السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا الفائز  بالبوكر.. روائي باحث عن الحقيقة

السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا الفائز  بالبوكر.. روائي باحث عن الحقيقة

فاز الروائي السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا بجائزة البوكر البريطانية للعام 2022، في حفل أقيم ببريطانيا مساء الاثنين، وذلك عن روايته "الأقمار السبعة لمعالي ألميدا".

وتسلم كاروناتيلاكا الجائزة من ملكة بريطانيا كاميلا، وحصد من خلال الفوز كذلك مبلغ 50 ألف جنيه إسترليني.

وقال الكاتب والمؤرخ الفني البريطاني نيل ماكجريجور، رئيس لجنة التحكيم، عن الرواية إنها "فلسفية جادة تماما تأخذ القارئ إلى القلب المظلم للعالم، إلى أهوال الحرب الأهلية المميتة في سريلانكا.. وبمجرد الوصول إلى هناك، يكتشف القارئ أيضا الرقة والجمال، الحب والولاء، والسعي وراء مثال يحتذى يبرر كل حياة بشرية".

وشيهان كاروناتيلاكا (من مواليد 1975) كاتب سريلانكي برز في روايته الأولى عام 2010 "Chinaman"، التي فازت بجائزة الكومنولث، الفائز الإقليمي عن آسيا، وجائزة DSC، وجائزة Gratiaen.

واستخدم خلالها لعبة الكريكيت لتوصيف التاريخ في سريلانكا، وقد نشر هذه الرواية ذاتيا، وتحدث من خلالها عن صحفي مدمن على الكحول يتعقب لاعب كريكيت سريلانكيا مفقودا منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد وصفها بائع الكتب البريطاني واتر ستونز، بأنها من أفضل الإصدارات الأدبية حينها. 

حرب أهلية

أما أحداث رواية "الأقمار السبعة" فتدور في سريلانكا عام 1990 أثناء الحرب الأهلية في البلاد، وتتناول حدثاً غريباً، إذ يستيقظ مصور الحرب والمقامر معالي ألميدا، بعد موته.

وتبدأ رحلة ألميدا الجديدة، بحيث يكون أمامه "سبعة أقمار" للوصول إلى أقارب الضحايا لإطلاعهم على الصور المخبأة التي التقطها والتي تستعرض وحشية الصراع البشري في بلاده. 

ومن خلال الكلمة التي ألقاها الكاتب خلال حفل تسلم الجائزة، يتبين أن مشروعه الأدبي يأخذ خطى واثقة نحو التحرر الإنساني من العبودية والتبعية والفساد، حيث قال كاروناتيلاكا "أملي في ’سبعة أقمار’ هو أن تُقرأ في مستقبل غير بعيد.. في سريلانكا عندما تكون قد أدركت أن أفكار الفساد والاستهداف العرقي والمحسوبية لم ولن تنجح أبدا".

عودة من الرماد

تعزز رؤيته في روايته الفائزة، فكرة العودة من الرماد، والإبقاء على الصوت الثوري في مواجهة الظلم والاستعباد والمجازر البشرية من قبل المسلحين، فكانت عين الصحفي هي كاميرا المراقبة التي ترصد كوارث الحروب، وتصنع أرشيفاً فاضحاً لأصحاب النفوذ والقوة، ضد الضعفاء في المجتمعات، عبر الهجاء السياسي. 

ضمير متكلم

وجاءت حياكة كاروناتيلاكا لقصصه عبر ضمير المتكلم كشهادات توثيقية أقرب للعاطفة، وأكثر ملامسة للروح الإنسانية، ويحمل سرده الخفة والدهشة والتأثير، حسب ما جاء في بيان لجنة التحكيم الذين أفادوا بأن هذه الرواية تتمتع بطاقة مبهجة منغمسة في عالم غني وهزلي غامض، مع إعطاء عرض بانورامي عن التاريخ السريلانكي باعتباره مزيجاً لا يمكن تصوره من الخرافة، والإثارة، وسط حكايات تعج بالأشباح، والحوارات والمحادثات المريبة مع الموتى، التي بحثت عن معنى الصداقة والحزن والحياة الآخرة. 

