حرب غزة
حرب غزةAP

حرب غزة تضع الفنانين والمشاهير بين فكي كماشة

 يُشاع أن رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل، نظر إلى التلفاز، إبان الحرب العالمية الثانية، وقال "أعطوني هذا وسننتصر في الحرب".

بالطبع، كان تشرشل يقصد الإعلام، وكان على حق. فاليوم تدار الحروب إعلاميا عبر الأثير وليس عسكريا على الأرض.

وربما من هذا المنطلق، قادت جماهير غفيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حملات متواصلة، للمطالبة بإيصال "صوت فلسطين" للعالم، في حملة من الصعب القول إنها ممنهجة، لكنها حاولت الضرب في كل تجاه، عللها تصيب هنا أو هناك.

يغيب صوت الإعلام العربي في دول العالم، نظرا لسيطرة بضعة أشخاص فقط على معظم القنوات المتلفزة، إضافة إلى سيطرة أشخاص منفردين على شركات التواصل الاجتماعي. ما يعني في الغالب تبني وجهة نظر وحيدة.. وجهة نظر الأقوى.

وفي هذا المأزق، يوجه متابعون عرب تركيزهم بشكل مكثف إلى فنانين ومشاهير من مشاهير التواصل إلى لاعبي الكرة إلى مسوّقين.. وقائمة تطول ولا تنتهي، مبررين هذا التوجه بأن هؤلاء يملكون قاعدة جماهيرية عريضة تصل إلى ملايين، وقد تكون مؤثرة في كفة الحرب.

ومنذ بدء الحرب، وجد فنانون ومشاهير أنفسهم بين حرج الشهرة ونيران الانتقادات، إذ لم يكف متابعوهم مطلقا عن توجيه سهامهم إليهم، بدعوى عدم تبنيهم "قضية فلسطين" التي يتبناها هؤلاء المتابعون، لإيصال صوت "المتابعين" وصوت القضية إلى "الجهة الأخرى".

وبينما انخرط مشاهير مع أولى شرارات الحرب في دعم غزة، سواء في سبيل الدعم ذاته أو حصد مزيد من التفاعل، نظرا لأن الأنظار كلها تتجه إلى ما يجري هناك، وسواء لدرء النفس من أسهم الانتقادات، التي قد تؤثر لاحقا على شعبية الفنان أو المشهور، لاذ آخرون بالصمت، بينما لم يحضر آخرون في الأصل إلى حساباتهم، إما بدافع الانشغال وإما "الهرب".

حالة "تأهب"

وقرر فنانون "التأهب" في حساباتهم لدعم غزة، منهم الفنان الإماراتي حبيب غلوم وزوجته الفنانة البحرينية هيفاء حسين والفنان السوري عباس النوري والفنانة فلسطينية الأصل نسرين طافش والفنانة التونسية درة والفنانة المصرية غادة عبدالرازق والفنانة العراقية رحمة رياض والمطربة المصرية أنغام، والتي دخلت في سجال مع أفيخاي أدرعي إثر الحرب، والعديد من الفنانين والمشاهير.

ومع ذلك، لم يرق هذا الدعم للعديد من المتابعين، الذين اتهموا الفنانين بالرغبة في "حصد التفاعل" فقط على حساب غزة.

تفاعل فني

فنانون آخرون، اختاروا طريقة أخرى للتفاعل، إذ أعادوا نشر مشاهد من أعمال فنية تعود لهم وكانت تسلط الضوء على القضية الفلسطينية، مثل عابد فهد ونادية الجندي. فيما أطلق مطربون أغاني لدعم غزة مثل الفنان المصري أحمد سعد والفنانة المغربية سميرة سعيد.

بينما أعلن مطربون آخرون عن تأجيل حفلاتهم الفنية دعما للقضية، في الوقت التي كانت فيه الجهات المنظمة في الأصل ألغت هذه الحفلات بدولها المعنية، تضامنا مع غزة.

مشاركات خجولة و.. صمت

 آخرون، اختاروا الاكتفاء بمنشور أو بصورة علم فلسطين على واجهة حساباتهم، كإعلان عن تضامنهم ودعمهم غزة. وغالبا، ما أراد هؤلاء النجاة من حالة التشنج الواضحة التي تشهدها مواقع التواصل، ودرءا لأي اتهام قد يطالهم بـ"التقصير" أو "خوفا" على خفوت شعبيتهم.

واكتفى العديد من الفنانين والمشاهير بمنشور يتيم أو اثنين في محاولة لتجنب حالة الغليان، لكن فنانين ومشاهير آخرين اختاروا تجاهل الأمر تماما، إذ استمروا في النشر عن نشاطاتهم وأمورهم اليومية، دون أي اعتبار آخر، بينما لم يحضر آخرون مطلقا إلى حساباتهم، وظلوا غائبين عن التواصل والتفاعل. 

محمد صلاح

على خلاف لاعب الكرة الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما، والذي دعم صراحة غزة، التزم لاعب نادي ليفربول الإنجليزي، المصري محمد صلاح، الصمت أياما عديدة.

وبدا أن اللاعب المصري كان الضحية الكبرى لسهام المتابعين، وعزا متابعون ذلك إلى وجود محمد صلاح في ربوع النادي الإنجليزي، ما يعني قدرته على إيصال صوته لـ"الآخرين"، خاصة وأنّ على حسابه في "إنستغرام" وحده 63 مليون متابع.

