تفاقم معاناة مريضات سرطان الثدي في إدلب

تفاقم معاناة مريضات سرطان الثدي في إدلب

تعاني مريضات سرطان الثدي في مدينة إدلب، شمال غرب سوريا، من صعوبة تأمين العلاج المخصص، بسبب الواقع الطبي السيئ الذي تشهده المنطقة، وافتقارها لهذا النوع من العلاج الذي يعد مكلفا ونادرا في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.

ودفعت صعوبات تلقي العلاج العديد من المصابات لخوض رحلة علاج شاقة وخطرة، تمثلت بمخاطر العبور عن طريق التهريب إلى مناطق الحكومة السورية التي تؤمن العلاج المجاني لهذه الحالات، بالإضافة لرحلات تهريب مماثلة إلى الأراضي والمشافي التركية التي يتوفر بها العلاج أيضاً.

غير أن العديد من المصابات استسلمن لمرضهن بانتظار مصيرهن المحتوم بسبب عدم قدرتهن على خوض غمار التهريب إلى إحدى المنطقتين نتيجة التكاليف الباهظة والمرتفعة التي لا طاقة لهن بها.

ومنذ ثلاثة أشهر، تحاول غدير الإبراهيم (42 عاماً) وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب، الدخول إلى الأراضي التركية عن طريق التهريب بعد رفض الجانب التركي استقبال حالتها المرضية كونها غير اضطرارية.

وتعاني الإبراهيم من مرض سرطان الثدي المتقدم الذي اكتشفته متأخرة بداية العام الجاري، ما أدى لتفاقم حالتها الصحية وانتشار المرض في جسدها بشكل سريع، وحاجتها الملحّة للدخول إلى الأراضي التركية من أجل تلقي العلاج، بحسب ما أخبرها الأطباء.

"لازم يكون المريض عم يموت حتى يدخل على تركيا"، قالت الإبراهيم لـ"إرم نيوز"، في إشارة منها إلى الصعوبات والتعقيدات التي يفرضها الجانب التركي على المرضى السوريين الذين تقطعت بهم سبل العلاج في المناطق التي يقطنون بها".

وأضافت أن "الأطباء أخبروها بضرورة خضوعها لعمليات جراحية وجلسات إشعاعية بأقصى سرعة ممكنة، وهو ما لا يتوفر في الشمال السوري".

وأوضحت أن "جميع محاولاتها لدخول الأراضي التركية عن طريق التهريب على مدى ثلاثة أشهر باءت بالفشل، خاصة وأن حرس الحدود التركي يمارس كافة الضغوط النفسية والجسدية على الأشخاص الراغبين بعبور الحدود السورية التركية.

ولا تخفي الإبراهيم نيتها في تكرار محاولاتها علها تتمكن من الدخول إلى المشافي التركية، في ظل عدم وجود أي خيارات متاحة أمامها سوى المخاطرة والمجازفة، أو انتظار مصيرها المحتوم وهو الموت في حال عدم تلقيها العلاج اللازم.

ظروف صعبة

وتزايدت في الآونة الأخيرة أعداد المصابات بمرض سرطان الثدي في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وسط ظروف صعبة يعيشها المصابون من خلال عدم توفر العلاج الذي بات الحصول عليه صعب المنال، في ظل اقتصار وجوده على مناطق سيطرة الحكومة السورية وتركيا.

وبحسب إحصائيات محلية صادرة عن معبر باب الهوى الحدودي فإن نحو 50 حالة سرطان يتم إدخالها أسبوعياً، من معبر باب الهوى للعلاج في تركيا، كما وصل أعداد المصابين الذين عبروا من معبر باب الهوى للعلاج في تركيا 2021، إلى  أكثر من 2200 حالة.

 وتشمل الإحصائية الحالات التي دخلت بطريقة رسمية وآمنة من المعبر الرئيسي، دون المصابين الذي عبروا الأراضي التركية أو مناطق سيطرة الحكومة السورية عن طريق التهريب للحصول على العلاج.

لم تكن شيرين عبدالوهاب (35 عاماً) أفضل حالاً من سابقتها حين منعتها "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة إدلب، من الدخول إلى مناطق الحكومة لتلقي العلاج بعد تأزم حالتها الصحية وانعدام الأدوية والجرعات الكيماوية في المنطقة.

