إمساكية رمضان ..طباعة فاخرة ومحافظة على روح التراث
إمساكية رمضان ..طباعة فاخرة ومحافظة على روح التراثإمساكية رمضان ..طباعة فاخرة ومحافظة على روح التراث

إمساكية رمضان ..طباعة فاخرة ومحافظة على روح التراث

لا زالت الإمساكية تشكّل جزءاً من الملامح الرمضانية، التي يعشقها المصريون، تتبارى دور النشر في طباعتها وتوزيعها كعلامة على إبداء روح المحبة والسلام في شهر التسامح والإخاء، تلك الورقة المطبوعة على هيئة غلاف كتاب، تحوي في طياتها مواقيت الصلاة والإفطار والإمساك خلال شهر رمضان، فضلاً عن الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر شهر الصوم.

ويرجح المؤرخون أن مصر عرفت "إمساكية رمضان"، في نهاية القرن الثامن عشر تحديداً عام 1798 م، مع دخول الحملة الفرنسية، حيث دخلت معها إلى ربوعها آلات الطباعة، وكانت مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي باشا عام 1805 م، صاحبة أول إمساكية لتعريف الصائمين بمواقيت الصلاة وصلاة عيد الفطر، وما زالت تلك الإمساكية بهيكلها الثابت تطبع حتى الآن، ومع انتشار دور الطباعة في بداية هذا القرن، وتعدد الإصدارات والمطبوعات الدينية، ظلت الإمساكية من العادات الرمضانية التي توارثها الأجيال، وتطبع منها كميات كبيرة، كي توزّع على عامة الناس، منذ خمسينيات القرن الماضي، وتختلف جودة الطباعة حسب الخامات الورقية والألوان المستخدمة وفنية التصميم.

وكانت الإمساكية في بادئ الأمر، قاصرة على فئات محدودة من المجتمع، مثل كبار الموظفين والتجار والمؤسسات والهيئات الحكومية، التي تقوم بطبعها بأعداد وفيرة وتحمل التهنئة بحلول شهر رمضان، حتى انتبهت سائر المحلات والحوانيت إلى استخدام الإمساكية، كأسلوب من أساليب الدعاية والإعلان، حيث يكتب على ظهر غلافها تهنئة صاحب المنشأة أو الحانوت إلى الأمة الإسلامية كنوع من الدعاية والإعلان عن صاحب المحل، كما تضيف بعض المحلات في الإمساكية ذكر أصناف البضائع أو السلع المنتجة، على أن يحتفظ المحتوى بالشكل الثابت للإمساكية، والذي يحوي مواقيت الصلاة والإمساك طيلة أيام شهر رمضان.

الإمساكية الدفترية

تتعدد أشكال الإمساكية، فهناك الثنائية أو الثلاثية أو الدفترية، حيث يحرص أصحابها على طباعة أسماء الله الحسنى وبعض الأحاديث النبوية القدسية فضلاً عن الآية الكريمة: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، كما يحدد فيها أيام الأسبوع ومواقيت الصلاة وموعد صلاة عيد الفطر المبارك، وفي الغلاف صورة للكعبة المشرفة أو الجامع الأزهر أو جامع الحسين أو قبة الصخرة .. وتتميز الإمساكية الدفترية بفخامة طباعتها، وألوانها وخطوطها المبهجة، حيث تشتمل على مأثورات عن فضل الصيام وعيد الفطر، والآيات السبع المنجيات، وقصار السور، لما تحمله من عدد صفحات أشبه بكتيب صغير، ويتراوح سعر الإمساكية ما بين جنيهين أو جنيه مصري، حسب التكلفة وجودة الطباعة.

