مساعي أمريكا لـ"ترميم" نفوذها في جنوب شرق آسيا تصطدم بعقبة الصين ومنطقة تتمسك بالسلام
مساعي أمريكا لـ"ترميم" نفوذها في جنوب شرق آسيا تصطدم بعقبة الصين ومنطقة تتمسك بالسلاممساعي أمريكا لـ"ترميم" نفوذها في جنوب شرق آسيا تصطدم بعقبة الصين ومنطقة تتمسك بالسلام

مساعي أمريكا لـ"ترميم" نفوذها في جنوب شرق آسيا تصطدم بعقبة الصين ومنطقة تتمسك بالسلام

تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تعزيز موقع أمريكا في منطقة جنوب شرق آسيا، بعد 4 أعوام ماضية تضاءل فيها النفوذ السياسي والدبلوماسي لواشنطن في تلك المنطقة، لكنها تصطدم بالتنين الصيني صاحب النفوذ أيضا هناك.

وحتى الآن لم تطلق الولايات المتحدة أي مبادرة إقليمية ذات أهمية، وانسحبت من مجموعتين اقتصاديتين، وهما الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، والاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ.

وفي عام 2017، حضر الرئيس دونالد ترامب آنذاك قمة خاصة في مانيلا بين الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ولكنه غاب عن جميع الاجتماعات الأربعة لقمة شرق آسيا خلال فترة ولايته.



ووفقا لمجلة "فورين بوليسي"، تعمل السفارات الأمريكية في أربع دول في آسيان -هي: سنغافورة وبروناي وتايلاند والفلبين- دون سفراء، وتعتبر الولايات المتحدة الدولة البارزة الوحيدة التي ليس لديها ممثل دائم لرابطة "آسيان".

وفي الفلبين وإندونيسيا، اعتُبر التقرب من ترامب مشكلة سياسية، وهو ما يفسر عدم زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، زعيم أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، لترامب في البيت الأبيض، وكان الدعم الأمريكي للمنطقة خلال أزمة كورونا متواضعا.

وتتخذ إدارة بايدن الآن خطوات لعكس مسارها وإصلاح الأضرار واستعادة مصداقية الولايات المتحدة في تلك المنطقة. وقال بايدن إن "خطوته الأولى في السياسة الخارجية هي استعادة الحلفاء والشركاء مع صد الخصوم"، وهو الآن يعدل السياسات في جميع المجالات.

أمريكا والصين.. سياسة منتصف العصا

وبحسب "فورين بوليسي"، "من المؤكد أن آسيان سترحب بالمشاركة الأمريكية القوية في المنطقة، ولكن بالطريقة الصحيحة".

وأوضحت المجلة أن "دول الرابطة لا تريد تزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين في جنوب شرق آسيا، وهي المنطقة التي كانت مركزا للصراع بين القوى الكبرى في الماضي، ويمكن أن تصبح كذلك مرة أخرى".

وأضافت: "لا تريد هذه البلدان -أيضا- الاستقطاب، وسحبها في اتجاهات مختلفة من قبل قوى مختلفة؛ ما يؤدي إلى تقويض تماسك مجتمع الرابطة، إذ تأمل أن تخفض إدارة بايدن التوترات بين أمريكا والصين وأن تبقى المنافسة تحت السيطرة".

وتابعت: "كما أنه من مصلحة رابطة آسيان الحفاظ على علاقات جيدة مع كلّ من الولايات المتحدة والصين، فهي تريد الاستفادة من كلتا القوتين، وتعتقد أن جنوب شرق آسيا، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لديها مساحة واسعة للمشاركة لكلتا القوتين العظميين".

وأردفت بالقول: "لهذا لا ترغب دول آسيان في تكرار التصريحات العدوانية المناهضة للصين التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في الأشهر الأخيرة من ولاية ترامب".



ووفقا لـ"فورين بوليسي"، يختلف منظور جنوب شرق آسيا تجاه الصين عن منظور الولايات المتحدة، "ففي حين يقلق أعضاء رابطة آسيان بشأن تحركات الصين في بحر الصين الجنوبي، إلا أنهم أدركوا -أيضا- أن الصين ستشكل جزءا كبيرا من مستقبلهم من خلال العلاقات الثنائية والإقليمية، كما ليس لدى دول آسيا أي أوهام حول علاقاتهم مع الصين، والتي ستكون معقدة وصعبة".

وفي حين ترى واشنطن أن الصين تشكل تهديدا لتفوق الولايات المتحدة طويل الأمد، يقبل جنوب شرق آسيا الصين عموما كشريك مهم لخططه الإنمائية.

عدم التدخل

ويسمع سكان جنوب شرق آسيا ناقوس الخطر الذي تدقه إدارة بايدن بشأن "الخطر الذي يشكله الاستبداد الصيني على الديمقراطية"، إلا أن الواقع هو أنه لا توجد دولة في جنوب شرق آسيا تعترض على النظام السياسي في الصين، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى مبدأ عدم التدخل، فضلا عن عدم اهتمامهم ببساطة بالسياسة الداخلية في الصين.

ولم تردد أي دولة من دول رابطة آسيان ادعاء وزارة الخارجية الأمريكية بأن الصين ترتكب إبادة جماعية ضد اليغور المسلمين في شينغ يانغ، ولا تعتبر أي دولة في جنوب شرق آسيا، ولا حتى إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، الصين عدوا أيديولوجيا.

