مدينة حماه
مدينة حماه متداولة

مدينة حماة.. "أنى مشيت فجنة وخمائل" (صور)

"أنَّى مـشـيتُ فجنةٌ وخمائلٌ.. أو أين سِرتُ فأنهرٌ وجسورُ/ يـا ليـت شِـعـري مـا أقـول بوصفها.. وحماة شِعرٌ كلُّها وشعورُ/ وبهـا نـواعـيـرٌ مـتـى أبـصـرتـهـا.. أبصرتَ أفلاكَ السّمـاءِ تـدورُ/ لحنٌ قديمٌ طالما أصغتْ له.. أمـمٌ خـوالٍ واستمعن دهورُ" هذه الأبيات للشاعر أحمد الصافي النجفي تختزل الكثير عن جمال مدينة حماه وطبيعتها الخلابة.

هذه المدينة، التي تتوسط سوريا باتجاه الغرب، مليئة بالجمال والاختلاف، وكأنها تستقي فرادَتها من نهر العاصي الذي يَمُرّ بها معاكساً أقرانه في البلاد، إذ ينبع من الجنوب ليصب في الشمال، ومن مزاياها أن أصول سكانها بحسب بعض الروايات التاريخية تعود إلى ذرية كنعان ولد حام ولد نوح عليه السلام، كما أن معنى اسمها هو القلعة أو الحصن، مع أن قلعتها الآن مُهدَّمة تماماً، وباتت عبارة عن تلَّة لم يبق فيها إلا آثار قليلة عمّا كانته في الماضي.

نواعير حماة
نواعير حماةمتداولة

وكتحدٍّ لجريان العاصي في ظل الهضاب الكثيرة في المدينة، قام أهل المدينة ببناء النواعير التي تنقل مياه النهر عبر مجارٍ تعلو قناطر مرتفعة إلى الأراضي البعيدة والمرتفعة لسقايتها، كما أقاموا بجوار تلك النواعير الطواحين الكبيرة للاستفادة من قوة المياه وتحويلها إلى قدرة ميكانيكية لتحريك الرحى الكبيرة.

حملت حماه أسماء وصفات كثيرة في تاريخها، ففي التوراة أطلق عليها اسم "حمث"، وزمن السلوقيين سنة 301 سُمّيت "ابيفانيا" نسبة للإمبراطور انطيوخس ابيفانيوس، وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد كان الحميون يُسمّون "الحثيون" وحينها تغلبوا على الكثير من سكان سوريا الآراميين وقويت شوكتهم، وفي سنة 1000 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة تحت حكم داوود عليه السلام، وكانت تسمى في زمنه "مملكة صوبة".

بعد ذلك، وفي سنة 332 قبل الميلاد كانت المدينة من جملة ما استولى عليه الإسكندر اليوناني، وفي سنة 64 دخلت حماة تحت الحكم الروماني، وهم الذين أنَشؤوا النواعير على العاصي الذي كان يُسمّى "الأورونت"، ليبقى أشهر ألقاب المدينة حتى الآن هو "مدينة النواعير" لانفرادها عن بقية مدن العالم بوجود نواعير كبيرة الحجم وكثيرة العدد على ضفاف العاصي، كما أطلق عليها "مدينة أبي الفداء" نسبة إلى الملك عماد الدين إسماعيل بن علي الملقب بأبي الفداء الذي حكمها من 1310م وحتى وفاته عام 1331م ودفن في المسجد المعروف باسمه تحت قبة تقع في الطرف الشمالي من المسجد.

ساعة حماة
ساعة حماةصفحة "مدينة حماة"

لكن ما ميز حماه طيلة تاريخها أنها "أم الفقراء" وذلك لكثرة خيراتها من القمح والشعير والذرة والحمص والعدس والعنب والبطيخ والألبان والسمن، إذ إن ابتعادها عن الطرق التجارية الكبيرة، بحرية كانت أم برية، جعل أهلها يهتمون بالزراعة وتربية الماشية، ومن علاماتها الفارقة على صعيد المأكولات "اللَّبَن الحموي" المصنوع من حليب الغنم، وحلاوة الجبن الشهيرة، و"عشّ البلبل" وهي رقائق عجين معمولة على شكل عش وبداخله اللحم مع الصنوبر.

