غابات تونس
غابات تونسFTDES

مستقبل غامض ينتظر غابات الفلين في تونس

دق خبراء البيئة والمناخ في تونس ناقوس الخطر بشأن مستقبل غابات الفلين "الخفاف" والتي تعد مصدرًا للعيش والعمل ومن أبرز الثروات الطبيعية بالبلد، إذ بات وجودها مهدَّدًا بسبب الجفاف والتداعيات الوخيمة للتغير المناخي.

ونبه المرصد الوطني للفلاحة من أنّ "غابات الفلين مهددة بفقدان قرابة 18 ألف هكتار بحلول عام 2050 في ظل تواصل العوامل المؤدية إلى ذلك وانعكاسات التغيرات المناخية".

ويؤكد المرصد أن مساحة هذه الغابات تشهد تقلصًا متواصلا بسبب الحرائق وقطع الأشجار والرعي المفرط وموت أشجار الفلين بسبب التغيرات المناخية؛ ما يستوجب إنقاذها من التآكل وذلك حماية للطبيعة ولمصدر رزق كثير من الأسر التونسية، إذ يوفر هذا القطاع 5 آلاف فرصة عمل، حسب أحدث الإحصائيات الرسمية.

ثروة مهددة

يجمع خبراء البيئة على أن العوامل الطبيعية إضافة إلى غياب الاهتمام الحكومي والمجتمعي يهدد مستقبل هذا النوع من الأشجار والغابات، فيما تشكل عملية إنقاذها تحديًا حقيقيًّا باعتبار قيمة هذا المنتج كثروة طبيعية، إضافة إلى مساهمته في التنمية الاقتصادية لما يوفره من أعلاف وعائدات.

ويشير حمدي حشاد الخبير البيئي في حديثه لـ"إرم نيوز" إلى "وجود أسباب طبيعية وأخرى مرتبطة بالبشر وراء تراجع مساحات غابات الفلين".

ويوضح: "تتمثل الأسباب الطبيعية في انتشار الأمراض الفطرية التي تخص أشجار الفلين والتغيرات المناخية مع ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات والرعي الجائر وتفاوت نسبة التساقطات والرطوبة".

ويتابع: "أما الأسباب البشرية فهي مرتبطة بحرائق الغابات والقطع العشوائي للأشجار والاستخدام الجائر للأشجار".

وحسب وكالة الأنباء التونسية الرسمية، فقد أدت الحرائق منذ العام 1970 وحتى العام 2020 إلى قضم نحو 17.5 ألف هكتار من غابات الفلين.

وأمام هذه المشاكل والصعوبات المناخية، يرى حشاد أنه "على الجهات المعنية منح أهمية أكبر للموضوع، باعتبار أن أشجار الفلين من الغابات التاريخية في تونس"، لافتًا أن" الجزء الآخر من الغابات في مناطق متفرقة هي غابات انتقائية من فعل الإنسان، بالتالي يجب أن تتكاتف جميع الجهود لإنقاذ أشجار الفلين من الاندثار والحفاظ عليها".

وعلق الخبير البيئي: "ثمَّة مستقبل ضبابي ينتظر هذه الغابات في ظل التغيرات المناخية إذ إن تغير نسبة الأمطار تهدد بالفعل وجودها على غرار بقية التحديات الأخرى".

الخبير البيئي حمدي حشاد
الخبير البيئي حمدي حشادإرم نيوز

وتقدر المساحات الغابية في تونس بـ4،6 مليون هكتار (ما يعادل 34% من مساحة البلاد). وتوجد المساحات الغابية، أساسًا، في شمال والوسط الغربي التي يقطنها نحو مليون تونسي.

وبدوره يبين عادل الهنتتاتي، الخبير في البيئة والتنمية المستدامة، عوامل تراجع مساحات غابات الفلين في تونس والتي تعود بالأساس إلى ظهور الأمراض الفطرية التي تفتك بهذا النوع من الأصناف الغابية.

ويقول في حديثه لـ"إرم نيوز: "نسجل في تونس تراجعًا ملموسًا في غابات الفلين منذ العشرينيات من القرن الماضي، وذلك لتفشي بعض الأمراض الفطرية. وقد تتالت جهود الإدارة العامة للغابات مع معهد البحوث لمعرفة مصدر الفطريات وظروف تكاثرها وتم الحد من سرعة تراجع هذه الغابات بصفة ملموسة، بما أسهم في دعم برامج تنمية وتطوير استعمال الفلين كمادة أولية في البناء أو كمادة محفزة في منتجات أخرى".