أصوات

ويقدم شيهان كاروناتيلاكا أدباً يكتنز  بالخيال والدهشة، عبر الحدث الغريب والقصص المخبأة، لكنه يستنبط ذلك من الواقع، كاشفاً من خلال ذلك عن قدرة الأدب في الوصول لعمق المجتمعات وتعرية الجرائم التي تتم في السر، أو يتم الاجتهاد لتغطيتها، عبر الأدوات الإعلامية المضللة أو حتى عبر الزمن. 

وتنبض في قصص الكاتب السريلانكي أصوات البشر المقهورين المظلومين، في كل مكان في العالم، وليس في سريلانكا فحسب، حيث تنال قضاياه التي يدور في فلكها، تأييد الكثير من سكان الأرض، ممن يطمحون لنيل الإنسان حريته، ويناهضون أن يعيش المرء في ظروف قهرية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وإن حدث ذلك في مكان ما، أو حقبة زمنية ما، فيجب فضحه، حسب ما رأى شيهان، فلا يعني موت الحدث موت القضية، والأدب كفيل بأن يخترق ذلك المدار، ويعيد شده لمسرح التعرية. 

تكيف

فيما تتضمن رؤية شيهان كاروناتيلاكا تحليل المجتمعات الإنسانية في الظروف المعيشية الطارئة، وطريقة العيش في أوضاع لا يمكن تحملها، ويغلب على لغته المشاعر الجياشة، من خلال تكثيف الحوارات الإنسانية عبر اللغة والصوت والعيون، وكل ذلك يحدث من باب التغلب على الحزن والألم والخوف من الموت القريب، ففي هذا حسب ما طرح كاروناتيلاكا أدوات يختصر من خلالها الإنسان معاناته، ويحاول التكيف مع واقعه، حتى يضمن لحياته الاستمرار. 

ويركز الكاتب السريلانكي في سرده على تعظيم جرم الجناة والمتحكمين بحياة الآخرين، من خلال سرد أفعال وحشية، وانتهاكات صادمة ضد الضعفاء والمجبورين، فيتجسد خلال سرده صوت الإنسانية وبشاعة الاعتداء الجائر ضد الآخرين، بحكم حمل السلاح واعتباره القوة الأكثر جرأة وتحكماً. 

عنصر خفي وحدث غريب

وفي سرده يبحث كاروناتيلاكا عن العنصر الخفي الذي يجعل من السرد أكثر قيمة وغرابة وغموضا، فكانت الكاميرا، التي لو ظهرت جلية أمام المتصارعين، لتم تدميرها، أو ثقب عين المصور، حتى تسكت الحقيقة، لكن اختباء هذه العين خلف الكواليس الحربية، مثّل الطريق الأقل ضررا لاستعادة قصص المنتهكين، المقهورين، عبر الوثائق والصور، وبالتالي كشف الحقيقة من جديد.

تضارب

ويعمل شيهان كاروناتيلاكا على جعل التضارب الفكري بين الشخصيات إحدى أهم أدوات سرده، حيث يلجأ للمضاربة الفكرية حول القناعات البشرية عن الموت والحياة الآخرة، وهو أمر مرتبط بحدثه الغريب الذي بنى من خلاله جسر عمله، بعودة المصور ألميدا من الموت لكشف الحقيقة.

كما يضع الكاتب الصراع السياسي والأمني خلال الحروب الأهلية على المحك، مبينا السياق الاجتماعي للتصادم والصراعات بين الفرق المتقاتلة، بحيث يضع الرؤى المختلفة بين الفرق مثارا للتحليل من قبل القارئ، لاستنباط العبر وكشف مواطن الخلل التي تدفع الإنسان نحو التجارب مع الآخر، وهذا من أجل تغيير المستقبل بالتقاط الأخطاء من الماضي، وتجنب تكرارها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com