بدأت الصورة الجديدة للشرق الأوسط المشتعل تتضح بشكل تدريجي، مع فرز جديد للقوى الدولية التي بدأت تغير تحالفاتها التاريخية للتأقلم مع الوضع الجديد الذي يجمع السياسيون حول كونه سيغير خارطة المنطقة التي حافظت على ثباتها منذ اتفاق "سايكس – بيكو" في بدايات القرن الماضي.
وببساطة يمكن ملاحظة التقارب الأمريكي الإيراني حول الخطر المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي أبهر تقدمه في شمال ووسط العراق وسيطرته على مدن مدججة بالسلاح والجنود خلال أيام قليلة، كل المتابعين لشؤون الشرق الأوسط.
كما يبرز التوجه السعودي الجديد الغاضب من الولايات المتحدة لتقاربها مع طهران، من خلال إنشاء حلفاء جدد، كما هو الحال في مصر، التي قادت المملكة فيها تحالفاً خليجياً أغضب الولايات المتحدة، وانتهى بانتصار السعودية ونجاحها في ربط مصر التي تمتلك جيشاً جراراً بمستقبل الخليج الأمني والاقتصادي.
العراق.. نقطة التصادم الجديدة
يقول مراقب سياسي للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، إن العراق يمثل اليوم بعد تطورات الأيام العشر الأخيرة، نقطة التصادم الجديدة بين السعودية وإيران المتنافستين على قيادة المنطقة واللتين تعتبران نفسيهما ممثلتين للمذهبين الرئيسيين في الإسلام، السنة والشيعة.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، لثلاث سنوات ماضية، كانت سوريا هي نقطة التصادم بين المحورين العنيدين، الرياض وطهران، ووصل الحال بهما في الأشهر الأخيرة إلى تهدئة أجبرهما عليها الاستنزاف الكبير للقوى وبروز مخاطر انتقال الصراع لداخل دولتيهما، في ظل عجز الطرفين على تحقيق تقدم.
وتابع، "أنهى الصراع الحالي بين الرياض وطهران على العراق، أي أمل في تحقيق تقارب جرى الحديث عنه بشكل كبير الشهر الماضي، السعودية تريد العراق الجديد لصالحها بعد أكثر من عشر سنوات من الهيمنة الإيرانية، إنه البديل لخسارتها لحليفها التاريخي الولايات المتحدة التي تبدو غير متحمسة لما يجري في الشرق الأوسط، وتميل للتصالح مع إيران".
تبادل الأدوار
تختلف نظرة السعودية للصراع في العراق عن نظرتها لسورية، حيث تعتبر نفسها في العراق الأقوى حالياً بالنظر إلى انهيار قوات الجيش العراقي وتقهقرها في مواجهة ائتلاف من المقاتلين السنة يتزعمهم تنظيم "داعش"، وبينما تستعد إيران لاحتمالات تدخل عسكري عبر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء بشكل صريح، تكتفي الرياض بتوجيه النصح لعدوها وتحثه على اللجوء للحل السياسي المتمثل بتنحي المالكي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم السنة، وإلا فإن الفشل سيواجه تعنت طهران.
وهي نظرة عبر عنها الكاتب السعودي البارز عبدالرحمن الراشد، في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، التي تتطابق كلماتها مع سياسة المملكة، عندما قال الأربعاء " لقد كان على الأرض، للولايات المتحدة، في العراق مائة وثلاثون ألف جندي، مع هذا لم تتمكن من السيطرة نتيجة لفشلها في استنباط حل سياسي. وها هي القصة تتكرر من جديد، الغاضبون من تهميشهم، مع الجماعات المتطرفة، انقضوا على حكومة طائفية يريد المالكي استمرارها بعد الانتخابات بشكل صريح، وبسبب هذه المعادلة المختلة يمكن أن تستمر الفوضى والحرب، ربما لعقد أو عقدين، بلا منتصر أو مهزوم، التي لن ينجح أي طرف داخلي أو خارجي في لجمها".
وأضاف الراشد "لا حل إلا الحل السياسي الشامل، والفرصة متاحة جدا اليوم، ومن دونها سيصبح العراق حالة سورية مكررة، والأرجح سيكون الاقتتال أكثر عنفا. وقد يذكرنا البعض بأن الحل السياسي قد فشل في سوريا، فكيف ينجح في العراق؟ السبب أننا في بداية الأزمة، وبخلاف سوريا، يوجد في العراق نظام حكم ديمقراطي عادل، لكن يوجد حاكم ديكتاتور ظالم. وبالتالي توجد مرجعية سياسية معتبرة تحتاج إلى حكم جديد يقدم المصالحة واسعة، وينهي الاعتقالات والملاحقات".
ويشبه موقف السعودية تجاه العراق، الموقف الإيراني تماماً تجاه سورية، حيث تعتبر طهران نفسها الأقوى هناك، وظلت تطالب بحل سياسي والتوقف عن دعم المسلحين، بينما تدعم المملكة هناك، المعارضة المسلحة المعتدلة التي لا تشمل فصائل (داعش والنصرة)، في محاولة لإسقاط نظام الأسد الحليف لإيران والذي يبدو الأقوى بعد إجرائه انتخابات فاز بها مؤخراً.
السعودية تستعين بالعرب