نيكولا هاروني
نيكولا هارونيإرم نيوز

نيكولا هاروني.. رحلة مؤثرة للانتصار على الموت (صور)

أكثر من خمسين عامًا من النضج والخبرات كان يعتقد نيكولا هاروني خلالها أنّ فرح الحياة وحزنها يكمن في تفاصيل محددة هي التي تصنع المفارقات الكبرى في الحياة، ولكن في خضمّ صراعه مع السرطان، فقدَ نيكولا الهاروني جزءًا كبيرًا من أهم أعضائه، البنكرياس.. فأصبحت الحياة في نظره في مكان آخر.

ورغم انقلاب الحياة على حياته بين الأمس القريب واليوم، لم يفقد نيكولا الأمل قط وقلبه ينبض بالحياة، رغم جسده الهزيل فهو يعيش بلا الجزء الأكبر من "البنكرياس"، العضو الذي يُعدّ من أهمّ أعضاء الجهاز الهضمي، والكنز الذي لا يُقدر بثمن.

نيكولا هاروني قصة ملهمة تروي التحدّي والصمود في وجه الظروف القاسية، فبعد صراعه مع سرطان البنكرياس، واجه خيارًا صعبًا قبل أن يقرر إجراء العملية وهو "الاستسلام بهدوء للموت".

اختار الرجل اللبناني من منطقة عجلتون في قلب كسروان أن يعيش كل لحظة متبقية من حياته على أكمل وجه بلا آلام ولا علاجات وأن يسلم الروح وهو يأكل طبقه المفضل الدجاج المشوي على الفحم. ففي رحلة صراعه مع مرض يبتلع حيوية كل عضو في جسمه، تعلّم نيكولا الهاروني قيمة الحياة الحقيقية، وأدرك أن كل لحظة فيها هي هبة من الله.

واليوم، يعيش الرجل الخمسيني بلا خوف من الموت، فهو يُدرك أن الموت حقيقة لا مفرّ منها، لكنّه يُؤمن أيضًا أن الحياة تستحقّ أن تُعاش بكلّ ما فيها من لحظات سعيدة وحزينة.

نيكولا هاروني
نيكولا هارونيإرم نيوز

صدمة وفاة

في عمر التاسعة عشرة، واجه صدمة وفاة والده، فكان مدللًا ووحيدًا، ولم يتحمل المسؤولية من قبل، لكن هذه الصدمة قلبت حياته رأسًا على عقب.

وخلال فترة الحرب في لبنان، تعلّم هاروني كيف يتصرف ويتحمل المسؤولية، فكان عليه أن يعتني ببيته وعائلته، فعمل في بيع المأكولات في السوق، وفي هذه المرحلة اكتشف موهبته في مجال المبيعات.

ويقول هاروني إنه حقق نجاحًا كبيرًا في الشركة التي كان يعمل فيها، ما أدى إلى زيادة راتبه بشكل ملحوظ، وفي الوقت ذاته، كان يواصل دراسته، إيمانًا منه بأهمية التعليم لتحقيق النجاح في الحياة.

ومن خلال هذه التجربة، تحوّل هاروني من شاب مدلل إلى رجل مسؤول وناجح، بعدما تعلّم الاعتماد على نفسه وتحمُّل المسؤولية، واكتشف موهبته في مجال المبيعات.

نيكولا هاروني
نيكولا هارونيإرم نيوز

طموح صاعد

لكن طموحه كان أكبر بكثير من ذلك، لذا عمل في شركة للشحن، وحقق فيها أيضًا نجاحًا كبيرًا، وساعده هذا النجاح على فتح أبواب الترقيات، حتى وصل إلى منصب مدير المبيعات.

وبعد ذلك، ترك هاروني الشركة والتحق بشركة أمريكية أخرى، ووصل فيها إلى منصب مدير إقليمي للشرق الأوسط، وكان عمره آنذاك 29 عامًا فقط.

وبعد ثلاث سنوات من العمل في الشركة الأمريكية، قرر أن يفتح شركته الخاصة في لبنان، وتقدّم باستقالته من الشركة، وبدأ العمل على تأسيس شركته الجديدة.

وفي البداية، كانت الشركة صغيرة جدًّا، لكن مع مرور الوقت، كبرت تدريجيًّا حتى أصبح فيها 17 موظفًا، واستطاع من خلال خبرته في مجال الشحن أن يجعل الشركة من كبريات الشركات في هذا المجال.

