"نيويورك تايمز": قمم الدول العظمى تتحول من التهديد النووي إلى الخطر السيبراني
"نيويورك تايمز": قمم الدول العظمى تتحول من التهديد النووي إلى الخطر السيبراني"نيويورك تايمز": قمم الدول العظمى تتحول من التهديد النووي إلى الخطر السيبراني

"نيويورك تايمز": قمم الدول العظمى تتحول من التهديد النووي إلى الخطر السيبراني

هيمن على الاجتماعات بين الرؤساء الأمريكيين والقادة السوفييت أو الروس تهديد واحد لمدة 70 عاما، وهو الترسانات النووية الهائلة التي بدأت الدولتان في تجميعها في أربعينيات القرن العشرين، كوسيلة للترهيب، وإذا فشلت قدرتها على الردع، كوسيلة للإبادة المتبادلة.

ومع ذلك تغيرت الأولويات الآن، حيث أصبحت الأسلحة الإلكترونية والتهديدات السيبرانية على قمة جدول الأعمال في مؤتمرات القمة الكبرى.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، كان هذا التحول يحدث تدريجيا منذ عقد من الزمان، حيث ركزت كل من روسيا والولايات المتحدة، الخصمين الأكثر مهارة في الحرب الإلكترونية، على بناء ترسانة متنامية من التقنيات فيما أصبح صراعا يوميا منخفض المستوى، ولكن في اجتماعات القمة، كان هذا النوع من الصراع يُعامل عادة على أنه عرض جانبي لمنافسة القوى العظمى الرئيسية.

إلا أن ذلك قد تغير بسبب الوتيرة المتزايدة للهجمات الأخيرة على البنية التحتية الأمريكية وتطورها، من خطوط أنابيب البنزين التي تمتد حتى الساحل الشرقي، إلى المصانع التي توفر ربع لحوم البقر الأمريكية، إلى عمليات المستشفيات والإنترنت نفسها، والتي كشفت عن مجموعة من نقاط الضعف التي لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة تجاهلها.

وبالنسبة للرئيس بايدن، لا تزال الأسلحة النووية مهمة، ويقول مستشاروه إن الرئيسين سيقضيان قدرا كبيرا من الوقت في مناقشة "الاستقرار الاستراتيجي"، وهو اختصار لاحتواء التصعيد النووي، ولكن المهمة الأكثر إلحاحا، كما قال بايدن لحلفائه في اجتماع قمة مجموعة الدول السبع في كورنوال الأسبوع الماضي واجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل، هي إقناع بوتين بأنه سيدفع ثمنا باهظا لنشاطه السيبراني التخريبي.

ويتوقع الخبراء أن الأمر لن يكون سهلا، حيث أشار عقد من الصراع السيبراني المكثف إلى أن أدوات الردع التقليدية قد فشلت إلى حد كبير.

وبينما يحب بوتين أن يتباهى باستثماراته الضخمة في الطوربيدات النووية الجديدة وأسلحة تفوق سرعة الصوت، إلا أنه يعرف أيضا أنه لا يستطيع استخدامها، في حين يمكنه استخدام ترسانته من الأسلحة الإلكترونية كل يوم.



وأوضح بايدن أنه ينوي إعطاء بوتين خيارا: وقف الهجمات، واتخاذ إجراءات صارمة ضد مجرمي الإنترنت النشطين من الأراضي الروسية، أو مواجهة التكاليف الاقتصادية، وما يسميه بايدن مجموعة من الخطوات الأمريكية "للرد بالمثل".

ومع ذلك في يوم الأحد، بينما كان بايدن لا يزال في قمة مجموعة الدول السبع في كورنوال، اعترف بأن بوتين قد يتجاهله، إذ قال بايدن: "ليس هناك ما يضمن تغيير سلوك الشخص أو سلوك بلاده، فالحكام المستبدون لديهم سلطة هائلة، ولا يتعرضون لمساءلة الجمهور".



وتعتبر قدرة الردع مشكلة يفكر فيها العديد من كبار مستشاري بايدن في الأمن القومي منذ سنوات، مستفيدين من خبرتهم في الخطوط الأمامية للصراع الإلكتروني في وكالة الأمن القومي ووزارة العدل والقطاع المالي، فهم أول من يقول إن معاهدات تحديد الأسلحة، وهي الأداة الرئيسية المستخدمة في العصر النووي، ليست مكيفة للتعامل مع العالم السيبراني.

