الفرنسي الفائز بنوبل الآداب.. حارس الذاكرة
الفرنسي الفائز بنوبل الآداب.. حارس الذاكرةالفرنسي الفائز بنوبل الآداب.. حارس الذاكرة

الفرنسي الفائز بنوبل الآداب.. حارس الذاكرة

ينظر إلى الروائي الفرنسي باتريك موديانو الذي نال أرفع جائزة أدبية، وهي نوبل الآداب، بوصفه أحد أبرز الكتاب الذين وثقوا لأهوال الحرب العالمية الثانية.



موديانو، الذي كان بعيدا عن الاضواء حتى لحظة الفوز، عالج من خلال كتاباته "المصائر الإنسانية الأكثر عصية على الفهم"، وفقا لما ورد في حيثيات الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة.
عاش موديانو طفولة مضطربة وسط غياب دائم للاب، وانشغال الأم بعملها كممثلة سينمائية، وما زاد من عزلة الفتى هو أنه فقد أخيه رودي الذي رحل باكرا ليترك في نفس شقيقه جرحاً غائرا، وظل يهدي إليه أعماله المكتوبة بين 1967 و1982.
أجواء الفقد والحرمان هذهانعكست على مجمل أعمال الروائية والتي كانت تجسد جانبا من سيرته الذاتية، وهو ما عبر عنه بقوله : المصادفة هي التي وهبتني أصولاً مضطربة، وهي التي حرمتني من محيط عائلي، فلا يمكنني أن أكون مسؤولاً عن الأفكار السوداء والقلق في كتاباتي، فأنا لم أختر، البتة، مادة كتبي".

وتمثل أعمال موديانو (69 عاما) مسرحا ثابتا للأحداث، لا يقع فيه أي تفصيل من باب المصادفة، وهو ما لمح إليه الكاتب إذ قال إنه يشعر وكأنه كان يكتب نسخا من نفس الكتاب منذ 45 عاما وإنه حريص على أن يفهم لماذا اختير لنيل الجائزة.

وقال موديانو في مؤتمر صحفي "ما أود معرفته هو الأسباب التي جعلتهم يختاروني، لا يستطيع المرء أبدا أن يكون قارئا لكتابات نفسه. بل إن لدي انطباعا أنني أكتب الكتاب نفسه منذ 45 عاما."

ويركز نتاج موديانو على مدينة باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف لتداعيات أحداث مأسوية على مصائر أشخاص عاديين، وتتحدث رواياتهعن البحث، البحث عن الاشخاص المفقودين والهاربين، واولئك الذين يختفون، والمحرومين من اوراق ثبوتية، واصحاب الهويات المسروقة.
وهو يمنح بطولة رواياته إلى شخصيات مهزومة، فهؤلاء غالبا يكبرون بين عالمين، بين الظلام والنور، وبين الحياة في المجتمع والمصير الذي يحلمون به.

وترجمت له إلى العربية روايات منها "الأفق" و"عشب الليالي" و"مجهولات" و"شارع الحوانيت المعتمة".
في رواية مجهولات يقدم الكاتب ثلاث لوحات نسائية، لثلاثة فتيات تائهات فى خضم هذا الواقع، يعانين الإهمال وصقيع الوحدة، والضياع فى غربة واسعة داخل النفس وخارجها، يمضين حياتهن فى توهان"، وافتقاد لكل معنى الألفة، والائتلاف العاطفى الإنسانى. نساء متوحدات، متوحشات يعشن فى انغلاق نفسى بعيد عن أي تواصل، ويصعب اختراقهن وملامستهن والوصول إلى قرارهن. لا يعرفن معنى لوجودهن ولا معنى للوجود برمته، وليس لديهن أى تفسير، أو تساؤل لمعنى الحياة، وكيف يقتنصن العيش فيها، لا يعرفن ماذا يردن، وما هي غاياتهن منها.

أما رواية "شارع الحوانيت المعتمة" فيمكن اعتبارها درسا في معرفة اسلوب الكاتب، ففيها تتضح سمات أدب "موديانو" الذى سماه النقاد بالموديانية، فهو يبحث دائمًا عن الجذور فى أعماله، ويضع العديد من الأسماء الغريبة الكثيرة التى لا معنى لها. بطل العمل يدعى "تال" ويعانى من فقدان الذاكرة، وامرأته دينيز اختفت بعد أن فقدت ذاكرتها هى أيضا، ويبحث البطل عن نفسه من خلال السفر إلى عدة بلدان يتعرف فيها على أشخاص آخرين وتزداد أحداث الرواية اشتباكا بهم.

