"الرابعة بتوقيت الفردوس".. سوريا في العناية المشددة"الرابعة بتوقيت الفردوس".. سوريا في العناية المشددة

"الرابعة بتوقيت الفردوس".. سوريا في العناية المشددة

يقتحم فيلم "الرابعة بتوقيت الفردوس" للمخرج محمد عبد العزيز، الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان وهران السينمائي بالجزائر، المشهد السوري الراهن بكل تعقيداته وتفاصيله المؤلمة، حتى يخال المشاهد أن مفردة الفردوس الواردة في العنوان ما هي إلا مفارقة مريرة تشير إلى الجحيم السوري المتأجج منذ أكثر من أربع سنوات.

تنشابك الخيوط الدرامية في هذا العمل، الذي انتجيته المؤسسة العامة للسينما السورية، لترسم لوحة بالغة الثراء عن شخصيات تتقاطع مصائرها وأقداراها في يوم دمشقي واحد لا يشهد سوى الخسارات والأوجاع، فيما هدير الطائرات وأصوات الرصاص لا يكاد يغيب عن شريط الصوت.

والمشفى بما تحمله من رمزية تحيل إلى الموت والمرض، يمثل المسرح الرئيس للأحداث، وكأن سوريا برمتها قد دخلت العناية المشددة وسط تراجع الآمال باي حل قريب. ها هي الفنانة السابقة (نوار يوسف) تعاني من مرض السرطان، وتسترجع لحظات حب مسروقة مع حبيبها الموسيقي؛ المعتقل السياسي السابق، على سرير الموت، عبر قبلات مخنوقة قصيرة سرعان ما تداهمها سلطة الأب المسؤول (أسعد فضة) الذي يتأهب للانتحار في رمزية تشير إلى الخلاص من ذنوب كثيرة ارتكبها.

والى المشفى ذاتها تصل أسرة كردية مؤلفة من الزوج والزوجة والطفل والجد الذي تاه في شوارع العاصمة. لا تملك الأسرة ثمن العلاج، فيضظر الزوج (محمد آل رشي) إلى عرض كليته للبيع. هنا سيظهر المخرج، الذي كتب كذلك السيناريو لفيلمه، العوالم السفلية لمدينة دمشق، وكيف استحوذ الجشع على البشر في ظل الحرب، فهم باتوا يسامون حتى على الأعضاء البشرية، لتنتهي المساومة نهاية تراجيدية بمقتل الزوج بعدما تراجع عن بيع كليته لعصابات الاتجار بالبشر.

وسنتعرف كذلك على حكاية راقصة البالية (يارا عيد) التي تعيش قصة حب مع جندي على حاجز قريب من منزلها، لكن قصة الحب لا تكتمل، إذ تتعرض سيارتها لعبوة ناسفة تقودها الى المشفى، غير أنها تصر على أداء رقصة باليه "الأفعى والرمان" في ساحة مملوءة بحبات الرمان عبر حركات جسد يتلوى من القهر والخراب أكثر مما يشير إلى بهجة الرقص.

ويحفل الفيلم بالرموز والدلالات، فمشهد البداية يبدأ بأفعى تتلمس أرض بيت دمشقي قديم، وهو المشهد الذي يتكرر في الختام في البيت ذاته لكن هذه المرة مع بيانو وزهور تحترق على خلفية مشهد السجين السياسي وهو يستعيد، عاريا، عذابات المعتقل بعدما عرف ان صديقه المقرب هو من وشى به.

ورغم هذه الإشارات والتلميحات إلا أن فيلم "الرابعة بتوقيت الفردوس"، يستعصي على القراءة المبسطة، فكل مشهد فيه يحيل إلى الواقع السوري المعقد، وهو ينطوي على نوع من التجريبية التي يلوذ بها المخرج في محاولة لملامسة الجرح السوري النازف من دون أن يفصح عن مقولة بعينها.

ويعتمد المخرج على التصوير الخارجي إذ تجوب الكاميرا شوارع دمشق، وهو ما يقرب الفيلم من المنحى التوثيقي، ويجعل منه أحد الأعمال القليلة التي تناولت الواقع السوري الراهن بعيدا عن الشعارات، ومن دون الانحياز لأي طرف، مع التركيز على ثيمة واحدة هي ثيمة الخراب والعنف والتيه الذي تعيشه سوريا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com