وتقول "فورين بوليسي": "في الواقع أن زعماء رابطة آسيان سيتعاطفون مع تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ، بأن لكل دولة الحق في اختيار مسارها الخاص للتنمية؛ وذلك لأن هذا ضمن مبادئ الرابطة نفسها".

وتضيف المجلة: "كما لا تريد بلدان آسيان تآكل مركزية الرابطة والتي توحد المجموعة متزايدة التماسك، وترى أنه ينبغي عليها تولي الشؤون في المنطقة".

وتشير إلى أنه "تفترض مركزية آسيان أن القوى العالمية الكبرى لديها ثقة إستراتيجية في الرابطة، ومستعدة لترك المنظمة تقود بعض جوانب الشؤون الإقليمية".

وتتابع: "مع ذلك تعتمد مصداقية "آسيان" على قدرتها على الحفاظ على علاقات جيدة مع كل القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي والهند، ولهذا السبب لا تريد الرابطة اختيار أحد الجانبين ولا تريد أن تتعرض لضغوط لفعل ذلك، إذ يعني اختيار أحد الجانبين تلقائيا نفور الآخر، وهذا سيبعد الرابطة عن هدفها".



ولاحظت دول رابطة آسيان أن "أول تحرك لبايدن في السياسة الخارجية في آسيا كان عقد الاجتماع الرباعي للولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند ورفعه إلى قمة على مستوى القادة".

وفي حين أيد قادة الرباعية بقوة مركزية الرابطة، إلى أن الرابطة تتساءل بشأن الهدف الإستراتيجي للرباعية وما إذا كانت ستتخذ تدابير قد تتعارض مع أهداف الرابطة.

وحتى الآن، لا تزال العلاقة بين رابطة أمم جنوب شرق آسيا والرباعية مرنة وغير واضحة، كما تثير الرباعية أسئلة حول ما إذا كانت إستراتيجية بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ستكون مختلفة عن إستراتيجية ترامب، فلم تكن بكين مخطئة تماما عندما اشتبهت في أن سياسة إدارة ترامب الحرة والمفتوحة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كانت تتضمن تحيزا ضد الصين.

ولهذا -وفقا لـ"فورين بوليسي"- ينبغي على إدارة بايدن أن تثبت بشكل مقنع أن رؤيتها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وإستراتيجيتها لآسيا، لا تهدف إلى تهميش أو احتواء أي قوة مقيمة هناك.

وتشمل العلامات الجيدة استخدام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشكل متزايد لعبارة "حر ومفتوح وشامل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، حيث تعتبر كلمة "شامل" رمزا لتوقعات رابطة أمم جنوب شرق آسيا حول المحيطين الهندي والهادئ لإبقاء الباب مفتوحا أمام الصين.

تعاون

وتقول مجلة "فورين بوليسي": "يريد سكان جنوب شرق آسيا أن يروا الولايات المتحدة والصين تتعاونان في منطقتهما".

وأشارت إلى أنه "قبل بضع سنوات، دعا الرئيس الصيني إلى نوع جديد من علاقات القوة العظمى مع الولايات المتحدة على أساس حلول مربحة للجميع، ومن جانبه أكد بايدن أن إدارته تريد المنافسة وليس الصراع مع الصين وأنها مستعدة للعمل مع بكين عندما يكون من مصلحة أمريكا القيام بذلك".

ولفتت المجلة إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ستكون "تنافسية عندما ينبغي ذلك، وتعاونية عندما ينبغي ذلك".

تفاؤل

وتساءلت المجلة أنه "بالنظر إلى هذه الكلمات المشجعة، هل يمكن لأيّ من الجانبين التغلب على غروره الإستراتيجي والبدء في استكشاف سبل التعاون؟ وهل يمكن لجنوب شرق آسيا أن يكون المكان الذي يحدث فيه شكل من أشكال التعاون الملموس بين الولايات المتحدة والصين؟".

وأشارت إلى أن "هذه المنطقة شهدت قائمة طويلة من الصراعات التي بدت مستعصية قبل أن تتحول إلى تعاون دائم بين إندونيسيا وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وتيمور-ليشتي وماليزيا والفلبين وفيتنام وكمبوديا وغيرها من الدول، فقد أثبتت بلدان هذه المنطقة أن العداوة يمكن أن تتحول إلى صداقة".

وأضافت أنه "يوجد العديد من المجالات التي يمكن لواشنطن وبكين استكشاف سبل التعاون فيها، بما في ذلك الصناعة والبنية التحتية والأمن البحري والقرصنة والمناخ والبيئة والطاقة الخضراء والكوارث الطبيعية وكورونا وغيرها".

واختتمت "فورين بوليسي" تقريرها بالقول، إنه "في حين أن هذا لن يغير من تنافسهما على نطاق عالمي، إلا أنه قد يغير نسيج العلاقات الأمريكية الصينية في جنوب شرق آسيا؛ ما سيكون جيدا بما فيه الكفاية بالنسبة لرابطة آسيان.. وفي نهاية المطاف، يتوقف الأمر على ما إذا كانت هناك إرادة سياسية ودبلوماسية لدى الطرفين لتحقيق ذلك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com