عدن.. "هاملت" يبث الحياة في أول مبنى تشريعي بشبه الجزيرة العربية

عدن.. "هاملت" يبث الحياة في أول مبنى تشريعي بشبه الجزيرة العربية

من على سفح هضبة جبلية متوسطة في الجزء الشرقي الجنوبي من مدينة عدن القديمة "كريتر"، جنوبي اليمن، يبرز أول مجلس تشريعي في عدن والجزيرة العربية..

هو أحد أبرز المعالم الأثرية في المدينة، بُني عام 1871، كدور عبادة للاستعمار البريطاني، وعُرف باسم "كنيسة القديسة ماريا"، قبل أن يتحول إلى مجلس تشريعي لأول حكومة في عدن عام 1947.

وظل كذلك حتى اندلاع "ثورة أكتوبر" واستقلال اليمن الجنوبي عن بريطانيا في 1967، وأغلقت أبوابه منذ ذلك الحين، وطاله الإهمال من كافة الحكومات المتعاقبة، علاوة على تضرر المبنى جزئيا في الحروب والصراعات التي شهدتها البلد وعدن تحديدا في 1994 و2015 وما تلاها، قبل أن يتحول مؤخرا إلى موقع مؤقت لقوة أمنية تقوم بمهام حمايته وتأمينه.

" هاملت" أعادت الحياة له

وفي النصف الثاني من 2022، بدأت فرقة خليج عدن المسرحية، وهي الفرقة التي تأسست بمجموعة ممثلين شباب من عدن في 2005، بإعادة الحياة للمجلس التشريعي ولفت الأنظار إليه، من خلال طرح فكرة إقامة عرض مسرحي يحاكي قصة عالمية تاريخية، داخل المجلس وخلال فترة زمنية محددة، اقتصرت في عشرة أيام فقط.

وكشف المخرج المسرحي والسينمائي لفرقة خليج عدن عمرو جمال عن أسباب اختيار المجلس التشريعي لعرض مسرحية "هاملت"، للكاتب والروائي الإنجليزي ويليام شكسبير، بلهجة عدنية، وبشكل تراجيدي كوميدي.

وقال جمال، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز": "هناك سببان رئيسان لاختيار المجلس التشريعي موقعا لعرض المسرحية، الأول مدى تناسق وترابط الطراز المعماري للمجلس مع رواية هاملت العالمية التي كُتبت في القرن الـ17 وتحاكي أوضاع القرن الـ15، بينما السبب الثاني يعود لحرص فرقة خليج عدن على إبراز هذا المعلم الأثري ولفت الأنظار إليه للاهتمام به وإعادة ترميمه واستعادة دوره ومكانته الأثرية".

وأضاف أن "الفرقة تمكنت من استخراج دعم مالي محلي، سلمنا نصفه لهيئة الآثار والمتاحف وهيئة المدن التاريخية، باعتبارهما جهتين رسميتين متخصصتين بذلك، وفعلا قاما بإعادة صيانة المجلس من الداخل، ونجحنا أيضا بالدعوة لترميم المجلس بشكل كامل، كما حصلنا على وعود من إحدى المنظمات الدولية وبعض رجال الأعمال للبدء بترميمه بعد انتهاء عروض المسرحية".

عُرضت مسرحية هاملت في مبنى المجلس التشريعي على مدى 10 أيام متواصلة، بدءا من 7 حتى 16 يناير/ كانون الثاني الجاري، ولاقت إقبالا كبيرا.

تقصير

من جانبه، يرى مدير عام هيئة المدن التاريخية في عدن (جهة حكومية) المهندس ناصر عبدالرزاق أن "ما تعرض له المجلس التشريعي في الفترة الأخيرة ليس إهمالاً بقدر ما هو تقصير من جهات حكومية مختلفة، ومن بينها نحن في هيئة المدن التاريخية"، مرجعا ذلك إلى "أوضاع البلد".

وعبّر المهندس عبدالرزاق، لـ"إرم نيوز"، عن أمله باهتمام كبير خلال الفترة القريبة القادمة، مشيرا إلى أن "فرقة خليج عدن بدأت فعلا في لفت أنظار الجميع إلى المجلس لاستعادة دوره وتحويله لمركز ثقافي، من خلال استخراج دعم لصيانته وعرض مسرحية هاملت"، مشيدا بتلك المبادرة التي وصفها بأنها "كانت طيبة وأسعدت الكثير من القائمين والمهتمين بتاريخ عدن وموروثها الثقافي".