وهناك عدد كبير جدا من الجهات الفاعلة في العالم السيبراني، بما في ذلك الدول والجماعات الإجرامية والمنظمات الإرهابية، وليست هناك فرصة لإحصاء الأدوات السيبرانية، إلا أن أملهم هو حمل بوتين على البدء في مناقشة الأهداف التي ينبغي أن تكون غير مطروحة في وقت السلم، وتشمل هذه القائمة محطات الكهرباء والنظم الانتخابية وخطوط أنابيب المياه والطاقة ومحطات الطاقة النووية، وأنظمة التحكم في الأسلحة النووية.

وقد يبدو ذلك سهلا نسبيا من الناحية النظرية، فقد وافق فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، يضم ممثلين عن جميع القوى الكبرى، على وضع حدود أساسية، ولكن الواقع أن الأمر صعب للغاية، أكثر بكثير من المحاولة الأولى لتحديد الأسلحة النووية التي تطرق إليها الرئيس أيزنهاور مع نيكيتا خروتشوف في جنيف قبل 66 عاما، قبيل الحرب الباردة التي تحولت إلى سباق تسلح مرعب، ومواجهة نووية في كوبا بعد 7 سنوات.



وأشار إريك روزنباخ، الرئيس السابق للسياسة السيبرانية في البنتاغون، إلى أن الرئيس رونالد ريغان قال: "نحن بحاجة إلى اعتماد مبدأ ثق ولكن تحقق"، الذي ساعد على التعامل مع الأيام الأولى من الصراع الإلكتروني مع روسيا والصين وإيران عندما كان بايدن نائبا للرئيس.

وقال إريك: "فيما يتعلق بالروس والصراع السيبراني، لا يمكننا الوثوق أو التحقق، فقد انتهك الروس مرارا وتكرارا شروط أي اتفاق بشأن الفضاء السيبراني في الأمم المتحدة، ويحاولون الآن بشكل منهجي توريط الولايات المتحدة في مستنقع من القضايا القانونية الدولية، بينما يضربون بنيتنا التحتية الحيوية".

ويرفض بوتين الاعتراف بأن روسيا تستخدم هذه الأسلحة على الإطلاق، مشيرا إلى أن هذه الاتهامات جزء من حملة تضليل عملاقة تقودها الولايات المتحدة.

وقال بوتين في نهاية الأسبوع: "لقد اتُهمنا بكافة أنواع الاتهامات بما في ذلك التدخل في الانتخابات وشن الهجمات الإلكترونية وغيرها، ولكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تقديم أي نوع من الأدلة، بل مجرد اتهامات لا أساس لها من الصحة".

والواقع أنه قد تم تقديم أدلة بالفعل، ولكن من الصعب إظهارها ومن الأصعب تفسيرها، مقارنة بصور الصواريخ السوفياتية في كوبا التي عرضها الرئيس جون كينيدي على شاشة التلفزيون في لحظة حرجة من أزمة القذائف الكوبية عام 1962.

إلا أن المحللين يشيرون إلى أن بوتين محق في شيء واحد، وهو سهولة إنكار أي معرفة بالهجمات الإلكترونية، وهو أمر فعلته الولايات المتحدة أيضا، حتى بعد شن هجمات كبيرة على إيران وكوريا الشمالية، توضح لماذا لن تعمل وسائل الردع التي حافظت على سلام نووي غير مستقر في الحرب الباردة مع التهديدات الرقمية.

ففي العصر النووي، كانت أمريكا تعرف أين يوجد كل سلاح سوفياتي ومن لديه السلطة لإطلاقها، ولكن مع التهديدات السيبرانية، لا توجد طريقة لإحصاء التهديدات أو حتى معرفة من يتحكم في هذه الأدوات، سواء كان جنرالا أو قراصنة يعملون لحساب وكالة الاستخبارات الروسية أم قراصنة يعملون لصالحهم الخاص، مثل مجموعة "دارك سايد" التي كانت مسؤولة عن الهجوم على الشركة التي تدير خط الأنابيب الاستعمارية، أم مجرد مراهقين بارعين في استخدام التكنولوجيا؟

وفي حين كانت نتيجة إطلاق الأسلحة النووية على الولايات المتحدة واضحة في العصر النووي، إلا أنه في عصر الأسلحة السيبرانية تعتبر العواقب غامضة للغاية.



وعندما تعرضت استوديوهات سوني إنترتينمنت لهجوم من كوريا الشمالية، ردا على فيلم سخر من كيم جونغ أون، تم تدمير 70 % من أجهزة الكمبيوتر التابعة للشركة، وقال رئيس وكالة الأمن القومي آنذاك الأدميرال مايكل روجرز في وقت لاحق إنه متأكد من أن الهجوم سيؤدي لرد أمريكي كبير، ولكن ذلك لم يحدث.