وإذا كانت الإمساكية من ملامح الشهر الكريم، فإن الصائمين يحرصون على اقتنائها والاحتفاظ بها حتى لا تتعرض للتلف، حيث تمر السنوات ويتضاعف عدد الإمساكيات، التي يقتنيها البعض، لتحمل إليهم أريج الذكريات في شهور الصوم، والتي تحوي العديد من المباهج والروحانيات، فالشهر الكريم هو شهر الاستثناء، وفيه يجتمع شمل الأسرة، ليسرد الآباء والأمهات على أطفالهم ذكرياتهم الجميلة في شهر رمضان.

ولعل ما يدفع الناس إلى الاحتفاظ بالإمساكية، هو احتواؤها على الآيات القرآنية الكريمة، لذلك ينبه الكبار أطفالهم إلى ضرورة الاهتمام بالإمساكية، وعدم الدخول بها إلى دورات المياه، أو إلقائها على الأرض، ومن هنا كان للإمساكية، مكانة كبيرة في نفوس الصائمين كتقويم لسيد الشهور، وما تتضمنه من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة.

طبعات فاخرة

وفي العقدين الماضيين اتجهت شركات السياحة، ومؤسسات القطاع الخاص والفنادق الفاخرة، إلى طبع إمساكية رمضان، وتوزيعها على العملاء، وهي غالباً ما تكون طباعة فاخرة، متعددة الصفحات، وتسمح ببعض الإضافات التراثية، كرسومات للمسحراتي أو بائع العرقسوس أو بائع الكنافة، وغيرها من المظاهر الرمضانية المحببة إلى النفوس، والتي تحمل خصائص التراث الشعبي .. وهكذا استخدمت الإمساكية كوسيلة من وسائل الترويج والدعاية، بما تحويه من إعلانات عن السلع الغذائية كالمسلى والزيوت والشاي والبن وغيرها، مما دفع أصحاب المطاعم الشهيرة في القاهرة إلى تبني هذه الفكرة، وطبع "إمساكيات" بكميات كبيرة، تحمل التهنئة بحلول رمضان، ومواقيت الصلاة والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، والمأثورات، وفي ذات الوقت قائمة بأنواع الأطعمة، وعنوان المطعم ورقمه الهاتفي، وذكر أن المطعم يقدم وجبات جاهزة أو أنه على استعداد لإقامة الولائم والأفراح.

فروق التوقيت

ويلاحظ من يقتني إمساكية مطبوعة في القاهرة، عبارة أساسية وهي مراعاة فروق التوقيت، فأداء الصلوات في ميقاتها، يختلف جغرافياً من مدينة لأخرى، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ولذلك يحرص طابعو الإمساكية على ذكر فروق التوقيت بين القاهرة والإسكندرية مثلاً، حتى لا يظن حامل الإمساكية أنه بإمكانه أداء فرائضه أو الإفطار أو الإمساك حسب توقيت القاهرة بينما هو يقطن في الإسكندرية، ولاشك أن انتشار المطابع قد ساهم إلى حد كبير، في ذيوع طباعة الإمساكية في سائر المدن المصرية، فلا تكاد تخلو مدينة أو قرية لا تهتم بطبع الإمساكية، كدليل يومي لمواقيت الصلاة، وعادة محببة إلى النفوس.

وفي الإسكندرية عروس البحر المتوسط، تنهض عشرات المطابع بطباعة إمساكية رمضان، والتي تتنوّع أشكالها وألوانها وخامات الطباعة حسب أماكن العملاء، ولا توجد فروق جوهرية في الشكل أو الطباعة، باستثناء إضافة بعض الملامح الخاصة لمدينة الإسكندرية، وهي رسم أشكال من جوامعها الشهيرة كمسجد المرسي أبو العباس أو القائد إبراهيم، أو جامع سيدي بشر.

وبدخول الكتابة على الكمبيوتر واستحداث آلات الطباعة، تراجعت مهنة كتابة الخطوط والزخرفة اليدوية للإمساكية، حيث يتم تصميم الإمساكية على جهاز الكمبيوتر، تمهيداً لطباعتها، مما أفقد خطوطها الكثير من جماليات التشكيل، التي تفنن فيها الخطاطون المهرة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com