"فورين بوليسي": وباء "كورونا" يعيد رسم الحدود الأوروبية
"فورين بوليسي": وباء "كورونا" يعيد رسم الحدود الأوروبية"فورين بوليسي": وباء "كورونا" يعيد رسم الحدود الأوروبية

"فورين بوليسي": وباء "كورونا" يعيد رسم الحدود الأوروبية

قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن جائحة فيروس كورونا، وفرت للدول الأوروبية الحدود التي أرادتها.

ففي عام 1996، اجتمعت مجموعة من العلماء والأكاديميين والموظفين المدنيين والفنانين الأوروبيين في بلدة كويمبرا البرتغالية لمناقشة الهوية الأوروبية، وما إذا كانت موجودة، وماذا تعني؟

وبحسب المجلة فقد "قدم جميع المشاركين مساهمات شخصية وفكرية عميقة، لكن كثيرين أشاروا إلى أنه طالما أنه ما زال من غير الواضح أين ينتهي الاتحاد الأوروبي، ومن ينتمي إليه ومن لا ينتمي إليه، ستظل الأهداف السياسية الأوروبية غامضة، حيث سيكون من الصعب على المواطنين تحديد أهدافهم السياسية؟"

وقالت ماريون ماكدونالد، عالمة الأنثروبولوجيا "الهوية مبنية على العلاقات، وتتضح الهوية في تعارض المفاهيم، فأنت تعرف بوضوح من أنت مما تعارضه، فعلى سبيل المثال من السهل نسبيا أن يشعر المرء بأنه أوروبي عند زيارة اليابان".

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه "إذا كان ما تحتاجه أوروبا هو الحدود، فهذا بالضبط ما وفره لها وباء كورونا، حيث بدأت الحكومات الأوروبية ترسم الحدود".



وأضافت "بدأ يظهر فرق ملحوظ بين الأوروبيين و(الآخرين) ببطء، الأمر الذي يؤدي إلى شعور أقوى بالانتماء بين الأوروبيين، وقد كان لهذا بالفعل تداعيات سياسية".

وبحسب المجلة، كانت هذه العملية في كويمبرا بمثابة دعوة إلى ترسيم الحدود الجغرافية والقيم المشتركة والأهداف السياسية، فخلال الحرب الباردة كانت تلك الحدود موجودة، حيث رسمتها الظروف الخارجية.

وفي ذلك الوقت، كان من الواضح من هم الأوروبيون وما هي مبادئهم، لأنه كان من الواضح أيضا ما يعارضونه ومبادئ خصومهم.

لكن بعد عام 1989، اختفى هذا التمييز، وتم محو الحدود، وأصبح الأعداء أصدقاء، ومن خلال الترحيب بالبلدان التي كانت وراء الستار الحديدي، أعطاها الاتحاد الأوروبي منظورا جديدا، الامر الذي زعم البعض أنه من شأنه أن يساعد في منع حدوث فراغ خطير على طول الحدود الخارجية لأوروبا.

ومن ثم اختفت تلك الحدود، وبات الجميع يتساءل هل تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟ هل ستنضم تركيا أيضا، وكيف سيغير انضمام هذا البلد المسلم من الهوية المسيحية للاتحاد؟

وعلى الرغم من طرح العديد من الأوروبيين لمثل هذه الأسئلة، لم يجب السياسيون عليها أبدا، لأنهم لم يعرفوا الإجابات، وهذا ما يغذي الشكوك الأوروبية، ويعود التعب من التوسع وتزايد الطلب على الهجرة وجهود تعزيز الأمن جزئيا إلى هذه الشكوك.

اقتراب انتهاء عصر الغموض

وقالت "فورين بوليسي"، "الآن، في عام 2020، حدث شيء مميز، حيث يبدو أن عصر الغموض اقترب من نهايته، حيث بنى الاتحاد الأوروبي الحدود التي لطالما أرادها مع بقية العالم، وهي حدود عقلية وجسدية".

وأضافت "يرجع حدوث ذلك إلى العديد من الأسباب، مثل البريكست، الذي أجبر الاتحاد الأوروبي على وضع حدود مع المملكة المتحدة، كما نشأت الحدود أيضا كرد على الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، ومع ذلك كانت جائحة الفيروس التاجي هي أقوى حافز لبناء الحدود".

ففي البداية، أدى الوباء إلى الفوضى في أوروبا، وأصدرت كل دولة في الاتحاد الأوروبي تدابيرها الوطنية الخاصة بها، الأمر الذي ربما كان حتميا، حيث لا تعد الصحة العامة من مسؤوليات الاتحاد الأوروبي.



لكن مع إغلاق بعض البلدان المشدد لحدودها ومصادرة دول أخرى لشحنات جيرانها من أقنعة الوجه، تعطلت السوق الداخلية الأوروبية بشكل خطير، الأمر الذي صدم حكومات الاتحاد الأوروبي وأجبرها على العمل.

