ناعورة ابن عربي
ناعورة ابن عربيمتداولة

آخر ناعورة شاقولية في دمشق.. شاهدة على تطور المعارف الإسلامية

ما زالت آخر ناعورة شاقولية في العاصمة السورية دمشق، تحتفظ بمكانها على نهر يزيد، بالقرب من جامع الشيخ محيي الدين بن عربي. وقد عرفت باسمه، منذ أن كانت ترفع الماء من سفح جبل قاسيون إلى الأحياء العالية لمسافة تقارب عشرين مترًا.

ورغم مرور قرابة 500 عام على بناء الناعورة على يد تقي الدين محمد بن معروف "1535- 1585"، فإن صيانة بسيطة تكفي لإعادتها إلى العمل. لكن المشهد تغير بعد انقضاء مئات السنوات، بعد أن جف نهر يزيد، وتم إيصال الماء عبر طرق حديثة إلى الأحياء المرتفعة عن الجبل.

وتعتبر ناعورة الشيخ محيي الدين، واحدة من مجموعة نواعير كانت تتموضع على نهر يزيد المتفرع من نهر بردى. مهمتها تأمين مياه السقاية والوضوء، عبر بكرات وصنجات خشبية، تعمل بفعل تدفق المياه، وهو أسلوب درج في القرن السابع الهجري، وامتازت به الحضارة الإسلامية في حماة والأندلس.

وتتشابه ناعورة الشيخ محيي الدين مع بقية النواعير، في مهمة رفع المياه من المستوى الأدنى للأعلى، لكنها تختلف في التصميم، خاصة مع ضعف غزارة المياه في نهر يزيد، وعدم إمكانية الاعتماد في دورانها على حيوانات الجر؛ ما جعلها إنجازًا في علم الميكانيك يشهد على تطور المعارف الإسلامية في تلك المرحلة.

وتتكون ناعورة الشيخ محيي الدين، من جزأين، الأول ميكانيكي متحرك، والثاني ثابت "البرج"، حيث يعمل دولاب ضخم يتحرك بقوة جريان المياه في نهر يزيد، على غرف الماء من المجرى بـ"قواديس" يفرغها بخزان في الأعلى، فتتابع طريقها إلى البيمارستان والجامع والتكية السليمانية وبيوت الحي.

بقيت الناعورة تؤدي مهماتها، حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأت مياه نهر يزيد تشح، مع تنفيذ مشروع إرواء تلك المنطقة من نبع عين الفيجة، منبع نهر بردى وروافده.

وكان السلطان العثماني سليم الأول، زار قبر الشيخ محيي الدين عربي في منطقة الصالحية بسفح جبل قاسيون، وكان يفصله عن المدينة بساتين غناء كثيرة، فأمر ببناء الجامع والتكية قرب مقام الشيخ الأكبر، ثم كلف المهندس الدمشقي تقي الدين بن معروف، ببناء الناعورة، نظرًا لاختصاصه بعلم آلات الرفع.

وخلال السنوات الماضية، طرحت عدة مشاريع لترميم الناعورة بغية المحافظة عليها كمعلم أثري. فقامت مديرية الآثار مع وزارة الأوقاف والمحافظة، بوضع مخطط لإخلاء المنطقة من السكن، تمهيدًا لأعمال الصيانة وتحويل المكان إلى وجهة سياحية. لكن المشروع لم ينفذ حتى اليوم.

ويعتبر امتداد البيوت السكنية، إلى جوار الناعورة وملاصقتها لها، من العراقيل الأساسية لأنها تتطلب إخلاء السكان وتأمين بديل سكني لهم.

ذكرت المصادر التاريخية، ناعورة الشيخ محيي الدين بن عربي في أكثر من مكان. فتناولها المؤرخ ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق، وقتيبة الشهابي في كتاب معجم دمشق التاريخي. ونالت الناعورة شهرة واسعة باعتبارها الوحيدة المتبقية من نواعير دمشق. ومن المنتظر تنفيذ مشروع الترميم الذي سيحول المنطقة إلى معلم ثقافي وديني، يجذب الزوار من جميع المناطق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com