آثار سوريا
آثار سوريامتداولة

الآثار السورية في الحرب.. خسائر فادحة وتدمير ممنهج

نُكِبت الآثار السورية خلال ثلاثة عشر عامًا من الحرب، بدمار هائل ونهبٍ طال أهم المواقع المدرَجة على قائمة التراث العالمي.

ورغم أن المديرية العامة للآثار والمتاحف، وثّقت الكثير من تلك الأضرار، فإن الإلمام بالتفاصيل الكاملة لحجم التخريب ما زال صعبًا، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة.

تدمير لأجل التدمير

وظهر التدمير في الكثير من المناطق، غايةً في حد ذاته، خاصة عندما قامت الجماعات المسلحة بتفجير قوس النصر الشهير في مدينة تدمر، وعرّضت العملية على البث المباشر عبر الإنترنت.

ويمكن تقسيم الاعتداء على الآثار السورية خلال الحرب، إلى عدة أنواع، بعضها تم بدوافع أيديولوجية إلغائية اختصت بها الجماعات المتطرفة، والآخر مارس السرقة بهدف البيع والتكسّب من التهريب.

لمحة عن حجم الأضرار

يقول الدكتور محمد نظير ديوب، مدير مديرية الآثار والمتاحف، لـ"إرم نيوز": "أجرينا مسحًا أثريًّا في المناطق التي حرَّرها الجيش السوري، وتبيَّن أن بعض المواقع تعرَّض لدمار جزئي، والآخر أصابه دمار كبير، وغيرهما تعرَّض لدمار كلّي".

ويضيف ديوب: لا يمكن حصر الأضرار في كل المواقع حاليًّا، لكننا زرنا أهمها مثل: مدينة إيبلا في ريف إدلب، التي حوّلتها الجماعات المسلحة إلى قاعدة عسكرية، وحفروا فيها الكثير من الخنادق التي دمَّرت السويّات الأثرية.

وتشتهر إيبلا بألواحها المكتوبة العائدة لعدة آلاف عام قبل الميلاد، وقد غيَّرت الكثير من الحقائق التاريخية بعد اكتشافها على يد العالم الإيطالي باولو ماتيه.

ويقول ديوب: "تعمل المديرية ووزارة الثقافة على استعادة القطع المعروضة للبيع في أوروبا، وقد أعلنت الشرطة الألمانية اكتشاف لوحين من ألواح إيبلا معروضين للبيع، نعمل على استردادهما".

ويضيف ديوب: "وتعرَّضت مدينة ماري التاريخية على ضفاف الفرات، إلى التدمير والسرقة، كذلك الأمر بالنسبة لمدينة أفاميا في ريف حماة، حيث سُرقت التيجان والأعمدة وتم نبش المكان بآلاف الحفر التي خربت الآثار".

ولم تنجُ المواقع الأثرية في جنوب سوريا وشمالها الشرقي من التدمير والسرقة، فتعرَّض بعضُها للتجريف بالآليات بهدف الحصول على القطع الأثرية. مثلما حصل في موقِعَي تل القرامل وتل عجاجة.

وتعرَّضت مدينة البارا الأثرية في ريف حماة، لأضرار كثيرة بسبب الحفر السري، واستخدمت حجارتها في بناء المنازل، مثلما هي حال قلعة سمعان التي عانت من آثار الحرب والزلزال.

ويقول ديوب: "قمنا بالتصوير والتوثيق بالوسائل التي نملكها رغم الحصار الاقتصادي، واستعنا بصور الأقمار الاصطناعية، ومساعدة الأهالي وحراس الآثار، للوقوف على حجم الاعتداءات".

متحف إدلب ومدينة تدمر

يعتبر متحف إدلب من أغنى المتاحف في سوريا، وقد طاله الاعتداء والسرقة كبقية المواقع. لكن إحصاء الأضرار ما زال صعبًا نظرًا لوقوع المنطقة خارج سيطرة الدولة.

ويضيف ديوب: "القطع الأثرية التي تظهر في أوروبا، تؤكد أن المتحف تعرَّض للنهب، وكان آخرها ألواح إيبلا المكتوبة التي تعتبر كنزًا للبشرية جمعاء".

وعندما سيطر تنظيم "داعش" على مدينة تدمر الأثرية، قام بنسف الكثير من المعالم، في مقدمتها قوس النصر، كما ظهر عناصره وهم ينهالون بالفؤوس على الأعمدة والتماثيل الأثرية بشكل يصعب استيعابه.

في انتظار البحث الدقيق

يقول مدير الآثار والمتاحف: "مازلنا بحاجة إلى مسح تفصيلي للوصول إلى إحصاءات دقيقة، لكن الحفر السري أدى إلى تهريب مئات القطع الأثرية إلى الخارج، وتسعى المديرية لاستردادها أنّى تَظهر".

ويحتاج المسح التفصيلي إلى خدمات لوجستية وخبرات كبيرة، تستطيع أن تغطي مئات المواقع الأثرية التي تنوَّعت فيها الاعتداءات بين السرقة والنبش والتجريف.

ويقول الباحث التاريخي الدكتور عبد الوهاب أبو صالح لـ"إرم نيوز": "ما سيتكشَّف في السنوات المقبلة من أضرار لحقت بالآثار السورية، سيكون مَهولًا لا يمكن تخيله الآن".

ورشات الترميم

وباشرت ورشات الترميم أعمالها، فور هدوء الجبهات واستعادة الدولة لمساحات واسعة من الجغرافيا السورية.

ويقول ديوب: "لدينا ورشات تعمل في ترميم القطع الأثرية، وتشرف عليها مديرية المخابر في المديرية، وورش تعمل على ترميم المباني والقلاع، وتتركز أعمالها في حلب حيث القلعة والأسواق التاريخية".

وتتعاون مديرية الآثار مع بضع جهات دولية ومحلية لإنجاز أعمال الترميم في قلعة حلب وأسواقها التاريخية، مثل: مؤسسة الأغا خان، والأمانة السورية للتنمية، ومجلس محافظة المدينة.

ويقول ديوب: "تجري أعمال الترميم أيضًا في قلعة صلاح الدين والحصن والمرقب ومدينة تدمر، حيث أعدنا إيصال المياه إلى واحة تدمر بالتعاون مع الفريق الروسي، كما نتعاون مع المتحف العُماني لترميم بعض القطع والأوابِد التي تأثرت بالحرب والزلزال".

وتتعاون مديرية الآثار السورية، مع بضع جهات دولية تقوم بتمويل بعض المشاريع على الأرض، إضافة إلى الميزانية التي تخصصها الحكومة لدعم مشاريع الترميم.

ويضيف مدير الآثار: "أنهينا المرحلة الأولى من ترميم قوس النصر في تدمر، وحصل المشروع على موافقة اليونسكو، وننتظر انتهاء الأعمال التمهيدية للمباشرة في ترميم هذا الرمز الهام عند السوريين، بالتعاون مع الأكاديمية الروسية".

ويقول الدكتور أبو صالح: "ما حصل للآثار السورية كان ممنهجًا وليس عشوائيًّا. إنها حرب ثقافية قبل أن تكون عسكرية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com