ورأت المجلة أنه "أيا كانت خلافاتهم، فهم جميعاً يعرفون أن السلام والازدهار الأوروبيين بعد الحرب يعتمدان على السوق الداخلية، والسوق هو الأساس الاقتصادي والسياسي لأوروبا، ولم ترغب أي حكومة في الاتحاد الأوروبي في التخلي عن ذلك".

وسرعان ما نظمت دول الاتحاد الأوروبي نفسها، وسرعت هذه البلدان إجراءات الشاحنات على الحدود الداخلية، وأطلقت نظام "الممرات الخضراء"، وأرسلت الدول لبعضها معدات طبية، ورتبت المساعدة المالية للمناطق المتضررة.

وفي حين استغرقت دول الاتحاد الأوروبي 3-4 سنوات خلال أزمة اليورو لإنشاء صندوق الإنقاذ، أنشأت نفس الدول هذا العام صندوق انتعاش بقيمة 750 مليار يورو في غضون 3-4 أشهر، والذي يتضمن آلية ثورية مشتركة لإصدار الديون من خلال ميزانية الاتحاد الأوروبي.

معنى جديد

وهذا أعطى "التضامن" معنى جديدا، وفجأة، غنى الألمان "بيلا سياو" لإيطاليين في حالة إغلاق، وتم علاج مرضى كورونا الفرنسيين والهولنديين مجاناً في ألمانيا، وأخذ المحامون إجازة للعمل في المستشفيات، واشترى الناس البقالة لبعضهم بعضا.

وبحسب المجلة، نشأ جو جديد في المجتمع الأوروبي، وقال عالم الاجتماع الألماني هاينز بود "باتت فكرة قدرة الأفراد على إعالة أنفسهم تبدو جوفاء الآن، لقد انتهت الأيام التي اعتبرت فيها الحرية الخير الأعظم، والآن أصبح المأوى والحماية أكثر أهمية".

وفي مارس، كان الإيطاليون يحرقون الأعلام الأوروبية حيث أصبحت البلاد أول دولة تعاني من تفش كبير، وشعر الناس بالهجر، وكانوا يتساءلون لماذا لم تساعدنا أوروبا؟

وعندما سلمت الطائرات الصينية والروسية أقنعة الوجه الأولى في لومبارديا، بدأ يُنظر إلى الغرباء على أنهم الأخيار، ولكن هذه الصورة تغيرت بسرعة، حيث كانت العديد من الأقنعة الصينية غير صالحة للاستعمال.



وبحلول نهاية مارس، كانت أوروبا قد شرعت في العمل طبيا وماليا ولوجستيا، وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن هذا "أعطى الاتحاد الأوروبي صورة جديدة".

وبطريقة غير مباشرة، ساعد محاولات البلدان الأخرى لإضعاف الاتحاد الأوروبي أثناء انتشار الوباء، على ذلك، حيث فتحت تركيا حدودها مع اليونان، وشجعت اللاجئين والمهاجرين على الذهاب إلى أوروبا.

كما بدأت تركيا التنقيب عن البترول في المياه اليونانية والقبرصية، ونشرت روسيا نظريات المؤامرة على الإنترنت حول الوباء، ودعمت رئيس بيلاروسيا، الذي زور في الانتخابات وانقلب على شعبه، كما قالت "فورين بوليسي".

وبينما كانت أوروبا في حالة إغلاق، انتقدت حليفتها القديمة الولايات المتحدة، التعريفات الجمركية على المنتجات الأوروبية، وهددت الشركات التي تبني خط أنابيب نورد ستريم 2 بفرض عقوبات، وسحبت آلاف الجنود من ألمانيا.

وعرقلت الصين بحث منظمة الصحة العالمية عن أصل الفيروس وغزت هونغ كونغ، بينما كانت تحاول الضغط على الحكومات الأوروبية لقبول عقود هواوي.

وقد نبهت هذه المعارضة من الرجال الأقوياء الذين يحاولون الاستفادة من الضعف الأوروبي، العديد من الأوروبيين، والذين بدأوا يتساءلون في أي عالم تجاري يعيشون؟

فالعقوبات الأمريكية ضد المحكمة الجنائية الدولية، وتسميم زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني، والبريكست، كلها عوامل ساهمت في توحيد أوروبا أكثر بكثير من عقود من الدعم من بروكسل.



وفي حين أدت أزمة اليورو والهجرة، إلى مشكلات بين الدول الأوروبية حول السيادة الوطنية، أدى وباء كورونا إلى تقارب الأوروبيين من بعضهم بعضا.

وقالت المجلة الأمريكية إن "الوباء تزامن مع التطورات الجيوسياسية التي ضغطت على أوروبا، وقال العالم السياسي البلغاري إيفان كراستيف في مناقشة عامة الصيف الماضي "(هذا يتعلق بمكانتنا في العالم، وبالسيادة الأوروبية والحاجة إلى الحد من ضعفنا، وهذا كله أمر جديد)".

وفي مارس، أغلق الاتحاد الأوروبي حدوده الخارجية مع البلدان الأخرى، وهو أمر لم يحدث من قبل، وسافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى حدود اليونان مع تركيا.



