"المعددة".. كيف استخدمت المصريات قديما البكاء مصدرا للدخل؟‎ (صور)

"المعددة".. كيف استخدمت المصريات قديما البكاء مصدرا للدخل؟‎ (صور)

استخدمت المصريات في العصر القديم البكاء مصدرا لجلب الرزق، حيث نشأت منذ القدم مهنة "المعددة" أو "الندابة" والتي تعني اصطلاحا "امرأة تحترف البكاءَ على الميِّت وتعدِّد محاسنَه"، وظلت موجودة حتى وقت قريب في مصر والجزيرة العربية، وبعض الدول الإفريقية مثل غانا.

و"المعددة" هي سيدة حباها الله بالصوت الجهوري، وبقدرتها على البكاء كلما أرادت ذلك، حيث كان يستعان بها في الجنازات من أجل حث الحضور على البكاء، فتظهر تلك السيدة بثيابها السوداء الرثة، وتفترش التراب أمام منزل المتوفى وتبدأ في النحيب ولطم الوجه وشق الثياب أحيانا، وتعدد الصفات الحميدة للميت الذي ربما لم تلتق به مطلقا، كل ذلك من أجل مبلغ من المال تتقاضاه من أسرة المتوفى.

ولعلّ السؤال عما يجنيه الميت أو ذويه من خدمات هذه "المعددة"، ليدفعوا المال لها، مشروعا. لكن الإجابة الأدق هي التزاما بعادات وتقاليد نشأوا عليها، ولا يجوز مخالفتها في عرفهم.

وذكر الكاتب المصري أحمد أمين في كتابه "قاموس العادات والتعابير المصرية"، أن المعددة مهنة قديمة، واصفا إياها بالقول: "امرأة تدعى للغناء في المأتم، وهي تستفسر أولا عن الميت ومن هو، وعلى أي حال كان، وما فضائله ومزاياه، وتصوغ من كل ذلك كلاماً في "تعديدها" يثير كوامن النفوس، ولها لسان فصيح وقدرة تامة على الإبكاء، وبعضهن يصحبن معهن الدف، فيثرن بذلك دوافع اللطم على الوجوه".

ورصدت السينما والتلفزيون المصري "المعددة" في أكثر من عمل فني، لعل أبرزها فيلم "طيور الظلام" الذي قام ببطولته الفنان عادل إمام، الذي جسد شخصية "فتحي نوفل" المحامي الطموح، الذي نشأ في الأرياف لأب يقوم بصناعة "الحصر" التي يجلس عليها الناس، ولأم "معددة".

وسلط المخرج شريف عرفة الضوء على المشاعر المتضاربة للمعددة في الفيلم، في المشهد الذي يعود فيه عادل إمام إلى والديه بحقيبة مليئة بالمال، فيسأل على والدته ليجدها في أحد المآتم تقوم بعملها، فيذهب إليها ويحضرها ويعطيها المال لتقوم بـ"الزغرطة".

ولعل أكثر منطقة في مصر انتشرت فيها هذه المهنة، هي الصعيد، وظلت متواجدة حتى وقت قريب، حيث وصف الشاعر درويش الأسيوطي "المعددة" في دراسته، بأنها: "نهر حزن بلا مصب يجري منذ آلاف السنين ولن يجف أبداً".

وذهبت معظم الدراسات إلى أن نشأة مهنة المعددة يعود إلى مصر القديمة، حيث ذكر الكاتب "وليم نظير" في كتابه "العادات المصرية بين الأمس واليوم" أن هذه المهنة فرعونية الأصل، قائلا: "بعدما استطاعت إيزيس جمع أشلاء زوجها المتناثرة صنعت منها أولى المومياوات بمساعدة نفتيس وأنوبيس، وانتقل أوزير بعد ذلك إلى عالم الأموات حيث تم دفنه على أنغام مراثي إيزيس ونفتيس".

قال الدكتور محمد شحاته العمدة صاحب كتاب "أغاني النساء في الصعيد" في تصريح خاص لـ"إرم نيوز": "البكاء على الميت أو ما يعرف بـ"العديد"، وهي جمع “عدودة"، أي ما يقال من شعر شعبي عند الموت يشبه كثيرا "دعاء الجاهلية"، أي يقول أهل الميت من النساء أو "المعددات" المحترفات، كلاما فيه معانٍ قد تتنافى مع الدين والأخلاق مثل الاعتراض على الموت نفسه، ولطم الخدود وشق الجيوب.

وأضاف شحاته: "تحول الأمر من التعبير عن الحزن من ذوي المتوفى، إلى مهنة يمتهنها كل من يمتلك الموهبة على استجداء البكاء، وظلت هذه المهنة منتشرة بقرى الصعيد حتى وقت قريب للغاية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com