وقالت شيرين لـ"إرم نيوز" إنها "حاولت العبور بطريقة غير شرعية إلى مناطق الحكومة السورية، بعد أن علمت بوجود علاج مجاني لحالتها  المستعصية إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام اعتقلتها لمدة 24 ساعة، قبل أن تفرج عنها بعد إجبارها على توقيع تعهد خطي بعدم عودتها للتهريب تحت طائلة المساءلة القانونية والسجن".

"وين بدي روح بحالي" بهذه الكلمات تلخص شيرين معاناتها مع مرضها الذي أنهك قواها وجسدها النحيل، في ظل عدم قدرتها على الوصول إلى مكان يضمن لها العلاج الذي يخفف عنها آلامها وأوجاعها التي باتت ترافقها في أدنى حركاتها.

وتؤكد أن "الأطباء الأتراك وافقوا على إحالتها إلى المشافي التركية في 15/3/2023، وهي فترة طويلة جداً قياساً بحالتها الصحية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، إذ إن تأخرها عن العلاج وانتظارها هذه الفترة قد يتسبب لها بمضاعفات تؤدي إلى الوفاة".

وبحسب شيرين فإن "الجانب التركي تذرع بأن التأخير جاء نتيجة الضغط  وأعداد المرضى الكبيرة التي تشهدها المشافي التركية، إذ يتوجب على مرضى الحالات الباردة الانتظار حسب الجداول الشهرية المخصصة".

ولفتت أنها "ستحاول بشتى الوسائل الوصول إلى دمشق للحصول على العلاج الإشعاعي الذي يعطيها أمل الشفاء مهما كانت فرصته ضئيلة، مستشهدة بالمثل الشعبي الذي يقول الغريق يتعلق بقشة".

إغلاق المعابر

وبعد الحملة العسكرية الأخيرة على إدلب، أغلقت جميع المعابر المدنية والتجارية مع مناطق سيطرة قوات الحكومة السورية، ولم يعد بإمكان المرضى المتواجدين في إدلب من استكمال علاجهم في العاصمة دمشق أو غيرها من مناطق سيطرة الحكومة، إذ لا يوجد في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة سوى مركز واحد لعلاج سرطان الثدي متواجد في المشفى المركزي في محافظة إدلب، حيث يقتصر عمل المركز على الكشف المبكر عن المرض وعلاج الحالات المبكرة للتخفيف من سرعة انتشار المرض، بحسب الطبيب يحيى الحميدي المسؤول عن المركز.

وقال الطبيب المختص لـ"إرم نيوز" إن "أمراض السرطان تتنامى في مناطق شمال غرب سوريا بشكل ملحوظ مؤخراً، بسبب الأوضاع البيئية والنفسية الناتجة عن الحرب واستخدام الأسلحة التي أدت بشكل أو بآخر للتلوث البيئي من خلال السموم والمواد الكيميائية التي انتشرت في بيئة جغرافية ضيقة".

وأضاف أن "الواقع الطبي في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة سيئ للغاية ولا يؤمن لهؤلاء المرضى  مستويات علاجية متقدمة بسبب ندرة الأدوية وارتفاع سعرها إن وجد".

وأفاد بأن "مركز السرطان في مدينة إدلب يستقبل نحو 40 حالة جديدة شهرياً، في حين وصل عدد المراجعات الشهرية للمركز إلى 1200 مراجعة، نصفهم من النساء المصابات بسرطان الثدي".

وبين أن "أعراض مرض سرطان الثدي تتلخص بإفراز سوائل شفافة تكون مشابهة للدم أحياناً، بالإضافة لتراجع حلمة الثدي أو تسننها، وتغير حجم وملامح الثدي بشكل عام، وتكمن نسبة الشفاء ونوع العلاج في سرعة الكشف عن المرض أو تأخره".

ولفت الطبيب الحميدي إلى "ضرورة وجود آلية جديدة تسمح لهؤلاء المرضى وخاصة النساء لتلقي العلاج في المنطقة التي يريدونها من خلال تقديم التسهيلات اللازمة لا تعقيدها عليهم، خاصة وأنهم يسابقون الزمن من أجل الحفاظ على حياتهم وأرواحهم".

إلى ذلك، أشار تقرير للوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، الصادر في 2018، إلى أن "سوريا في المركز الخامس بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وأن هناك 19 شخصاً مصاب بالسرطان من كل 100 ألف شخص، وأن المرض يتسبب بوفاة 105 أشخاص من كل 100 ألف سوري".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com