وشن متابعون حملة قاسية على لاعب كرة القدم، وطالبوه ليلا نهارا بضرورة الحديث عمّا يحدث في غزة، تزامنا مع بدء انسحاب متابعين من حسابه اعتراضا على موقفه الصامت.

وفي النهاية، وتحت الضغط، خرج محمد صلاح في بث فيديو، أثار تساؤلات أكثر من حقائق، إذ خلا خطابه تقريبا من دعم طرف على حساب طرف، بينما كانت طريقة إلقائه الخطاب مثيرة للريبة في نظر الكثيرين، الذين اتهموه باستخدام الذكاء الاصطناعي.

بالطبع، لم تهدأ الانتقادات الموجهة للاعب، الذي يلاحق في الأصل كرة القدم، بينما انقسم متابعون إلى فريقين، ففي وقت رأى فريق أن رسالته لم تكن موفقة، انتقده آخرون حديثه أصلا في القضية، لافتين إلى أنها "لن تتأثر بسبب موقف لاعب كرة".

لماذا هذه الحرب الشعواء على المشاهير؟

الانتقادات، التي انهالت دون رحمة، على الفنانين والمشاهير دون استثناء، تبدو عشوائية بطابعها، وتفتقر إلى هدف واضح، بينما عكست حالة من الاحتقان والغليان، الذي لا يجد متنفسا.

تسود حالة من العجز بالطبع إزاء ما يحدث، وسط عدم القدرة على فعل شيء في الواقع، وهو ما ينعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص على الفنانين والمشاهير. إذ يشعر العديد من المتابعين في انتقادهم لهم "أنهم يقومون بعمل ما"، بدلا من "اللاشيء".

الشعور بـ"الهزيمة والخذلان" دافعان آخران ربما، وراء حالة التشنج السائدة هذه، والتي يحاول متابعون "تعويضها" بانتقاد المشاهير، لتبرير القعود أمام ما يحدث، بـ"تحريك الآخرين".

على جانب آخر، تبدو حالة الانتقادات حالة متراكمة لمتابعة حياة البذخ والشهرة لهؤلاء، والتي يحرصون على إيصالها للناس أولا بأول، بينما تراكم أحيانا لدى متابعين، مشاعر سلبية من العدائية و"الحسد"، وجدت فيما يحدث فرصة سانحة لتفريغها على الفنانين والمشاهير.

ورغم محاولة فنانين ومشاهير الدعم بالفعل، مع ذلك ظلوا يتلقون الانتقادات بلا هوادة. ففنانون سوريون ورغم دعمهم غزة، ظلوا يتلقون الانتقادات، بعد أن استنكر متابعون هذا الدعم على حساب "ما يحدث في سوريا".

ودفع آخرون ثمنا باهظا لشهرتهم، مثل اليوتيوبر الكوميدي الإماراتي ميتو الشامسي، الذي لم تهدأ وتيرة الانتقادات عنه. ورغم قيامه بالنشر بين الحين والآخر منشورات تدعم غزة، لم يعجب ذلك متابعيه، الذين أصروا أنه "لم يفعل بما فيه الكفاية".

وعلى غراره، تلقت اليوتيوبر الكوميدية المصرية، ولاء علي، انتقادات، رغم تضامنها مع غزة، إذ ظل متابعون يتهمونها بـ"البحث عن تفاعل وشهرة" من وراء ذلك. ما يدفع للتساؤل ماذا يريد المتابعون حقا من مشاهيرهم؟.

ممثل أو مطرب أو يوتيوبر أو لاعب كرة، يلعب هؤلاء في ملعبهم، يمتهنون مهنة تمثلهم في مجالاتهم، ليس لها شأن في السياسة أو القضايا الدولية. ورغم هذا، سقط هؤلاء تحت "رحمة" متابعيهم، الذين يدفعون بهم للخروج من الدائرة الخاصة بهم إلى خط "الدفاع الأول" عن غزة، بدعوى "إيصال الصوت" الذي قد يغير شيئا ما.

يبرر العديد منهم أنّ لذلك تأثيرا على الرأي العالمي، لما يمتلكه المشاهير من قاعدة جماهيرية عريضة، وهذا قد يكون صحيحا إلى حد ما. لكن السؤال، والذي طرحه بالفعل الفنان المصري محمد رمضان "غاضبا" بعد دفعه بالقوة من قبل متابعيه لدعم غزة "من هم الآخرون الذين علينا إيصال صوتنا لهم؟". مؤكدا في الفيديو الذي قام ببثه في حسابه في "إنستغرام" أنّه "لا يوجد للعرب إلا العرب، ولا وجود فعلي للآخر حتى لو وصل الصوت إليه".

بينما دافعت إليسا عن المشاهير بقوة، بعد حملة انتقادات مكثفة ضدها، لاستمرارها بإحياء الحفلات، مستنكرة استمرار الحملة ضدهم، في وقت وصفت فيه هؤلاء المنتقدين بـ"الفاشلين والفارغين".

ويظل المشهد سوداويا في ظل الحرب الراهنة، غير المتكافئة، والتي تدفع بالعرب إلى حالة من الغضب الأعمى على مواقع التواصل الاجتماعي، أملا في الحصول على أي دعم أو عون أمام مئات المشاهد الدامية التي تنهال عليهم قادمة من غزة، لترفع منسوب الغضب الصامت المتراكم، الذي لا يجد ثغرا يرابط فيه غير "مواقع التواصل".. إلى أن تأتي قضية أخرى لتجذب الأنظار إليها. 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com