وقالت دير لاين، إن أوروبا أظهرت تضامنها مع اليونان ولن تتعرض للتنمر، ومع وجود طائرات هليكوبتر وحراس حدود مسلحين في الخلفية، كانت الرسالة ضمنية ولكن واضحة: هنا تتوقف حدود أوروبا.

ومن ثم قِيل لتركيا، التي كانت دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، بشكل غير مباشر إن طلبها للانضمام غير مقبول.

وهناك مثال تاريخي، في إمبراطورية هابسبورغ، التي يشبهها الاتحاد الأوروبي في نواح كثيرة، والتي تشاركت الحدود مع الإمبراطورية العثمانية لفترة طويلة.

لكن في القرن الثامن عشر، عندما جاءت الأمراض المعدية من الأراضي العثمانية، بنى ال هابسبورغ أول مراكزهم الحدودية بأبراج المراقبة ومباني الحجر الصحي للمسافرين والأمتعة والبضائع، وتم تعيين الآلاف من حرس الحدود، من جميع أركان الإمبراطورية، الأمر الذي كان جهدا هائلا، والآن تفعل أوروبا شيئا مماثلا بسبب الوباء.

فاليونان، على سبيل المثال، التي قدمت على مضض مأوى للمهاجرين من تركيا، تدفعهم الآن إلى العودة عبر الحدود، وهذا انتهاك واضح للقانون الدولي، ولكن أوروبا تغض البصر، حيث يبدو أن الحدود أصبحت الآن لها الأسبقية على حقوق الإنسان.



وفي خطاب ألقاه في برلين في عام 2013، قال رئيس المجلس الأوروبي آنذاك هيرمان فان رومبوي إن "أوروبا كانت لفترة طويلة مساحة لاستكشاف التنوع، وأصبحت مكانا، يمكننا أن نشعر فيه بأننا في الوطن".

وقالت المجلة إن "أغلب المواطنين يريدون أن تظل الحدود الداخلية لأوروبا مفتوحة، فإنهم يصرون على أن تكون الحدود الخارجية خاضعة لمراقبة أفضل، ولكن حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية هي أيضا على رأس قائمة أولوياتهم، الأمر الذي يبدو كتناقض".

وأضافت "حتى الآن تم اتهام فرونتنكس، الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، والتي تم تعزيز قوتها مؤخرا من بضع مئات إلى 10 آلاف، بانتهاكات حقوق الإنسان، وقد دعا بعض أعضاء البرلمان الأوروبي مؤخراً مديرها إلى الاستقالة، ولكن هناك آخرين يصرون على أنه بمجرد أن يتم حراسة الحدود الخارجية بشكل أفضل، سيكون من الأسهل وضع سياسة لجوء وهجرة فاعلة في الاتحاد الأوروبي ومحو بعض هذه الممارسات المخزية".

الاعتماد على الآخرين

وقبل عشر سنوات، كانت أوروبا تبدو منقسمة إلى حضريين وقوميين، والآن العديد من الأوروبيين بما في ذلك الحضريين، إن أوروبا لم تعد قادرة على الاعتماد على الآخرين، ويتعين عليها أن تكون "مستقلة استراتيجياً".

ويعد ترسيم الحدود جزءا من هذه الاستقلالية، وتحولت أوروبا من مجتمع قائم على الاختيار إلى مجتمع قائم على الحاجة.

ويخشى العديد من الأوروبيين، وليس من القوميين فقط، من فقدان السيطرة في عالم خطير، وقد بدأوا يرون الاتحاد الأوروبي كوسيلة لتعزيز السيادة الوطنية، وفي قد لا يكونون سعداء بكل جوانب الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم لا يزالون أسعد فيه.



ودعا رئيس البوندستاغ الألماني فولفغانغ شويبله، الذي كان متشددا خلال أزمة اليورو، مؤخرا في مقال افتتاحي في صحيفة "فرانكفورتر" إلى المزيد من السيادة الأوروبية.

وقال رئيس الوزراء الفنلندي السابق ألكسندر ستاب الذي يدير معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا الإيطالية، إن أوروبا "هزمت نفسها خلال هذه الأزمة".

وفي مجلة "فورين افيرز"، كتب الباحث ماكس بيرغمان أن أوروبا كانت "غير موجودة على الساحة السياسية منذ التسعينيات، ولكنها سوف تخرج من هذه الأزمة لاعباً عالمياً أقوى وأكثر توحيداً".

وختمت المجلة الأمريكية بالقول "هذا لا يعني أن الهوية الأوروبية سوف تظهر فجأة، أو أن السياسة الأوروبية لن تعاني من مزيد من الانتكاسات، فأي شخص يقول ذلك يتجاهل طبيعة التكامل الأوروبي، ولكن قد يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي وغير الأعضاء مثل النرويج وسويسرا يكتسبون ببطء الشعور بالاتجاه والتماسك مرة أخرى، بعد سنوات من السير بلا هدف".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com