان الذين انضموا في حملة تجنيد للميليشيات بينما تكافح القوات الحكومية لصد طالبان.

وحمل المئات من المتطوعين السلاح حول مزار الشريف، المركز الاقتصادي الشمالي بالقرب من مسكن وحيدي، لحماية منازلهم ودون قصد، المصالح التجارية لأمراء الحرب ووسطاء السلطة الذين ينظمون حركة الميليشيا.



ولا تعتبر هذه الميليشيات جديدة في أفغانستان، وغالبًا ما كانت تحت رعاية الحكومة وحملت العديد من الأسماء في العقدين الماضيين بما في ذلك "الشرطة المحلية" و"الجيش الإقليمي"، و"قوى الانتفاضة الشعبية"، و"الميليشيات الموالية للحكومة"، وغيرها.

إلا أن ما حدث في جميع أنحاء البلاد في الأسابيع الأخيرة، بمشاركة القادة الأفغان، هو طفرة جديدة يخشى الكثيرون أنها تشبه الطريقة التي أوقعت أفغانستان في الحرب الأهلية في التسعينيات.

فما يحدث في أفغانستان لا يبشر بالخير لاستمرار الحكومة الوطنية ذات السلطة والمركزية التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها تنصيبها هناك.

وقال وحيدي: "آمل أن يحل السلام في أفغانستان" قبل أن يحمل بندقيته ويصعد على متن دراجته النارية المزينة بالعلم الأفغاني، وينطلق إلى المدينة للقاء بقية أفراد الميليشيا.



وتتمركز الميليشيات التي تشكلت حول مزار الشريف وأماكن أخرى في الشمال على مدى الشهرين الماضيين في مواقع تشكل نوعا من الحزام الدفاعي الفضفاض، مكملا للقوات الحكومية التي لم تنسحب أو تستسلم بعد.

وخففت حركة طالبان من بعض هجماتها في الأيام الأخيرة، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان للميليشيات علاقة بذلك، ولكن وجود الميليشيات في الميدان واضح بلا لبس، فهم يتحركون في خليط من المركبات بعضها خاص، مثل شاحنة صغيرة كانت مملوكة من قبل لشركة مقاولات قامت بتركيب مراحيض محمولة على القواعد الأمريكية، والبعض الآخر تم الاستيلاء عليه من الوحدات الأفغانية التي فرت.

وغالبًا ما تكون النقاط العسكرية للميليشيات عبارة عن خنادق محفورة أو منازل فارغة، ويحرسها عصابة ترتدي ملابس مختلفة تتنوع بين الملابس المدنية والسترات الجلدية المطرزة.

وفي شمال شرق مزار، تم تجهيز أعضاء الميليشيات الأوزبكية الموالين لأمير الحرب المرشال "عبدالرشيد دوستم"، ببنادق آلية جديدة يبدو أنها صناعة صينية ولكن لا أحد يعرف مصدرها الحقيقي، كما حصنوا خطوطهم الأمامية بحفر الخنادق.

وتبدو التحصينات المغطاة بالغبار وكأنها تنتظر هجومًا أماميًا من قبل جيش ميكانيكي، حيث استولت طالبان على مئات المركبات المدرعة، بما في ذلك الدبابات، في أماكن انهارت فيها قوات الأمن.



وعلى بعد ربع ميل من خط الجبهة الأوزبكية يقع منزل غير مكتمل تدافع عنه عائلة من الهزارة، وهي أقلية عرقية وذات أغلبية شيعية تعرضت للاضطهاد خلال تاريخ أفغانستان الحديث.

وحول مزار الشريف خاصة، استغلت القوات المحلية مجتمع الهزارة لتجنيد الشباب لميليشيات "المفتاح الواحد" غير الشرعية وغير المسجلة، والذين يتم خداعهم للدفاع عن النقاط العسكرية المرجح سقوطها.

ويقود المجموعة التي تحرس هذه النقطة الصغيرة "موسى خان الشجعي" (34 عاماً)، ويديرها حوالي عشرة من أقاربه الذين لم يتلق أي منهم تدريبات عسكرية تذكر، وكان بعضهم صغار السن بما يصل إلى حوالي 15 عامًا.

وقال الشجعي إنه لو لم تهاجم طالبان ضواحي مزار الشريف في أواخر الشهر الماضي، لكان يعتني بمتجره الصغير في المدينة الآن.

وشرح: "كيف يمكنني أن أدير متجري بدون أمان؟"، موضحا سبب حمله الآن لبندقية وإغلاق متجره.



