كان السوريون قبل الأزمة محافظين على تقليد "مدفع الإفطار"، ويعتبرونه من العادات المتأصلة التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم.
صوت قوي ينطلق مما يسمى "مُحْدِثة الصوت" يأتي بعد آذان المغرب مؤذنًا للصائمين بالإفطار، ذاك الصوت المرتبط بذاكرة السوريين عن اجتماع أفراد العائلة حول المائدة، كل فرد من أفرادها ينتظر أن يلتقط كأس الماء ليروي ظمأه بعد نهارٍ امتنعوا فيه عن الشراب والطعام، حتى أن ذاك الصوت بات مرتبطًا بالفرحة التي تدخل إلى قلوب الأطفال وهم يحدقون إلى السماء لرؤية الأثر الذي تحدثه ضربات المدفع.
البعض يطلق على ذاك الصوت اسم "طوب رمضان"، وجاءت هذه التسمية من صوت صدى القذيفة، وتاريخيًا كانت تُوكل مهمة إطلاق المدفع لأحد موظفي البلدية، الذي يحشو المدفع الكبير بالخرق والبارود ويشعل الفتيل لتنطلق نحو الأعلى، والهدف من ذلك إعلام الناس ممن لم يسمعوا صوت آذان المغرب بوجوب الإفطار، حيث لم يكن للمساجد مكبرات صوت تصل لكل الحارات.
تقليد بـ"الصدفة"
وتتفق العديد من الروايات أن مدفع الإفطار جاء بالصدفة في عهد السلطان المملوكي "خوشقدم" الذي أراد أن يجرب مدفعًا جديدًا، وصادف إطلاق المدفع مع وقت المغرب في أول يوم من شهر رمضان، وظن الناس حينها أن السلطان تعمد إطلاق المدفع ليعلمهم بتوقيت الإفطار وينبه الصائمين.
بينما تقول رواية أخرى إن "إطلاق المدفع جاء على يد محمد علي باشا، أثناء حكمه لمصر، وإن الأمر جاء بتجريب مدفع في وقت المغرب".
أما الرواية الثالثة فتتحدث عن خطأ غير مقصود في عهد الخديوي إسماعيل حين كان الجنود يقومون بصيانة أحد المدافع لتنطلق على إثرها قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتزامن ذلك مع وقت المغرب في أحد أيام رمضان.
وعلى اختلاف الروايات حول نشأة هذا التقليد الرمضاني، إلا أن معظمها يتفق على أن مدينة القاهرة تعتبر أولى المدن التي شهدت هذا التقليد، لينتقل بعدها إلى بلاد الشام كمدينة دمشق، والقدس، وغيرهما من المدن.
الحرب تطفئ صوت المدفع
جاءت الأزمة السورية وأوقفت تلك العادة الرمضانية، إلا أن هناك العديد من المحافظات أعادت إحياءها، ومنها محافظة حماة التي بات يُسمع صوت المدفع الذي يطلق من قلعتها بعد أذان المغرب منذ عامين، وبعد توقف دام 12 عامًا سيعود مدفع رمضان ليُسمع في أرجاء اللاذقية حسبما بيّن أمين سر اللجنة النقابية والعامل في فوج إطفاء اللاذقية نزار الشوا، نتيجة مطالبات أهالي المدينة المتكررة.
وأوضح الشوا أن إطلاق المدفع سيتم كما كان سابقًا عند تثبيت حلول الشهر الكريم، وعند الإفطار، وعيد الفطر، حيث سيتم إطلاق 5 طلقات عند ثبوت الشهر، وطلقة واحدة فقط عند الإفطار، وعند ثبوت العيد بعدد طلقات تتراوح بين 3 إلى 5.
ويؤكد بعض المختصين التاريخيين أن ظاهرة إطلاق المدفع ليست مرتبطة فقط بالإعلان عن وقت الإفطار والإمساك طيلة الشهر الفضيل، وإنما كانت بمثابة إعلان عن بدء الشهر الكريم، وأيضًا عند ثبوت العيد، حيث كان المدفع يضرب عشية رمضان 21 طلقة، وعشية العيد وطيلة أيام الشهر عند موعد الإفطار 7 طلقات، وعند الإمساك وقت السحور طلقة واحدة، وكان يُعمل بهذا الطقس قبل ظهور الوسائل الإعلامية كالتلفاز والإذاعة.
وتشير كتب التاريخ أن الناس كانوا ينتظرون مدفع الإفطار بفارغ الصبر، وكان لهم في الماضي بعض الأناشيد الرمضانية كقولهم قبيل غياب الشمس: "يا شمسية رمضان عجلي لي بالآذان.. بطني لزقت بظهري ما تم غير العظام. وحين يقترب إطلاق مدفع الإفطار يصيح الأطفال: "طاطا يا طاطا.. صحن السلطة.. كبة على رغيف.. صاحوا يا لطيف.. شعل ضو.. انطفا ضو.. صاح المدفع بو.. بقلب العدو".