وخلال ولاية إدارة أوباما، لم يُنسب جهد روسي ناجح لاقتحام أنظمة البريد الإلكتروني غير السرية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية وهيئة الأركان المشتركة علنا إلى موسكو، على الرغم من أن الجميع، بمن فيهم نائب الرئيس بايدن آنذاك، كانوا يعرفون ما تشير إليه المعلومات الاستخباراتية.

ولم يأتِ الرد على الجهود الروسية للتأثير على انتخابات عام 2016 إلا بعد ظهور النتائج، وكان رد فعل أوباما معتدلا نسبيا، حيث طرد الدبلوماسيين الروس وأغلق بعض المجمعات الدبلوماسية، ووصف أحد كبار المسؤولين في ذلك الوقت الرد بأنه "الاستجابة المثالية في القرن التاسع عشر لمشكلة القرن الحادي والعشرين".

ثم جاء الرئيس ترامب الذي كرر نفي بوتين للتدخل في الانتخابات، وخسرت أمريكا 4 سنوات كان من الممكن أن تحاول فيها وضع بعض المعايير العالمية، وهو ما يسميه براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت، "اتفاقية جنيف الإلكترونية".

وفي حين صعّدت القيادة السيبرانية الأمريكية من تحركاتها، وأطاحت بمجموعة تستخدم الهجمات السيبرانية لطلب الفدية خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، إلا أن الهجمات الروسية استمرت.

ويبدو أن ما يقلق فريق الأمن القومي لبايدن ليس حجم الهجمات، بل تعقيدها، فوفق تقديرات مايكروسوفت، لم يكن هجوم SolarWinds مجرد اختراق، فقد شارك ما يقرب من 1000 مخترق في وكالة المخابرات الروسية في جهد معقد سمح للروس باختراق البرامج التي تستخدمها الوكالات الحكومية وأكبر 500 شركة في العالم ومراكز الأبحاث.

والأهم من ذلك، أن الهجوم قد شُن من داخل الولايات المتحدة من خلال خوادم أمازون؛ لأن الروس كانوا يعرفون أن وكالات الاستخبارات الأمريكية ممنوعة من العمل على الأراضي الأمريكية.

وقال بايدن إنه يريد "ردا متناسبا"، ولكنه في النهاية اكتفى بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، ملمحا إلى أنه قد تكون هناك إجراءات أخرى "غير مرئية"، ولكن لم يتشح ما إذا كانت تلك العقوبات قد أثرت في النهج الروسي.

وقال جيك سوليفان، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، على متن طائرة آير فورس وان في طريقها إلى أوروبا الأسبوع الماضي: لا تزال مسألة الهجمات الإلكترونية التي ترعاها الدولة مصدر قلق بالغا للولايات المتحدة، وهي قضية لم تنتهِ بعد".

وأعقب اختراق SolarWinds طفرة مذهلة في هجمات الفدية، حيث انتشرت عمليات الابتزاز التي تشمل تعطيل أجهزة وشبكات الشركة أو المستشفى، ثم طلب ملايين الدولارات على هيئة بيتكوين مقابل تركها.

واتهم بايدن روسيا بإيواء تلك الجماعات، وقال روزنباخ إن برامج الفدية تعطي بايدن فرصة "للضغط على بوتين لاتخاذ إجراءات ملموسة، مثل وقف هجمات الفدية ضد البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، بدلا من التركيز على القواعد الساذجة".



ورأت الصحيفة أنه "إذا كان تاريخ احتواء الأسلحة النووية يمكن أن يعلمنا دروسا فيما يتعلق باحتواء الأسلحة السيبرانية، فيجب أن تكون التوقعات منخفضة، فقد فات الأوان على القضاء على الأسلحة الإلكترونية، ويقول المحللون إن أفضل ما يمكن أن يأمله المرء هو محاولة أولى للحد من استخدام الأسلحة الإلكترونية ضد المدنيين من خلال (اتفاقية جنيف)، والمكان المثالي لمحاولة تحقيق ذلك قد يكون في جنيف نفسها".

وقالت إنه "من المستبعد أن يود بوتين ذلك، حيث يعتمد اقتصاده على الوقود الأحفوري، ويبدو أن شعبيته باتت مضطربة بين سكان روسيا، ولذلك قد تكون قوته العظمى الوحيدة المتبقية هي تعطيل منافسيه الديمقراطيين".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com