قاوم مسجد "كتشاوة" في العاصمة الجزائرية، بصمود منذ إنشائه خلال حقبة العثمانيين في أواخر القرن السابع عشر ميلادي، كافة الظروف التي مر بها، خصوصا إبان حقبة الاستعمار الفرنسي، ليتحول بعد استقلال البلاد إلى رمز من رموز الحرية.
جامع كتشاوة واحد من أشهر المساجد في الجزائر يقابل الواجهة البحرية لساحة الشهداء؛ ما أضفى عليه مسحة جمالية استثنائية، زاده روعة الطابع العمراني العربي والإسلامي، الذي تكسو جدرانه الخارجية. وقد شيّده العثمانيون الذين حكموا البلاد سنة 1792، وهو ما يفسر أصل التسمية كتشاوة الكلمة التركية التي تعني "العنزة" باللغة العربية، وقد أطلق الاسم على المسجد نسبة إلى السوق القائمة في الساحة المقابلة للمسجد التي تحوّل اسمها لاحقا إلى ساحة الشهداء.
وبمجرد دخول الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 حوّل المسجد التاريخي بعد عامين لمستودع للسلاح ومسكن لرؤساء الأساقفة حتى تم تدميره عام 1844 من قبل الجنرال الدوق دو روفيغو القائد الأعلى للقوات الفرنسية الذي كان تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية "دوبونياك" بعد حرقه المصاحف الموجودة فيه.
وتكلّم الباحث الفرنسي ألبير دوفو (1826 - 1876)، في دراسة له حملت عنوان "ملاحظات تاريخية عن المساجد والمباني الدينية الأُخرى في مدينة الجزائر القديمة"، أنّ مدينة الجزائر كانت تحتوي، قبل الاستعمار الفرنسي عام 1830، على 13 مسجداً جامعا و109 مساجد و12 زاوية صوفية. لكن بقي منها عدد قليل على خلفية تعمد سلطات الاحتلال تدمير جزء منها وتغيير الملامح المعمارية لجزء آخر وتحويله إلى كنائس أو مخازن أو مستودعات أو مباني إدارية ومراكز تعذيب، مثلما فعلت بجامع كتشاوة الذي حوّلته إلى كنيسة كاثوليكية.
والأكثر من ذلك أنها حولته في فترة من الفترات إلى إسطبل ضمن مساعيها لضرب كل ما يمت بصلة للشريعة الإسلامية والقضاء على مقومات الجزائر وهويتها.
ورافق مقاومة الجزائريين للإجراءات الفرنسية قمع الاحتلال لهم بجرائم بشعة ارتكبت في الثامن عشر من ديسمبر 1832، حين اعتصم ما لا يقل عن أربعة آلاف جزائري داخل مسجد كتشاوة في مُحاولة لثني الاستعمار عن تحويله كنيسة، وما كان من الجنرال العسكري دي روفيغو (1774 - 1833) الذي شارك في احتلال الجزائر وعيّن حاكما عاما لها لتوجيه عقاب جماعي بارتكاب جريمة ضد الإنسانية انتهت بقتل جميع المصلين وهم بداخل المسجد. وقال خلالها جملته المشهورة "يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبد إله المسيحيين".
وعقب ارتكاب تلك المجزرة أنشئت مكانه كاتدرائية حملـت اسم "سانت فيليب" وصلّى المسيحيون فيها أول صلاة مسيحية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1844، واستمرت إلى غاية استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962، وبعدها أقيمت به أوّل خطبة جمعة ألقاها الشيخ البشير الإبراهيمي في يوم الثاني من نوفمبر من العام ذاته.
لكن في أعقاب زلزال ضرب العاصمة عام 2003، وتضرر الجامع، تم غلقه مؤقتا لتتولى السلطات التركية بالتعاون مع مؤسسات وعلماء آثار جزائريين أعمال ترميم المسجد، واستمرت الأشغال نحو ثلاثة أعوام لإعادة المسجد إلى العمل، ليستعيد المسجد مكانته منذ 2018 كتحفة معمارية، حيث شهد حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحرمه لإعادة تدشينه.