عمر الخيام.. عُرف بـ "الرباعيات" ونبغ في علوم مختلفة
سمعتُ صوتا هاتفا في السَحر
نادي من الغيب غُفاة البشر
هبوا املؤوا كأس المنى
قبل أن يُملأ كأسُ العُمُر
لفتت هذه الأبيات متابعي مسلسل "الحشاشين" التاريخي حين قالها "عمر الخيام"، الذي يجسد دوره نيقولا معوض، أمام سلطان دولة السلاجقة "ملك شاه"، لكن الرجل لم يكن مجرد صاحب موهبة كبرى في قرض القصائد أمام أصحاب العروش يمكن اختزاله في مشهد هنا أو واقعة هناك، بقدر ما كان حكاية كبرى مثيرة للتأمل تمتد في الزمان والجغرافيا عنوانها العريض: طغيان العبقرية العابر للتخصص.
كعادة النوابغ في ذلك الزمان، أي منذ ما يقرب من ألف عام، أظهر "الخيام" نبوغا فائقا في أكثر من مجال، فجمع بين بعد النظر في الفلسفة والبراعة في علوم الفلك والعبقرية في الرياضيات والموهبة البليغة في فهم أسرار الموسيقى والقدرة على تطويع اللغة لتمنحه سرها في صورة أبيات شعرية فريدة من نوعها.
إنجازات علمية
اسمه بالكامل غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام. ولد، على الأرجح، في 18 مايو 1048، وتوفي 1131 عن عمر ناهز 83 عاماً وقيل إن لقب "الخيام" يعود إلى عمل والده في تجارة الخيام. شهدت مدينة "نيسابور" التابعة لمقاطعة "خراسان" التي كانت تقع ضمن بلاد فارس مولده، ويذهب بعض المؤرخين إلى أنه ينحدر من أصول عربية.
أقام في مدينة أصفهان لفترة طويلة شهدت ذروة عطائه في مختلف المجالات، حيث كان مقربا من السلطان الذي قرر منحه راتبا شهريا مجزيا ما ساعده على التفرغ لأبحاثه ومشروعاته العديدة.
يرجع إليه الفضل في وضع أساس التقويم الفارسي الذي لا يزال معمولا به حتى اليوم كما اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة، وكان أول من استخدم ما يشبه رمز " X" بمعنى المجهول في الرياضيات.
رباعيات الخيام
ورغم إنجازاته العلمية الفريدة، إلا أن شهرته طبقت الآفاق في العالم عبر " الرباعيات" ويقصد بها قصائد قصيرة مكونة من 4 أبيات يكون الأول والثاني والرابع على نفس الوزن والقافية أما الثالث فيأتي حرا ويخرج عنهما.
تُرجمت الرباعيات إلى معظم لغات العالم وتركت أثرا عميقا في الفكر الغربي نظرا لما تحتويه من حكمة بالغة وتأملات وجودية شديدة العمق ونظرة حانية على الإنسان ومصيره وأفكار خالدة تتعلق بالشقاء والسعادة.
خلدت سيدة الغناء العربي أم كلثوم "رباعيات الخيام" حين قدمتها بترجمة بديعة للشاعر أحمد رامي على نحو جعله يصنع إبداعا موازيا للنص الأصلي كما في رباعية:
أولى بهذا القلب أن يخفقا
وفي ضرام الحب أن يُحرقا
ما أضيع اليوم الذي مر بي
من غير أن أهوى وأن أعشقا
وكذلك رباعية:
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الآوان
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
إنصاف روسي
أثارت الرباعيات لغطا بسبب اتهامات البعض لها بأنها تدعو إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية والتشبث بملذات الدنيا وهو ما ينفيه كثير من المؤرخين والمستشرقين مثل الروسي زوكوفسكي "1858-1918" الذي تبحر في السيرة الذاتية للخيام وأثبت أن كثيراً من الرباعيات المنسوبة له مدسوسة عليه وتستغل شهرته ولم يكتبها مطلقا.
وأثبت المستشرق الروسي بالأدلة التاريخية أن "الخيام" تمتع بأخلاق سامية تحض على الفضيلة وتدعو معظم رباعياته إلى مكارم الأخلاق، مؤكدا أن هناك ما لا يقل عن 82 رباعية مدسوسة عليه.