وتنتهى الرواية عندما يصل البطل إلى روما ويعرف هويته الحقيقية لكن "موديانو" لا يبلغنا بهذا الاسم ولا بهويته كأن المؤلف قد أنهكته رحلة البحث مثلما فعل بطله.

وفي روايته الأفق يحرص موديانو على تناول العديد من الموضوعات المؤثرة حيث يكتب من وحي عذاباته الشخصية، إذ بدأت قصة بطل الرواية باحثًا عن وطن، وانتهى به المطاف باحثًا عن الحب، إلا أن الحب أجهض بفعل عوامل الزمن والحروب ومطاردة السلطان.
وقدم موديانو فى "مقهى الشباب الضائع"، نموذجًا لهذه العلاقة بينه وبين المكان، وهنا تختلط بالماضي صور عبر شخوص متنوعة وحكايات تنضح بالشجن الإنسانى، وانطلاقا من مقهى "كوندي" نسج رؤية تكونها التفاصيل والمشاهد المتقاطعة عبر ذلك المقهى، بسرد الذكريات وتقاطعاتها، فى محاولة من بعض الشخوص لفهم معنى "العـوْد الأبدى" كما تسعى هذه الرواية إلى أن تجعل من استبطان حب اللحظات الهنية، الحيوية، وسيلة لمقاومة المحـْو الذى يبذره الزمان فى الذكريات والأماكن والعواطف.


ولد موديانو في ضاحية بولون بيلانكورت في باريس في يوليو تموز عام 1945 بعد عدة أشهر على النهاية الرسمية للاحتلال النازي للبلاد في أواخر عام 1944.

كان أبوه يهوديا إيطاليا وأمه فلمنكية غير يهودية. والتقيا اثناء الاحتلال ولعب هذا الإرث المختلط مع التساؤلات الأخلاقية التي ثارت حول علاقات فرنسا مع قوات النازي، دورا مهما في رواياته.

وسبق لموديانو أن فاز بجائزة جونكور وهي أرفع جائزة أدبية في فرنسا عام 1978 عن أعماله.

ويرى نقاد الأدب أن اسلوب موديانو يتسم بالدقة الشديدة والاقتصاد في الكلمات. وهو يكتب جملا قصيرة ومتأنقة للغاية. ويرجع بوجه عام إلى الموضوعات نفسها مرة بعد مرة لأن هذه الموضوعات لا يمكن أن تبلى.

ذاع صيت موديانو في فرنسا في أواخر السبعينات لكنه لم يظهر قط مستريحا أمام الكاميرا وسرعان ما انزوى بعيدا عن وهج الشهرة.

وقال جو ليندل ناشره الألماني في دار هانسر للنشر "إنه كان مؤلفا ظل على القائمة وقتا طويلا."

وأضاف قوله "كنا ننتظر معه وها هو الآن قد فاز بالجائزة.إننا نشعر بسعادة غامرة."

نشر موديانو روايته الأولى سنة 1967 عندما كان في الثانية والعشرين من العمر تحت عنوان "لا بلاس دو ليتوال" (ساحة النجمة). وفي سنة 1972 نال جائزة الرواية الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عن روايته "لي بوليفار دو سانتور" (جادات الحزام) وجائزة غونكور سنة 1978 عن "رو دي بوتيك أوبسكور" (شارع المتاجر المعتمة)، فضلا عن الجائزة الوطنية الكبرى لمجمل أعماله سنة 1996.

وكتب سيناريوهات عدة، ومحاولة ادبية مع الممثلة كاترين دونوف عن شقيقتها التي ماتت في سن مبكرة، وكلمات لأغان فرنسية عدة.

وفي العام 2000 كان ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي.

وترجمت روايات باتريك موديانو الى 36 لغة.

وكان آخر فرنسي يفوز بالجائزة قبل موديانو هو جان ماري لو كليزيو، وهو فار بها في العام 2008.

وعلى مدى تاريخ منح الجائزة، كرم 27 اديبا باللغة الانكليزية في مقابل 14 اديبا باللغة الفرنسية ومثلهم باللغة الالمانية.

وكان اسم باتريك موديانو متداولا في الاوساط الثقافية العالمية منذ سنوات كمرشح لنيل نوبل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com