نيكولا هاروني
نيكولا هارونيإرم نيوز

رحلة إعلامية مع الزعيم

وفي عام 2013، جاءته فرصة للمشاركة في برنامج تلفزيوني اسمه "الزعيم"، وتعتمد فكرته على استضافة 15 شخصًا غير معروفين.

ونجح في الفوز بالبرنامج، وحصل على "درع الزعيم"، وكان هذا الفوز بمثابة دفعة قوية له نحو الانطلاق في مجال الإعلام، وفق تعبيره.

لكن المشكلات المتتالية تسببت في تراجع العمل، وواجه العديد من التحديات الشخصية، بدءًا من طلاقه الذي جعله على وشك خسارة ابنته، ثم الأزمة في لبنان، فقد خسر كل ماله كباقي اللبنانيين في المصارف، ليأتي انفجار بيروت، حيث كان مكتبه على مقربة منه وتسبب في إصابته بجروح وبخراب مكتبه، فقد دمر بالكامل، فوجد نفسه بلا مال ولا حصانة، باختصار ثلاث سنوات عاشها الرجل يتحدى أزماته بصمود لافت.

نيكولا هاروني
نيكولا هارونيإرم نيوز

عام كأنه دهر

منذ عام تقريبًا، وبعد رفضه للعلاج ظهرت في حياته دوافع جديدة جعلته يقتنع بإجراء العملية الجراحية التي تم خلالها استئصال الجزء الأكبر من البنكرياس، إذْ كان هذا الجزء مصابًا بالسرطان ولكن قبل تلك اللحظة المفصلية في حياته، نصحه الأطباء بالحصول على العلاج الكيميائي، لكنه رفض العلاج ورفض العملية، بسبب جسده الضعيف وقرر انتظار الموت بلا آلام ولا خوف.

وكانت فترة المرض محبطة للغاية، فكان ينتظر الموت كل يوم، وتعلم أنّ الحياة تافهة ولا نعرف قيمتها الفعلية إلا حين نفقدها ولا شيء يضاهي الصحة لا المال ولا المناصب ولا الشكليات، وشعر بالندم على كل لحظة حزن فيها على أشياء "تافهة"، وفق قوله.

وبعد فترة من انتظار الموت بحكمة المستسلم الهادئ، وبعد أن اختبر نكران الأصدقاء في محنته، التقى بمعجزة إلهية كما يسميها، وهي الطبيبة إيفلين جرجس والطبيب علي شقير، وكانا أكثر من وقف إلى جانبه خلال تلك الفترة، وعرّفاه على طبيب منحه الأمل من جديد، بعدما قرر هذا الطبيب إجراء العملية دون علاج كيماوي مرهق.

وفي خضمّ تجربته مع المرض، لم ينشغل نيكولا هاروني بطموحات مادية عابرة، بل انشغل بنفسه وبصحته -منبع قوته- إذ تملّكه شعور واحد لا غير بعد الأمل الجديد، "الرغبة في استعادة صحته".

وفي هذه اللحظة، قرر التحدي مجددًا ووافق على العملية التي أجراها له الطبيب جواد خليفة، الطبيب الجراح المشهور في مجاله والوزير السابق، واستمرت 9 ساعات، وكانت من أخطر العمليات التي يمكن إجراؤها -بشهادة الطبيب نفسه، فأدخل إلى غرفة العمليات وقبل أن يستسلم نهائيًّا للمخدر، مرت حياته شريطًا متحركًا أمام عينيه فرأى من أحبهم من عائلته وبعض من ساندوه، وكأنهم يقولون له ستعود إلينا وأغمض عينيه على صورة ابنته "ميا" تبتسم له من بعيد، وبعد تسع ساعات استيقظ، ليدرك أن عمليته نجحت وأنه عاد إلى أحضان الحياة وبدأت المرحلة التالية مع جلسات الكيماوي الضرورية.

وتغيّرت نظرة نيكولا هاروني للحياة بعد هذه التجربة، وأدرك حينذاك أنّ "الحزن هو أخطر الأمراض، وأن كل شيء في الحياة يمكن تعويضه إلا الصحة، ففي مواجهة المرض، يصبح الجميع ضعفاء وتصبح كل التفاصيل أصغر من قدرتنا على رؤيتها".

وقطع وعدًا على نفسه -وعدًا للحياة ووعدًا للجميع- وهو "عندما أسترد صحتي كاملةً، سأعود إلى العمل الإعلامي، وسأعيدُ شركة الشحن مجددًا ورغم خطورة المرحلة ما بعد العملية التي يمر فيها نيكولا، فلا يزال متمسكًا بغذاء من شحنات الحب تساعده على تجاوز الصعوبات".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com