مصير المبنى

وأكد أن هناك "تحركات وتنسيقا بيننا وبين منظمة اليونسكو وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، وخلال هذا العام سيتم البدء بترميم كامل للمبنى"، لافتا أن "أعمال الصيانة التي تمت مؤخرا في المبنى جميعها أعمال تركيبية بسيطة لعرض المسرحية ولا تمس عراقة وتراث هذا المبنى، ويمكن إزالتها بسهولة".

وعن مصير المجلس التشريعي بعد انتهاء عروض المسرحية، أشار المهندس ناصر إلى أن "هناك اتفاقا لاستغلال المبنى كمركز ثقافي، ونحن بصدد تجهيز دراسة كاملة تحدد احتياجات عملية الترميم والتجهيز والتأثيث، وحساب التكلفة، وكيفية توظيفه، وسيتم رفعها للجهة المانحة، في سبيل البدء بترميم المجلس".

مكتب هيئة الآثار والمتاحف في عدن المسؤول عن أعمال الصيانة والترميم يعاني من عدم توفر ميزانية تشغيلية.
وديع أمان

أضرار حرب 2015

ويقول رئيس مركز عدن للتراث (جهة خاصة) وديع أمان إن حرب 2015 كانت الأكثر ضررا على مبنى المجلس التشريعي، وخاصة ما تعرض له سقف المبنى، علاوة على نوافذه وأبوابه وجدرانه.

ويرى أمان، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "هذه الأضرار يمكن ترميمها بجهود مشتركة من هيئة الآثار والمجلس المحلي في المحافظة والمديرية، وما يتعرض له المجلس جزء من الإهمال الذي طال كافة معالم عدن التاريخية والأثرية".

وأضاف: "مكتب هيئة الآثار والمتاحف في عدن باعتباره الجهة الرسمية المخولة بأعمال الصيانة والترميم يعاني هو الآخر من عدم توفر ميزانية تشغيلية، ما جعلهم يعتمدون اعتمادا كليا على الدعم الخارجي، وهذا يكلف وقتا طويلا جدا يصل إلى سنوات، بينما خلال هذه السنوات تزيد معاناة المعالم، ويزيد تدهورها، فضلا عن عمليات البسط العشوائي التي تزداد يوما بعد آخر، تماما كما يحدث في الصهاريج الطويلة".

وتابع: "هذا بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على تلك المعالم التاريخية أثناء ترميمها، حيث يجب استخدام ذات مواد البناء القديمة والأصلية، مع العلم أن دراسة أعدت من خبيرين جيولوجيين في عدن وكلفت ملايين الريالات؛لدراسة مقادير خلطة مواد البناء القديمة وإعداد خلطة مقاربة لها، لكن لم يتم ذلك أيضا ولا يعرف مصيرها".

واختتم: "لا بد من تحرك جاد ومسؤول من السلطة المحلية في المحافظة وفي المديرية للاهتمام بهذه المعالم التاريخية وموروثنا الأثري والثقافي، وبدء أعمال صيانتها وترميمها وفقا للإمكانيات، بدلا من الانتظار طويلا لدعم خارجي يستغرق سنوات عديدة".

متحف أو مزار

بدورها، ترى مدير عام مركز الدراسات والبحوث في عدن، الدكتورة إيمان ناجي، أن "مبنى المجلس التشريعي يجب أن يكون متحفا أو مزارا للجميع، بعد إعادة ترميمه وصيانته وتأهيله".

وأشارت إلى أن "ما قامت به فرقة خليج عدن مؤخرا مبادرة طيبة، وقد يكون هناك ترابط فعلا بين الطراز المعماري للمجلس مع رواية هاملت".

واستدركت: "لكن أيضا هناك اختلاف بين المجال الفني وبين دور ومكانة المجلس التشريعي الذي يجب أن تكون له خصوصيات، بحيث يجب أولاً إعادة ترميمه بشكل كامل وبذات النمط والمستوى والمواد المستخدمة، على أن يبقى متحفا أو مزارا لكل الوافدين ولمختلف الزوار المحليين والأجانب وكافة الأديان، بالإضافة إلى جعله قبلة للطلاب والدارسين لزيارته كمعلم أثري وتاريخي للمدينة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com