سوق مطرح في سلطنة عُمان.. بريق الماضي ورائحته التي لا تزول (صور)
لم يخطر ببال أوائل التجار الذي بنوا دكاكين بسيطة من الطين وسقفوها بسعف النخل، قبل أكثر من مائتي عام في ولاية مطرح العمانية، أن يتحول المكان لسوق شعبي نشط، لكن التصور الأصعب، هو أن يتحول المكان لإحدى أشهر وجهات الزيارة من داخل سلطنة عمان وخارجها.
تعد مطرح إحدى الولايات البارزة في السلطنة العريقة، إذ اشتهرت بمينائها البحري الذي تقصده السفن والتجار من مختلف الدول، فكانت تلك الحركة التجارية النشطة سبباً في نشوء سوق مطرح، حيث أنشأ بعض التجار دكاكينهم من الطين وسعف النخل لتلائم بيئة المكان الحارة.
جذبت تلك الدكاكين متسوقين كثر، اتسعت معهم مساحة السوق، وزادت دكاكينه عاماً بعد آخر مع نمو التجارة في ميناء مطرح، قبل أن يتحول المكان لسوق شعبي كبير جداً يضم في داخله مجموعة أسواق.
ومع مرور السنين، تحول السوق لوجهة رئيسية للمتسوقين القادمين من ولاية مطرح ومختلف ولايات محافظة مسقط العاصمة، قبل أن يصبح السوق مقصداً للسياح الكثر الذين يزورون السلطنة سنوياً مع تطور وسائل النقل في العصر الحديث.
وعلى الرغم من النهضة العمرانية التي شهدتها عمان في النصف الثاني من القرن الماضي، حافظت الأماكن التاريخية والتراثية، كالقلاع الكثيرة في مطرح، وسوقها الشعبي، على البريق ذاته، لا بل كان السوق وجهة السياح الرئيسية.
وتعاملت بلدية مسقط التي تشرف على السوق مع ذلك الواقع في خطتها لتطويره، فبدلاً من هدمه وبناء سوق جديد، قامت بتجميله من خلال وضع الزخارف المستوحاة من البيئة العمانية واستخدام الخامات المحلية التي حافظت على طابعه التقليدي، كما عملت على رصف الطرق والأزقة التي ساعدت على تسهيل الحركة بين جنباته المختلفة.
وشملت عمليات تطوير السوق أيضاً، وضع سلالم للمحلات في السوق بشكل هندسي منظم، ووحدت لون واجهاتها، بحيث تبرز المعالم الحضارية للمكان، وأعادت تصميم مداخل السوق عـلى شكل أقواس لتوحيد المنظر العام مما أعطى السوق تجديدًا في المكان وحافظ على مكانته التقليدية.
ووجدت تلك الخطوة نتائجها بالفعل، حيث بدء السوق باستقطاب زوار جدد من داخل سلطنة عمان وخارجها، إذ لا يمكن حصر جنسيات رواد السوق الذين يمكن أن تصادفهم لو زرته.
ولعل أبرز ما يميز السوق لدى غالبية الزوار، هو روائح العطور والبخور واللبان العماني والقهوة التي تنتشر في أروقته، فيما ينقسم الزوار بعد ذلك وفق تفضيلات عديدة، حيث يجذب سوق المشغولات اليدوية كالفضيات والخناجر والأسلحة التقليدية زواراً أجانب، كثير منهم سياح أوروبيين.
بينما يتزاحم زوار عرب على سوق الذهب الفرعي داخل سوق مطرح، فللذهب العماني سمعته وجاذبيته التي تتجاوز حدود السلطنة بكثير، بجانب إقبال عشاق اللبان العماني والبخور والمجامر العمانية على المحلات التي تبيع تلك المنتجات.
بينما يتواجد عمانيون أكثر وعدد ليس بالقليل من المقيمين في البلاد، في أسواق الملابس والخضار وغيرها من الاحتياجات التي يختص بها السكان وقلما يهتم بها الزوار والسياح العابرون.
ولا تقتصر ميزة سوق مطرح التاريخي على قدرته في منافسة الأسواق التجارية العصرية في عمان، بل في ولاية عريقة مثل مطرح، تتواجد على مقربة من السوق قلاع وأسوار ومتاحف وشواهد تاريخية عديدة، غير أن سوق مطرح لا يزال الأكثر جاذبية والمكان المفضل للزيارة.