وأضاف: "تبين الدراسات أن لمادة الفلين العديد من الفوائد اقتصاديا، كما هو معلوم، فغابات الفلين التي انحسر تواجدها إلا في مرتفعات جبال خمير ومقعد في الشمال الغربي، كانت منتشرة في أغلب جبال وسط تونس في العهود القديمة منذ آلاف السنين، ثم بتغير المناخ وازدياد الجفاف مع الزمن تراجعت غابات الفلين".

وأكد الهنتتاتي أنّ "الجفاف كان سببًا رئيسًا في تقلص مساحة انتشار غابات الفلين، حسب البحوث المجراة في تونس".

عادل الهنتتاتي، الخبير في البيئة والتنمية المستدامة
عادل الهنتتاتي، الخبير في البيئة والتنمية المستدامةإرم نيوز

ورغم أن السلطات لم تقف صامتة إزاء تقلص مساحات الفلين، إذ قامت وزارة الفلاحة على تكوين خليّة أزمة لضمان متابعة الوضع بالغابات التونسيّة، فإن التهديدات المناخية تهدد بفقدان آلاف الهكترات منها.

واتخذت الإدارة العامة للغابات الحكومية إجراءات وقائية لحماية وإنقاذ هذا الصنف من الغابات من خلال قطع أشجار الفلين الميتة والمتيبسة، للحد من انتشار العدوى والتفويت في الخشب طبقًا للتراتيب الجاري العمل بها والاشتغال على قطع الأشجار المعرّضة للتيبس قصد تشبيبها مع تحجير الرعي، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.

ولاحظت الإدارة العامة للغابات بعد أن قامت بهذه الخطوات الوقائية ظهور أوراق جديدة للأشجار المصابة بشكل جزئي وبنسبة ضعيفة بعد نزول أمطار الخريف واستعادتها لنموها بصفة طبيعية.

التكيف مع التغير المناخ

يرى الخبراء أن إنقاذ غابات الفلين من الاندثار يتمثل في رصد خطط ناجعة للتكيف مع التغير المناخي، خاصة لما تمثله هذه الغابات من قيمة اقتصادية.

وتوفر غابات الفلين لخزينة الدولة عوائد تصل إلى 50% من مبيعات المنتجات الغابية والفاعلين الاقتصاديين من القطاع الخاص. لكن الإنتاج السنوي من هذا المورد يشهد تراجعًا بتحول معدله من 9 آلاف طن من 1960 وحتى 1980 إلى 4 آلاف طن، حاليًّا.

وتقول الإدارة العامة للغابات أن متوسط إيرادات بيع الفلين سنويًّا يقدر بنحو تسعة ملايين دينار (2.9 مليون دولار)، فيما يطالب الخبراء بضرورة الحفاظ على هذه الغابات لما تشكله من أهمية اقتصادية وطبيعية كبيرة مقارنة بالمنتجات الغابية الأخرى.

ويشير محمد صالح قلايد، المهندس في الموارد المائية والمهتم بقضايا البيئة والمناخ، في حديثه لـ"إرم نيوز" أنّ "تغير المناخ أدلى بدلوه هذه السنة فكانت بدايتها جافة دون أمطار وكان الصيف حارّّا جدًّا؛ ما تسبب في حرائق عديدة في تونس والجزائر، ثم أخيرًا ديسمبر ممطر".

المهندس البيئي محمد صالح قلايد
المهندس البيئي محمد صالح قلايدإرم نيوز

وأضاف: "هذه الحالات هي من حالات التطرف المناخي وانعكاساته وربما تأثيره على الغابات كان واضحًا وجليًّا من خلال الحرائق والنقص الكبير في التساقطات المطرية".

واستدرك قلايد بالقول: "لكن الأهم والأكثر تأثيرًا هو النقص الكبير في المخزونات المائية، حيث تتالت سنوات الجفاف وكانت الأمطار دون المأمول وأقل من المعدلات السنوية بكثير، الشيء الذي أثار عدة مخاوف منها التهديد بالعطش والنقص الكبير في المنتجات الزراعية البعلية والمروية أيضًا".

وفي تقديره، فإن الأمطار الأخيرة أنقذت غابات الزياتين من التلف وربما تنقذ موسم الزراعات الكبرى، غير أن الحذر واجب في حسن توظيف الكميات المتاحة وهذا يتطلب التخطيط المحكم.

وتابع: "قيمة الغابات كبيرة جدًّا خاصة في الحد من الاحتباس الحراري ولا بد من تعويض الغابات التي احترقت في أقرب الآجال، هناك العديد من المنظمات المتطوعة لذلك، لكن على الدولة أن تضع برنامجًا استثنائيًّا وأن ترصد اعتمادات لذلك".

واختتم المهندس محمد قلايد حديثه، بالقول: "ربما لها أن تنتفع من صندوق تمويل مشاريع للتأقلم والتكيّف مع تغيّر المناخ وهو متاح لبلدان الجنوب المتضررة أكثر".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com