وكثير من أعضاء الميلشيا، مثل الشجعي ووحيدي، تورطوا في ضراوة الحرب، ووجدوا أنفسهم على الجبهة بطموحات نبيلة تتمثل في الدفاع عن منازلهم وعائلاتهم وربما في يوم من الأيام عن جيرانهم، من غزو طالبان، إلا أن بعض أعضاء هذه الميليشيات ليسوا مجندين جددا.

ففي قرية "نهر شاهي"، وهي منطقة تقع على حدود الروافد الشمالية لمزار، تضم الجبهة الأمامية للميليشيات هناك أعضاء ميليشيات "الهزارة" الأفغانية الذين قاتلوا مع كتائب فاطميون الإيرانية في العراق وسوريا، وحارب مقاتلون وقادة آخرون السوفييت في الثمانينيات أو طالبان في التسعينيات.

وانضم بعض أعضاء الميليشيات إلى قوات الأمن الحكومية في أعقاب الغزو الأمريكي في عام 2001 وتقاعدوا واحدا تلو الآخر، قبل أن يضطروا الآن لحمل الأسلحة مرة أخرى، وهي دورة يبدو إيقافها غير ممكن في أفغانستان.

وكان محي الدين صديقي (37 عامًا)، ضابط شرطة قبل 6 سنوات قبل أن يعود إلى مزرعته للقمح والقطن في منطقة ديدادي، وهي منطقة ريفية مهمة في غرب مزار.

وفي أحد الأيام في منتصف يوليو جلس في مركز شرطة منطقته، في انتظار التسجيل كعضو جديد في الميليشيا، وقال وهو محاط بمجموعة جديدة من المقاتلين الذين غادروا أيضًا نفس القرية: "لم أكن أعتقد أنني سأضطر إلى حمل مسدس مرة أخرى".



ووصلت أسلحة المجموعة في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة قبل بضعة أيام من تجنيد صديقي، ويبدو أن الحكومة منحتها الموافقة والذخيرة الكافية لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

ودخلت طالبان قرية صديقي في هجوم بالقرب من مزار الشهر الماضي، واستولوا عليها قبل حوالي 20 يومًا، ولا تزال عائلته هناك تحت حكمهم المتشدد الذي يمنع النساء من مغادرة المنزل بدون مرافقة أحد أفراد الأسرة.

ويتم دعم كل هذه الميليشيات المتنوعة من قبل الحكومة ووسطاء السلطة المحليين الذين يغمرون السكان الذين أنهكتهم الحرب بمزيد من الأسلحة، على الرغم من قلة الإشراف، للحفاظ على الأراضي التي لا تزال تحت سيطرتهم.

وقال عطا محمد نور، الحاكم السابق لإقليم بلخ وأحد القادة الرئيسيين لهذه الميليشيات الجديدة، في مقابلة حديثة مع صحيفة نيويورك تايمز: "لدينا الآن عدو مشترك".

وخلال الحرب الأهلية، كان نور أحد أمراء الحرب وقائد "الجمعية الإسلامية"، وهي حزب إسلامي في شمال البلاد، ثم أصبح حاكم بلخ بعد فترة وجيزة من الغزو الأمريكي في عام 2001 ورفض ترك منصبه بعد أن أقاله الرئيس أشرف غني في عام 2017، وبعد هجوم طالبان، عاد نجمه للصعود مرة أخرى، وفي يوم الثلاثاء التقى بالرئيس أشرف غني، على الرغم من علاقتهما المشحونة.



وتحدث نور من إحدى غرف اجتماعاته في مجمعه السكني الواسع في مزار الشريف هذا الشهر، وقال إن قوات الأمن قد فشلت، وإن الميليشيات الجديدة قد تم تجهيزها بـ "مواردنا الخاصة"، والتي تشمل الطعام والمال والأهم من ذلك كله الناس.

يذكر أن عباس إبراهيم زادة، رجل أعمال وسياسي مؤثر آخر في مزار، يوفر الطعام للميليشيات من مطابخ عملاقة بجوار مقره، بينما ينمي هو ومساعده اللواء محمد أمين دارا الصوفي، عضو مجلس محافظة بلخ و قائد الميليشيا ترسانة أسلحتهما من مصادر مجهولة.

وحارب اللواء دارا الصوفي (55 عاما)، السوفييت في الثمانينيات وحركة طالبان في التسعينيات، وسلم بندقيته عندما تم نزع سلاح الميليشيات لأول مرة في عام 2003.

وقال عن تلك الأيام العنيفة التي أعقبت الإطاحة بحكومة طالبان: "كنا قد سئمنا من الحرب، وتغير الوضع وبدأت عملًا تجاريًا"، مشيرا إلى أنه عاد لشراء رشاش كلاشينكوف الذي يحمله قبل أيام فقط.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com