ولعل أشهر معالمها الأثرية الماثلة حتى الآن هي نواعيرها وبقي منها شرق المدينة أربعة، اثنتان تسميان العثمانيات، واثنتان ـوهما الأكبرـ تسميان البشريات وتسقيان البساتين، وعند جسر السرايا ثمة أربع نواعير قبيل دار الحكومة تُسمى الجسرية، وبعدها ناعورة المأْمورية، ووراؤها اثنتان صغيرتان، إحداهما المؤيدية والثانية العثمانية، ثم عند جسر بيت الشيخ ثلاث نواعير، أكبرهن تُسمى الجعبرية، وأمامها ناعورة الصهيونية، وناعورة صغيرة تُسمى الكيلانية.

وفي غربي محلة باب الجسر ثلاث نواعير، أكبرهن ناعورة الخضر، وفي جانبها ناعورة الدوالك، وتقابلهن ناعورة الدهشة، وفي باب النهر ناعورة كبيرة تُسمى المحمدية، وخلفها ناعورة المقصف، ثم العونية، فناعورة البركة، وإلى جوارها نواعير كثيرة تسقي البساتين الكثيرة.

وهناك أيضاً مجموعة من الرحى لطحن الحبوب بواسطة قوة دفع مياه نهر العاصي، وبقي منها في داخل حماة الغزالة والمسرودة والحلوانية والقاسمية والحجرين والعونية. وهناك اثنتان بخاريتان لكنهما متوقفتان عن العمل حالياً.

أما ما يتعلق بالآثار الدينية التي تشتهر بها حماه، فأشهرها الجامع الكبير الذي يعود لزمن أبي عبيدة رضي الله عنه، وجامع الحيات في باب الجسر الذي كان يُسمى جامع الدهيشة، وجامع السلطان الواقع في حي الدباغة، وبناه السلطان بدر الدين حسن شقيق أبي الفداء على هيئة جامع الدهيشة، وجامع الحسنين، وجامع السلطان، وجامع أبي الفداء وجامع العزي المهجور اليوم.

مدينة حماة في خمسينيات القرن الماضي
مدينة حماة في خمسينيات القرن الماضيمتداولة

وهناك مجموعة من المدارس الدينية أبرزها الخاتونية في حي المدينة، وكانت داراً لمؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود عمة أبي الفداء، وكانت تُسمى دار الإكرام، وتحولت إلى بستان في مبدأَ طريق محلة الجراجمة، والمدرسة الطواشية التي بناها الطواشي مرشد وكان يقوم مقام الملك المنصور حين تغيبه عن حماة، وقد تهدمت ولم يبَق منها إلا آثار الجدران، وثمة المدرسة الحنفية وهي القطعة الشرقية من حرم جامع نور الدين، بناها الملك المؤيد أبو الفدا، وأُلحقت بحرم الجامع، والمدرسة المظفرية بجانب الجامع الكبير من جهة الغرب بناها الملك المظفر تقي الدين عمر.

وإلى جانب ذلك هناك عدد كبير من الخانات أبرزها خان أسعد باشا، وخان رستم باشا، وهناك قصر أسعد باشا العظم الذي بات منذ عام 1956 "متحف حماه"، والواقع في حي الطوافرة الأثري الذي ما زال محافظاً على ملامحه العمرانية الجميلة.

أما من أهم أعلامها فنذكر "الملك المظفر" و"الملك المنصور"، والمتصوف "ابن الفارض"، ومن أعلامها المعاصرين نذكر الدكتور الشاعر وجيه البارودي، والمخرج السينمائي ريمون بطرس، والمسرحي محمود جركس.

نواعير حماة
نواعير حماةصفحة "مدينة حماة"

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com